على المجتمع الدولي معاملة “الدعم السريع” كما داعش
_ حسين عوض علي _
لا تتلاءم ردّة فعل المجتمع الدولي على حرب العدوان التي تشنّها مليشيا قوات الدعم السريع، ورعاتها، على السودان شعباً ودولة، ولا يوفّر القانون أساساً متيناً للحلّ السلمي للأزمة في السودان. إن حقّ الدول في الدفاع عن نفسها ومواطنيها مبدأ أساس رسّخه القانون الدولي وميثاق الأمم المتّحدة. وليس هذا الحق مُجرَّد إمتيازٍ وإنّما هو واجب على الدول القيام به لحماية سيادتها ورفاهية شعوبها. مع ذلك، وفي ظلّ تصاعد الصراعات عالمياً، يجب التركيز أيضاً على الفظائع التي ترتكبها كيانات غير الدول، مثل الجماعات الإرهابية، والتنظيمات الإجرامية والمليشيات. وتمثل مليشيا “الدعم السريع”، التي كانت تعرف بإسم “الجنجويد”، الكيانات الثلاثة مجتمعة.
والمؤسف أنّ المؤسّسات التي يناط بها تطبيق القانون الدولي كثيراً ما تهدّد سيادة الدول، التي هي أساس النظام الدولي المعاصر، ربّما من دون قصد. يحدث ذلك عندما تُمنَح تلك الكيانات نفس الشرعية مثل الدول ذات السيادة ومؤسّساتها الوطنية، هذا إلى جانب التسييس المتزايد لقضايا العدالة وحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. ويُقدّم آخر تقرير لبعثة تقصّي الحقائق في السودان التي شكّلها مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة نموذجاً لتلك الممارسات. يوثّق التقرير الفظائع غير المسبوقة والإنتهاكات الجسيمة للقانون الدولي من قبل المليشيا، بما فيها جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية والعنف الجنسي والإستعباد وتجنيد الأطفال. إلّا أنّ البعثة في تحدٍّ للمنطق والعدل، نادت بفرض حظر للسلاح يشمل القوات المسلّحة السودانية، الجيش الوطني الذي يدافع عن المواطنين ضدّ المليشيا المتوحّشة. بعبارة أخرى، تدعو البعثة إلى حرمان الشعب السوداني والدولة السودانية من الحقّ والواجب الأساسي الأول؛ الدفاع عن النفس، في مواجهة ما يرقى إلى غزو أجنبي.
خلال العقد الماضي كان للمجتمع الدولي موقف موحّد ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بعد أن استولى على أجزاء شاسعة من سورية والعراق، وهدّد الشرق الأوسط بمجمله. كما نسّقت دول غرب أفريقيا جهودها لاحتواء “بوكو حرام”. تشترك مليشيا الدعم السريع مع التنظيمين الإرهابيين المشار إليهما في ثلاث صفات؛ الأيدولوجية المتطرّفة والإقصائية؛ الامتدادات العابرة للحدود؛ والعنف الوحشي خاصّة ضد المدنيين والنساء. وبينما وثّق عنف المليشيا القائم على الجنس والعرق بدرجة كبيرة، فإنّ الصفتَين الأخريين اللتين تضعانها ضمن الجماعات الإرهابية حظيتا باهتمام أقلّ.
ينبع عنف المليشيا الُمتطرّف من أيدولوجية قائمة على الاستعلاء العرقي، وتهدف لإقامة وطن قومي لعرب دارفور ودول الساحل الأفريقي، أو من يُعرفون بـ”عرب الشتات”. ولتحقيق ذلك، تقاتل المليشيا لطرد السكّان الأصليين من الأراضي الخصبة في دارفور وكردفان والجزيرة وسنار لتوطين عرب الشتات في تلك المناطق.
بسبب الخسائر الثقيلة في العنصر البشري أصبحت المليشيا تعتمد بشكل أساس على المرتزقة والمجموعات القبلية
لقد سلّط بعض الكُتّاب، وأجهزة إعلام، الضوء على ما يمثله هذا المشروع من خطر. فمثلاً، وضمن آخرين، حذّر أخيراً الكاتب السوداني عثمان ميرغني (نائب رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط سابقاً)، من العواقب بعيدة المدى لهذا المسعى على المنطقة بأسرها. وكشف تحقيقٌ مشتركٌ لقناة سكاي نيوز البريطانية، وصحيفتي واشنطن بوست ولو موند، نمطاً للتطهير العرقي بواسطة المليشيا التي يُردّد عناصرها شعارَ “النصر للعرب”. وتمتلئ الوسائط الاجتماعية بفيديوهات لشبّان من عربان الساحل وهم يحتفلون بما يعدّونه انتصارات عسكرية للمليشيا في دارفور ومناطق أخرى، مع إشادات واسعة من شخصيات بارزة من تلك المجتمعات بـ”القائد” محمد حمدان دقلو (حميدتي). ومُبكّراً، عقب بدء الحرب، إعتبر خبير القرن الأفريقي البارز إليكس دي فال أنّ “الدعم السريع أصبح مؤسّسة مرتزقة خاصّةً وعابرةً للحدود”، محذّراً من أنّه ما لم يُكبَح جماح المليشيا فإنّ السودان سيصبح مُجرَّد فرع من هذه “المغامرة”. وبسبب الخسائر الثقيلة في العنصر البشري أصبحت المليشيا تعتمد بشكل أساس على المرتزقة والمجموعات القبلية من عربان الشتات.
خلافاً لما حدث مع “داعش” وبوكو حرام، فإنّ المجتمع الدولي لا يزال يُقلّل من الحجم الحقيقي للخطر الذي تمثّله مليشيا قوات الدعم السريع/ الجنجويد. وما يثير القلق أكثر أنّ دولاً بعينها (وجهات أخرى) لا تزال توالي تقديم الدعم العسكري للمليشيا، بما يُمكّنها من التمادي في جرائمها من دون خشية من العقاب.
آن للعالم أن يقف بجانب الشعب السوداني، فمستقبل السودان يعتمد على عزيمتنا الجماعية لترسيخ العدل وحقوق الإنسان وحكم القانون
ولأنّ المجرمين لا ينصاعون طواعيةً للقانون، فإنّ الدول تنفّذ القوانين بالقوّة. ويصف بعض المُفكّرين النظام الدولي بأنّه نظام فوضوي، لعدم وجود سلطة عُليا يعترف بها الجميع. إلّا أنّ القانون الدولي ونظام الأمم المتّحدة والمنظّمات الدولية لا يزال لها دور. ومن دون ذلك سننحدر إلى حالة انعدام القانون. من المقلق أن نرى بعض الدول تعطي الأولوية لمصالحها الضيّقة على حساب المبادئ والقيم العالمية عندما يتعلّق الأمر بإدانة الجرائم ضدّ المدنيين السودانيين، وبمنع تجنيد المرتزقة. هذا المنهج الانتقائي سيقوّض قواعد العدالة الدولية وحقوق الإنسان. يجب على العالم ألّا يتجاهل معاناة الشعب السوداني جرياً وراء المصالح السياسية والاقتصادية. السبيل لسلام دائم في السودان يكون عبر نهج جديد للتعامل مع مليشيا “الدعم السريع”. على المجتمع الدولي أن يتعامل مع هذه المليشيا بنفس الطريقة التي يُعامل فيها “داعش” والمجموعات الشبيهة، وذلك ليس عبر الإدانات اللفظية فقط، وإنّما بإخضاع قادة المليشيا ومموّليها ورعاتها للمحاسبة، ويجب إعطاء الأولوية لوقف إمدادات المليشيا من الأسلحة والمرتزقة.
كذلك، على المجتمع الدولي مساعدة السودان في إقامة عملية سلام شاملة،. ويعني هذا تشجيع الحوار بين الأطراف الوطنية كلّها، وتقوية مؤسّسات الدولة، وترقية احترام حكم القانون وحقوق الإنسان. يستحقّ الشعب السوداني مستقبلاً أفضلَ وخالياً من العنف والاضطهاد، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بالالتزام الصادق بالسلام وبالعدل. آن للعالم أن يقف بجانب الشعب السوداني، ويطالب بمحاسبة مرتكبي الفظائع. يمكن تحقيق السلام والاستقرار المستدامَين في السودان فقط عبر جهود موحّدة ومبدئية، إنّ مستقبل السودان يعتمد على عزيمتنا الجماعية لترسيخ العدل وحقوق الإنسان وحكم القانون.