جنوب السودان والمتنافسون على خلافة سلفاكير

ترتفع درجات الحرارة السياسية والعسكرية في جنوب السودان، وجواره الأفريقي، ولدى الضامنين لاتفاق السلام الأخير في جمهورية جنوب السودان الناشئة، لعوامل متعددة. فعندما سرت مؤخرًا تسريبات بشأن الحالة الصحية للرئيس سلفاكير ميارديت وأنه قد أصيب بشلل جزئي، عمّت الأوساط المختلفة حالة من الترقب والقلق.

وزادت الهواجس بعد شائعة وفاة سلفاكير، حتى تبين للجميع أن الوفاة كانت لشقيقة الرئيس وليس هو نفسه. هذه هي المرة الثانية التي تنتشر فيها شائعة وفاة الرئيس سلفاكير، مما يرفع من درجة الاضطراب وعدم اليقين في الدولة المضطربة أصلًا والغارقة في دوامة العنف المتزايد منذ انفصالها عن السودان في عام 2011. إذ تشهد نظام حكمٍ هجينٍ وغير ديمقراطي وغير مستقر، وهو ذو طابع أوليغارشي وعسكري إلى حد كبير.

تولى سلفاكير منصب نائب رئيس الدولة في السودان الموحد قبل انفصال إقليم جنوب السودان في 9 يوليو/ تموز 2011، بعد أن خلف رئيس الحركة الشعبية العقيد جون قرنق في منصب نائب الرئيس السوداني عمر البشير آنذاك، ليصبح أيضًا رئيسًا للحركة الشعبية لتحرير السودان، الحزب الحاكم للدولة الوليدة فيما بعد.

وسلفاكير هو أبرز جنرالات الجيش الشعبي، ولد في عام 1951، وينحدر من منطقة “قوقريال” ببحر الغزال، التي تعتبر المعقل الكبير والمنافس لمجموعات قبائل دينكا بور ودينكا ملوال، الذين يتنافسون على القيادة السياسية والعسكرية في الدولة الوليدة، حيث تشكل قبيلة الدينكا أكبر مجموعاتها السكانية تليها قبيلة النوير.

تلعب قبيلة الدينكا، التي تنحدر منها الطبقة السياسية والعسكرية الحاكمة، دورًا محوريًا في جنوب السودان، مما يزيد من تعقيد المشهد في الدولة الأحدث في أفريقيا.
تمكنت مجهودات الجوار من إشراك الجنرال بول ملونق، قائد أركان الجيش الشعبي السابق، و”الجبهة المتحدة” بقيادة الجنرال ياو ياو، في الحوار. بيدَ أن الجنرال توماس سريلو، الذي يمثل “جبهة الاستوائية” وقائد أكبر الفصائل المسلحة، غاب عن الحوار. كما غابت الحركة الوطنية بقيادة إيمانويل أجاوين. وبالتالي، فإن تأجيل الانتخابات ذهب بهذه المجهودات مع رياح المتغيرات المتلاحقة في جنوب السودان.

خيارات المتنافسين على خلافة سلفاكير
تأجيل الانتخابات لعامين، رغم أنه تم بموافقة طرفي الاتفاق، زاد من حالات الإحباط السياسي الداخلي والدولي، حيث ترى تلك الأطراف أن المشهد يزداد تعقيدًا، خاصة بعد حوافز الحراك الشبابي في كينيا. فالتأجيل يزيد من حدة الاستقطاب حول السلطة. ورغم تأكيدات سلفاكير سابقًا أن تأجيل الانتخابات قد يقود إلى الحرب مجددًا، فإنه تم تأجيلها على أي حال.

لا يزال الملعب السياسي في الجنوب محتشدًا بالمجموعات المتنافسة، ومن بينها:

“مجلس أعيان الدينكا” أو “جينغ كانسل”
أُعيد تشكيل هذا المجلس المتنفذ في البلاد في عام 2013؛ من أجل حماية قبيلة الدينكا من الاستهداف الداخلي والخارجي، متخذًا شعار “الدينكا في خطر” ومركزًا أهدافه في حماية سلطة الدينكا. يعمل المجلس في ترابط يملأ فراغ السلطة المركزية في ظل تصفية وتراجع دور الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي يتخذ مجلسها القيادي (مجلس التحرير) موقفًا غير مَرْضِيّ عنه داخل هذا الكيان، الذي أبرز قادته السياسي المخضرم ألدو أجو دينق.
ويحظى هذا المجلس بانتقادات كبيرة لتدخله في شؤون الدولة ولعبه أدوارًا سياسية مؤثرة وبارزة عبر استغلال القبيلة، إذ يوصف من قبل معارضيه بـ “نادي العطالة”. يكرس المجلس سلطة الرئيس سلفاكير وحمايتها بكافة الوسائل، مستخدمًا القوة التي يسيطر عليها الدينكا في الجيش والأجهزة الأمنية.

مجموعة النوير وأمير الحرب ورجل السلام
أما المجموعة الثانية المتنافسة فهي قبيلة النوير، التي تعد القبيلة الثانية من حيث عدد السكان، ولها في السياسة نبوءات تشبه الأساطير. وتخوض النوير المنافسة بقيادة الدكتور رياك مشار، أبرز القيادات التاريخية للحركة الشعبية، الذي يتمتع بتعليم غربي رفيع ويتميز بصبر كبير. وكان إعلانه تحدي سلفاكير في الانتخابات السابقة بمثابة عود الثقاب الذي أشعل الحريق في الدولة الوليدة في عام 2013، وقاد إلى تداعيات كارثية في البلاد.

مشار يخوض الصراع هذه المرة مسنودًا بمجموعات عسكرية وسياسية، إضافة إلى وجوده في مناطق النفط، الشريان الذي يغذي اقتصاد جنوب السودان. ويحظى أيضًا بدعم مابيور قرنق (نجل زعيم الحركة الشعبية)، إلى جانب زوجته الشرسة وزيرة الدفاع السابقة أنجلينا تيني، التي وصفها القيادي تعبان دينق، حليف سلفاكير والمنحدر من النوير، بأنها هي من تحرك الصراع الجنوبي الجنوبي.

ويظل مشار خيارًا مفضلًا لدى المجتمع الغربي، مما يزيد من حظوظه في الفوز بالماراثون الرئاسي القادم، ما لم تقطع الطريق عليه الانقلابات أو العنف أو الجوار الطامع في التغول في دولة جنوب السودان.

مجموعات أخرى
توجد على الساحة مجموعات مختلفة، منها بقية الأحزاب المشاركة في الاتفاق (OPP)، وتحالف أحزاب المعارضة (SSOA). هذه المجموعات تطالب بإجراء حوار وطني عاجل. ومن بين هذه المجموعات أيضًا تحالف “سوما”، الذي لم يعلن بعد موقفه من تأجيل الانتخابات، إلى جانب الحركة الشعبية ومجموعة المعتقلين السياسيين.
يغيب عن الساحة أيضًا ما تُعرف بـ “أبناء قرنق”، وهي تشكيلة الحركة الشعبية التاريخية التي حاولت المجموعات الدولية إعادة بعض رموزها إلى الساحة، مثل باقان أموم، الأمين السابق للحركة الشعبية لتحرير السودان، والجنرال ملونق.
كما يغيب عن المشهد الدكتور لوكا بيونق، الخبير في المعاهد الأميركية والمتخصص في شؤون الأمن والدفاع، ووزير الخارجية الأسبق دينق ألور، ونيال دينق، وكوستيلو قرنق، بجانب انكفاء الخبير الأممي الدكتور فرانسيس دينق. هذا بالإضافة إلى النقد اللاذع الذي توجهه أرملة مؤسس الحركة الشعبية ونائب الرئيس الحالي للأوضاع في البلاد.
وتظل المجموعات العسكرية والمليشيات تمثل تهديدًا كبيرًا للاستقرار في الجنوب، مثل الجنرال توماس سريلو، إلى جانب عشرات المجموعات المسلحة التي تنتشر في طول البلاد وعرضها، وهي تنتظر ما ستسفر عنه أيام جنوب السودان الحبلى بالمفاجآت والشائعات والأساطير.

د. الفاتح الحسن المهدي

الجزيرة

Exit mobile version