قراءة الخُبراء حول موازنة السودان الطارئة للعام 2025م
أعلنت وزارة المالية السودانية، عن جملة من الموجهات والأهداف لبرنامج الموازنة الطارئة للعام المقبل 2025.
وتشمل حشد الموارد الذاتية للصرف على الأولويات، وزيادة الإيرادات العامة بزيادة الجهد التحصيلي ومكافحة التهرب الضريبي ورفع كفاءة التحصيل باستخدام الأنظمة التقنية.
ودعا محللون تحدثوا لـ(السوداني) على ضرورة اهتمام وزارة المالية بمعاش الناس ووضعه ضمن الأولويات في الصرف والاستمرار في دعم النازحين وتحسين أوضاعهم، والالتزام بسداد متأخرات رواتب العاملين بالمركز والولايات.
وأكدت الموجهات الاهتمام بمراجعة سياسات التبادل التجاري في المعابر الحدودية وفق الضوابط والإجراءات الحاكمة، وأشارت لاهتمامها بتسهيل إجراءات التجارة الخارجية وعمليات الصادر وسَـن قوانين رادعة. ووضع ضوابط صارمة لمنع تهريب السلع الاستراتيجية مع تمكين جهات الاختصاص من بسط الأمن ومكافحة التهريب. واستمرار مراجعة الإعفاءات الجمركية وحصرها في الإعفاءات الواردة في القوانين الملزمة فقط.
وأكدت حرصها على صون سيادة السودان وأمنه وتقوية النسيج الاجتماعي والثقافي وتعزيز نهج الاعتماد على الذات، وتحقيق الاستقرار في سعر الصرف وخفض معدل التضخم ومواصلة جهود تعزيز أجهزة الرقابة المالية. وتأكيد ولاية وزارة المالية على المال العام، وتوفير مقومات العيش الكريم للمواطن وتعزيز تطوير العلاقات الخارجية.
كما دعت إلى ترتيب أولويات الإنفاق الحكومي وضبطه، وتحديد الاستدانة من النظام المصرفي بالحد الأدنى ووفق الأولويات الضرورية.
وأشارت الموجهات للالتزام بسداد رواتب العاملين بالوحدات الحكومية الاتحادية ومنح أولوية لسداد مستحقات المعاشيين وتقوية شبكات وبرامج الحماية الاجتماعية وخدمات الصندوق القومي للتأمين الصحي والالتزام بتحويلات الولايات وفق قانون قسمة الموارد من الإيرادات المتحصلة فعلياً.
كما أشارت للاهتمام بأوضاع النازحين في الولايات واللاجئين بدول الجوار، بجانب إصلاح البيئة التعليمية مع منح أولوية قصوى لسداد الالتزامات الخاصة بقطاع الصحة ومواصلة الجهود لرفع الكفاءة التشغيلية لقطاع النقل وتهيئة البيئة لأجهزة الإعلام لبناء السلام الاجتماعي وتطوير البنية التحتية للإنتاج التقني، وترسيخ دور الشباب في دعم الرؤية القومية والتزام الموازنة بإعمال الشفافية والمحاسبة والمؤسسية وسيادة حكم القانون.
وأوضحت اهتمامها بتعزيز دور القطاع الخاص لقيادة النشاط الاقتصادي وتفعيل الشراكة بينه والقطاع العام بما يدعم قدرات الاقتصاد الوطني.
من جانبه، دعا المحلل الاقتصادي د. هيثم فتحي في حديثه لـ(السوداني)، وزارة المالية للتركيز في برنامج الموازنة المقبلة على محور الأمن ومعاش الناس وتقديم الخدمات بصورة تلبي حاجة المواطن.
وأشار لأهمية فتح الباب واسعاً لدخول المستثمرين الوطنيين في شتى المجالات. وأن تستصحب معها متأخرات رواتب العاملين، علاوةً على تلمس الخدمات والاهتمام بمعاش الناس وتفعيل الجمعيات التعاونية
ومشاركة القطاع الخاص في المصارف التجارية والتمويل. واعتماد عدد مقدر من الخريجين في الوظائف لمكافحة البطالة ودعم الشباب والمرأة وتمليكهم وسائل إنتاجية تمكنهم من الإسهام في الدخل القومي وتوسعة المواعين الإيرادية ومكافحة الفقر والبطالة.
وطالب بتحقيق تطلعات وأحلام المواطن وتلبية احتياجاته الأساسية في التعليم والصحة وتوفير مياه شرب نقية وتحقيق الأمن والاستقرار.
وأشار د. فتحي لسعي الحكومة الجاد على مدار الأعوام السابقة منذ 2019، وحتى عامي 2023 و2024 على نحو خاص لزيادة إيرادات الخزينة العامة بشتى السبل لتغطية العجز.
وقال: “إنها عملت على استحداث أوعية ضريبية جديدة، وزيادة الرسوم على الأوعية الحالية وتحسين إجراءات التحصيل الضريبي ومُكافحة التهرب الضريبي، وزيادة الإيرادات الاستثمارية، مروراً بضبط الإنفاق العام وترشيده، أو بالتضخم عن طريق الإصدار النقدي بدون تغطية، وانتهاءً بالاعتماد على القروض المحلية والخارجية لتمويل إيرادات الموازنة بالعجز”.
وأكد فتحي أن هذه الإجراءات لتخفيض العجز تبدو في قسمها الأكبر خارج سيطرة وزارة المالية بشكل كبير، لأسباب ترتبط بالظروف الأمنية الحاضرة وعدم الاستقرار السياسي وتأثير ذلك على الظروف الاقتصادية، إلى جانب الخسائر الكبيرة التي لحقت بمؤسسات القطاعين العام والخاص والتي أدت لتراجع إيراداتها وعدم قدرتها على سداد الضرائب.
ووصف فتحي، المشكلة بالأكثر تعقيدا في ظل غياب خيارات التمويل والاعتماد بشكل كبير على التمويل بالعجز عبر الاقتراض الداخلي من البنك المركزي.
مضيفاً: “هنالك آثار للاختلال في توازنات الاقتصاد مع تدنٍ مستمر لفاعلية أدوات التدخل المالية والنقدية في الاقتصاد”.
وأكد وجود تخبط واضح في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، في ظل تداعي الاقتصاد وتفككه نتيجة تعرض محركاته الأساسية لضربات قوية أنهكت بنيته وأفقدته الكثير من مقوماته جراء الحرب المستمرة والتدمير الممنهج للبلد إنسانياً وعمرانياً واقتصادياً.
وقال ان هناك أسبابا أخرى غير اقتصادية تُسبب انخفاضاً في قيمة العملة تتعلق بالمناخ السياسي وحالة الاستقرار الأمني في البلد، إذ تتأثر قيمة العملة سلباً في أوضاع الحروب والكوارث والفلتان الأمني وحالات عدم الاستقرار السياسي وما شابه ذلك كذلك، ولفت لعدم وجود أي استراتيجية ثابتة ومستقرة للبنك المركزي تتناسب وظروف الأزمة.
وأشار لحدوث تخبط بقرارات وتوجيهات وإجراءات عديدة أسهمت في إذكاء أزمة سعر صرف الجنيه السوداني، وقال إن الحرب تسببت في شلل شبه كامل في قطاعات الإنتاج، ومن ثم تراجع حجم الإيرادات مع تزايد الإنفاق المطلوب لمواجهة تكاليف العمليات العسكرية، وانخفضت الصادرات مقابل ارتفاع الواردات بشكل متفاوت، كما أدت الحرب وحالة عدم الاستقرار لهروب عشرات المليارات من الدولارات من السودان للخارج، بجانب ارتفاع التضخم في ظل الحرب بشكل كبير، مما أدى لركود تضخمي، وهو أحد الأمراض الاقتصادية التي يعيشها الاقتصاد بالتزامن مع الحروب والأزمات، وترافقت هذه الحالة مع ارتفاع في أسعار السلع والمنتجات مقابل طلب ضعيف عليها.
ودعا د. فتحي، وزارة المالية بإيجاد حل جذري لكل هذه الإشكالات الاقتصادية في الموازنة المقبلة.
المحلل الاقتصادي د. لؤي عبد المنعم قال لـ(السوداني): “إن المعلومات المبذولة عن الموازنة الجديدة شحيحة في ظل اقتصاد الحرب وتطوق بسياج من السرية، خاصة الموارد المتاحة والنفقات المقدرة. بصفة عامة يمكن القول إنّ شمولية هذه الموجهات تعكس تطورا في الإيرادات العامة والتزام حكومي بتوسيع الإنفاق العام، ما يعزز قيمة العملة الوطنية ويخفف من آثار الحرب على المواطنين”.
وأشار لضرورة اهتمام الموازنة في هذه المرحلة الدقيقة بحصر الاستيراد في السلع الأساسية ومدخلات الإنتاج والدواء ومنتجات الطاقة البديلة أو النظيفة، ومنع استيراد المركبات عدا النقل العام بما يضمن الحد من المضاربة على الدولار لشراء سلع كمالية وغير مهمة في هذه المرحلة العصيبة.
ودعا لربط قيمة العملة السودانية بوزن محدد من الذهب على غرار ما فعلت روسيا، وذلك يستوجب رفع احتياطات السودان من الذهب بشكل كبير وفي فترة وجيزة.
وأكد على أهمية التركيز على التوسع في العمليات الحكومية لاستخراج الذهب، وإعطاء ذلك أولوية ورفع حصة الحكومة من ذهب التعدين الأهلي وشركات الامتياز والشركات الصغيرة، والحد من تهريب الذهب والمحاصيل.
وأكد أهمية حث الجهاز المصرفي على طرح منتجات استثمارية لحفظ رؤوس أموال التجار والمواطنين من التآكل بالتزامن مع عملية تغيير العملة الجارية لضمان استمرار حشد الموارد للجهاز المصرفي لتمويل مشاريع التنمية وعدم انتقال الأموال مجدداً إلى تجار العملة، وتجفيف السوق الموازي.
وأشار للتركيز على دعم مشاريع الاقتصاد التشاركي في قطاعات النقل والطاقة والخدمات ما يسهم في تعزيز مساهمة الضرائب في الموازنة، والعمل على تخفيض تكاليف نقل المحاصيل والسلع من مواقع الإنتاج للاستهلاك للتخفيف على المواطنين، وتمويل قطاع الصناعات الدوائية عبر محفظة بنكية مخصصة لهذا الغرض، وتشجيع الصناعات الحرفية وإنعاش المشاريع الصغيرة والمتوسطة وحشد الموارد لتمويل المشاريع الخدمية عبر الجهاز المصرفي بالتركيز على قطاعي التعليم والصحة للتكيف مع نزوح المواطنين للمدن الآمنة.
صحيفة السوداني