تستدعي “سنار” التاريخ لتكتب فصلاً جديداً من البطولة والصُّمُـود وتنفض عن وجهها رماد المرحلة، ترتدي ثوب العز المُطَرّز بالبسالة، وتقف شامخةً تُقاتل نيابةً عن مدن السودان كلها.
سنار ليست مجرد مدينة، بل حكاية جديدة تعلن عن نفسها للعالم، تنبت من عظم الابتلاءات وتستقيم مثل رمح يعترض خريطة الانهزام.
ظنوها كأيِّ مدينة تصمد، ثم ترهق، ثم تسلم إلى الهزيمة؛ ما عرفوا أنّ سنار الماضي هي ذاتها سنار الحاضر، العاصفة التي لا تهدأ، حيث الأبطال الذين أشعلوا فتيل النار على روؤس المرتزقة وقطّـاع الطرق، وحيث الرصاص يسابق الكلمات ليكتب التاريخ.
من خارج غرفة العمليات – وقبل الدخول لإجراء العملية الرابعة لإيقاف النزيف – فدائي يهمس لأحد أقاربي: “سياتو شوبلي نجا من الموت بأعجوبة”، وداخل غرفة العمليات انبسطت حياة، نفضت عنها نزيف رصاص المرتزقة وخرجت لتشهد أن سنار لا تُهزم.
الجنجويد اغتالتهم حيرة النجاة؛ فالخائن أفلح في إصابة الجسد لكنه فشل في الإجهاز على الروح التي نقاتل بها، خرجتُ من العملية ورصاصة الخونة عادت صفر اليدين، سنار حمت ابنها وحطّمت أحلام المليشيا الزائفة.
هنا تتكسّر كل مؤامرات الغزاة وتدفن، وتتواصل فصول الحكاية:
“سنار ستواصل في كتابة التاريخ، لا تستعجلوا النتائج، الانتظار مملٌ، نعم.. ندرك أن الكثيرين يتوقون إلى الانتصارات.. يدفعهم حنين العودة إلى ديارهم، ويطمعون في أن يكون ذلك قريباً”.
الجواب يأتي من المحاور المختلفة، من البنادق المنصوبة نحو جماجم المرتزقة، قالوا إنّ سنار محاصرة، وإنّها آيلة للسقوط في أي وقت، وقيل إنها ستنضم إلى جارتها سنجة، إلا أنها انضمت إلى مدن الصمود، بل أضحت مثالاً لصمود آخر، صمود ذابت عنده فوارق الوحدات العسكرية والمكونات القبلية والأطياف السياسية، حيث يقف الرجال متكئين على الغضب.
أرهقت سنار كاهل المليشيا، زرعت الرُّعب في قلوبهم، عتاد عسكري كبير آليات وأسلحة وذخائر استهلكت؛ وأعداد من المرتزقة من كل دول العالم هُلِكَت، كلها تبخّرت حين قابلت أبطال سنار.
يراقب الأبطال قادتهم، يبحثون في الأُفق عن فرسان يتقدّمون الصفوف ليُعبِّدون الطريق، وما من وجه يطل غير وجه سياتو “عبد المنعم” الانتصار ليس بنوعية الأسلحة ولا كثرة الجند؛ فالرجل هو الفارس الذي يقف بين جنوده مثل طود، هيبة تكسر الصمت وتعيد رسم المعركة بعيداً عن حناجر سراق النصر، أدعياء البطولة، فمن سنار يكتب السطر الأول ممهوراً بتوقيع سياتو “إبراهيم” في زمن لا حبر فيه ولا ورق، تلعلع مدافع سنار ويصمت المرتزقة على أطرافها، مُكتفين بتصوير فيديوهات بأصوات خافتة تتوارى خلف ستائر خذلانهم.
سنار ليست مدينة وجلة تبحث عن النجدة، ليست أرضاً خصبة ينبت فيها الخونة، ويتسابق فيها الغادرون ويعودون “أشاوذَ” في أحلامهم الخاسئة، ما مر من هنا اصطدم بقبضة الاستقامة والفداء، وارتد خاسراً.
تعلن سنار عن رفضها لأي تقسيم جغرافي، تعمل على تحرير كل مدن السودان المستباحة من قِبل المليشيا، تواصل العمل ليلاً ونهاراً من أجل ذلك لا حدود مُعتمدة بين الدم الواحد.
الطريق يبدأ من جبل مويا يعبر السوكي، يمر بالدندر، يطوف بسنجة، ويمضي إلى سكر سنار، ويندفع إلى ود الحداد، ومنها إلى الحاج عبد الله ويكمل مسيره إلى مدني المثقلة بجرائم الأوباش، مدن ليست مجرد أسماء، بل أرواح تقاتل لتنتصر، ليتجرّع المرتزقة سموم الهزيمة ويتذوّق أهل السودان طعم الانتصار.
وسنظل نردد حكاية سنار بلا ملل، حكاية أبطالها الذين يقفون على بواباتها، سنخبر التاريخ أن العزة لا تُشترى، وأن الدماء لا تُهدَر هباءً، من يعتقد أن النصر كان سهل المنال لم يدرك كنه ما فعلته سنار وما قدمته من تضحيات.. النصر، هو روح تستقيم على حافة الكرامة، لا تتراجع مهما اشتد القتال.
في خاتمة القول، لكل مدينة أبطالها، وأعداؤها، وقصة تتّسع لتصبح رواية وسنار كتبت بدم أبنائها تاريخاً جديداً سيزيح القتام عن أعين الآخرين، ورددت المقولة القديمة المتجددة: “سنار أنا والتاريخ بدأ من هنا”.
من هنا، حيث بشارات النصر تلوح في طرقاتها، تردّد صوت سليمان محمود: “العز ثبات عند الحدود والعز ثبات عند العروض ركزت همم”.
وسنار، على عادتها، تُغلق بواباتها في وجه الخونة وتتركهم للخيبات.
وطني كل الأرواح لك فداء.
صحيفة السوداني