الطاهر ساتي : بما مضى ..!!

سودافاكس ـ كنت بالخرطوم عندما نهبت مليشيا آل دقلو أسواقها و حرقتها، و كان ذلك في الأسبوعين الثاني و الثالث من الحرب.. فالسرقات و الحرائق بدأت في الخرطوم بسوق بحري ثم سعد قشرة و أخيراً السوق المركزي، ومررت بجوار هذه الأسواق بعد أن حولتها عصابات آل دقلو الى رماد و .. تأسفت..!!

و لكن تأسفت على ماذا ؟.. ليس على الأسواق، بل فقط على خسائر الباعة، إذ كل تلك المسماة بالأسواق – بعشوائيتها و قذارتها – لم تكن تستحق غير الإزالة، حرقاً أو كنساً.. وهذه الحرب كانت فرصة للسلطات و الباعة والمجتمعات لتأسيس أسواق حديثة ومواكبة ، ولكن لن ننتهزها..!!

و في مقال قادم بإذن الله سأعرض نموذجاً لمن يعيقون النهضة و التطوير .. ولحين ذلك، كما تعلمون فإن قلوب الأوغاد مليئة بالأحقاد و شهوة الانتقام، ولذلك لم يكتفوا بنهب الأسواق، بل كانوا يحرصون على حرقها أيضاً.. ومع بداية الحرب قتلوا الكثير من المشردين الذين نافسوهم في النهب، ولاحقاً تم تجنيد من تبقى، ثم الزج بهم في محارق الجيش ..!!

و لعلكم تذكرون، كان لمستشار الجنجويد فارس النور – المدعوم إماراتياً – مراكز لتجميع المشردين و تنظيمهم، وكان يسميهم أبطال الشوارع..وكان هذا النشاط يحظى بدعم و إحترام الجميع، بإعتباره فعلاً إنسانياً..ولكن بعد الحرب، وانتظام المشردين في صفوف الجنجويد، تبيّن للناس بأن فارس كان بارعاً في تنفيذ خطة الامارات و جنجويدها ..!!

و الحمد لله اراح الله بلادنا من تلاميذ فارس النور في معارك المدرعات من تلاميذ فارس النور، حيث حصدت تلك المعارك الكثير من المشردين واللصوص و (٩ طويلة)..وبالمناسبة، كانت المليشيا تدفع بالمشردين إلى مقدمة القتال بعد أن يتم تقييدهم في المركبات المسروقة، ليكشفوا مواقع الألغام و القناصة موتاً وتمزيقاً ..!!

و كما كان فارس بارعاً في إستغفال الحكومة و المجتمع بجمع المشردين – و ٩ طويلة – وتنظيمهم لصالح جنجويد الإمارات، كان هناك آخرين أيضاً يستغفلون الناس والسلطات بجلب و ترتيب و توزيع المتسولين في شوارع المدن.. فالسواد الأعظم من المتسولين كانوا أجانب، أي كعُربان الشتات الذين استجلبتهم الإمارات ليقاتلوا مع الجنجويد ..!!

و اليوم .. بفضل الله ثم تضحيات الفرسان، تعود الحياة تدريجياً إلى الخرطوم ومدني و سنار وغيرها من المدن التي كانت تنتشر فيها مليشيا الجنجويد وعُربان الشتات .. ولكن للأسف، تعود الحياة بذات القُبح .. فالأسواق تعود بذات العشوائية و البيئة الرديئة والمصدرة للأمراض..!!

و عاد المشردين والمتسولين و..و.. كل المظاهر السالبة و المهددة لأمن البلد و المجتمع تعود تدريجياً مرة أخرى، ليس في الخرطوم فقط، بل في كل المدن ..حتى ظاهرة بيع الشاي في الشوراع عادت (كما كانت)، أي بلا أي تنظيم و ترخيص.. كل شئ قُبح عاد بما مضي، وليس بأمر فيه إصلاح وتحسين وتجميل ..!!

كنا و لازلنا و سنظل نأمل أن تكون هذه الحرب هي الحد الفاصل بين النظام و الفوضى في كل مناحي الحياة السودانية، بدءً من شوارعنا و أسواقنا و حتى عوالم سياستنا و اقتصادنا .. و لكن مما يبدو في كل مناحي الحياة، كأن هذه الحرب بكل ما فيها من مآسي لاتكفى بحيث تكون عِظة وعِبرة ..!!

الطاهر ساتي



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.