التقسيم بين السيادي و التشغيلي : خطأ استراتيجي بآثار كارثية

سودافاكس ـ (رد على مقال “إيرادات الهيئة العامة للطيران المدني بين التشغيل و السلطة و’القسمة الضيزى'”)
لا شك أن عملية فصل الهيئة العامة للطيران المدني إلى جهة سيادية (سلطة) و أخرى تشغيلية (شركة) كانت قراراً خاطئاً من الجذور، يعكس قصر نظر وقلة إدراك للطبيعة المتكاملة لقطاع الطيران المدني. لقد تم التقسيم بشكل تعسفي، دون دراسة فنية أو اقتصادية شاملة، مما أدى إلى تفكيك منظومة كانت تعمل بتناغم، و تحويلها إلى كيانات متنافسة على الموارد بدلاً من أن تكون مكملة لبعضها.
- التقسيم كان مبنيًا على رؤية إدارية ضيقة، و ليس على أسس مهنية :
الطيران المدني قطاع فني معقد، يتطلب توازناً دقيقاً بين الجانب التنظيمي (السيادي) و الجانب الخدمي (التشغيلي).
فصل الملاحة الجوية – و هي شريان الحياة المالي للهيئة – عن المطارات شكّل ضربة قاصمة للبنية التحتية، خاصة للمطارات الولائية التي تعتمد بشكل شبه كلي على إيرادات الملاحة.
لقد تجاهل القائمون على التقسيم حقيقة أن جودة الخدمة الملاحية ترتبط مباشرة بجودة المطارات، و العكس صحيح. الفصل العضوي بدلاً من الفصل الوظيفي : خلل في التصميم
المفترض أن يكون الفصل بين السيادي و التشغيلي وظيفياً (أي فصل الصلاحيات مع بقاء التكامل المالي و الإداري)، و ليس عضوياً (تفكيك الكيان إلى جهتين منفصلتين).
القرار الأصوب كان إنشاء إدارة سيادية للرقابة والتنظيم، مع الاحتفاظ بوحدة الموارد تحت مظلة واحدة لضمان استدامة التشغيل و الصيانة. لكن ما حدث هو تجريد المطارات من إيراداتها الأساسية، مما جعلها عاجزة حتى عن تغطية تكاليف التشغيل، ناهيك عن التطوير.الأثر الكارثي: تدهور المطارات و اختلال النظام
تكشف الأرقام أن معظم المطارات الولائية أصبحت غير قادرة على تحقيق اكتفاء ذاتي، بل إن بعضها لا يستقبل رحلات لسنوات. لو كانت الملاحة الجوية بقيت ضمن الكيان التشغيلي، لكانت مواردها موزعة بإنصاف على جميع المطارات وفق أولويات وطنية، بدلاً من تركها رهينةً لصراعات الجهات المتحكمة في السلطة.
كما أن محاولة تخصيص 25% من إيرادات الملاحة للمطارات – والتي لم تُلتزم بها بشكل دائم – تؤكد فشل النموذج القائم.
- الدوافع الخفية: السيطرة على الموارد و التهرب من المسؤليات بعد ان بلغ عدد الكوارث الجويه رقما مهولاً و ليس القصد منه الإصلاح
و لا ننسى دور الفريق اللبناني الذي استعان به المهندس محمد عبدالعزيز في تفكيك الهيئة العامة للطيران المدني و هو فريق لا خبرة له بإدارة شؤون الطيران المدني
بل فريق اتي مع محمد عبدالعزيز من جياد و قبلها كان أيضا معه في إدارة بعض المشاريع الزراعية
كما أشار الكاتب فإن الهدف الحقيقي من التقسيم كان “وضع الملاحة الجوية تحت يد من يتحكم في الموارد” و ليس تحسين الكفاءة.
و هذا يؤكد أن القرار كان سياسياً وإدارياً بحتاً، وليس مهنياً. بل الأكثر إيلاماً أن بعض من دفعوا باتجاه الفصل حاولوا لاحقاً التراجع عندما اكتشفوا أنهم وضعوا أنفسهم في الجهة الخالية من الإيرادات!
- الحلول المطلوبة: العودة إلى التكامل أو إصلاح النظام الحالي
الخيار الأمثل: إعادة دمج الجانب التشغيلي (بما فيه الملاحة الجوية) مع السيادي في هيكل واحد، مع فصل واضح للصلاحيات دون تفكيك الموارد حيث ان ما قصد به أن يكون تشغيليا بات مشرفاً فقط على بعض مقدمي الخدمات
إصلااح الحوكمة : يجب أن يُدار القطاع بمهنية، بعيداً عن المصالح الضيقة، مع إشراف جهات رقابية مستقلة.
الخلاصة: قرار التقسيم كان فادحاً و يجب تصحيحه
التقسيم الحالي يشبه “قطع رأس الطائر ثم التظاهر بأنه سيستمر في الطيران!” لقد دمّر هذا القرار قدرة المطارات على البقاء، و زاد من مركزية الموارد، وأضعف الكفاءة التشغيلية. الكل يدفع الثمن الآن – خاصة بعد الحرب – حيث أصبحت إعادة الإعمار أكثر صعوبة في ظل نظام مشوه.
الخبراء الذين حذروا من العواقب (مثل المهندس موسى جلالين و الأستاذ ياسر عثمان) كانوا محقين، والوقت أثبت أن القرار لم يكن سوى “قسمة ضيزى” كما وصفها الكاتب.
آن الأوان لمراجعة هذا النظام قبل أن ينهار تماماً ما تبقى من قطاع الطيران المدني في السودان.
و الله المستعان.
إبراهيم عدلان/المدير السابق لسلطة الطيران