خال الرئيس يكتب : دروسٌ وعِبرٌ من وحي فشل العصيان المدني!

نعم، لقد فشل العصيان المدني بنسبة كبيرة ربما تجاوزت التسعين في المائة تزيد أو تنقص باختلاف القطاعات الفئوية ولا ينبغي للحزب الحاكم وقياداته أن يفرحوا فقد والله بلغ غليان الشارع غداة تلك القرارات الاقتصادية الكارثية، بما فيها (جليطة) تحرير أسعار الدواء، منتهاه وما أحجم الناس عن العصيان اقتناعاً بأداء الحكومة وهي تخبط كما العشواء مضيِّقة الخناق على الشعب ومتجاهلة بدائل كثيرة كان من الممكن أن تلجأ إليها بدلاً من تلك القرارات المستفزة .

لقد تحلّى المواطنون بوعيٍ كبير حين أحجموا عن العصيان المدني خوفاً من مجهول لا يعلمون مآلاته في ظل مهدِّدات أمنية وسياسيَّة خطيرة تكتنف البلاد الموبوءة بحروب متطاولة لم تضع أوزارها أو يخب أوارها مع محيط إقليمي ملتهب رأى الناس كثيراً من انفجاراته التي يخشون تكرارها في بلادهم المرشَّحة لتلك المآلات المُرعبة.

كثيرٌ ممن شاركوا في العصيان ساقهم إليه خوفٌ من تفلُّتات محتملة في الشارع كما أن بعض الآباء أمسكوا أبناءهم عن مدارسهم في اليوم الأول وما أن اطمأنوا في اليوم التالي ورأوا بأم أعينهم فشل دعوة العصيان حتى سمحوا لهم بالذهاب.

تنازعتني مشاعر شتى وأنا أتأمل ذلك المشهد فقد فرحت لفشل العصيان المدني لكنه فرحٌ منقوص والله العظيم فبقدر ما صدَدْتُ بأحاديثي وكتاباتي عن ذلك الفعل فرحت كذلك بذلك الخوف الذي اعترى قيادات الحزب الحاكم والذي جعلهم لأول مرة يشعرون بخطورة تلك الدعوة ويتفاعلون مع غضب الجماهير بصورة إيجابية، فمن يعقد المقارنة بين رد فعل الحكومة في أحداث سبتمبر 2013 وتفاعلها هذه المرة مع الأحداث الأخيرة يشعر بشيء من التغيير الذي أرجو أن يمهِّد لنقلة أخرى في التعاطي مع الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية التي تُحيط بالبلاد.

تراجعت الحكومة عن قرار تحرير الدواء وأنهت خدمة من تولى كبر ذلك الخطأ الكبير وعقدت مؤتمراً صحافياً لوزير الصحة الاتحادي في نهار الجمعة وهو أمر مدهش بكل ما تحمل الكلمة من معنى.. قبلها استجابت لتحرُّكٍ عفوي من الأطباء، بعيداً عن النقابة الشرعية، كشف عوار بعض أخطائها الكبرى في مجال العمل الصحي.

تلك التراجعات جديدة في سلوك الحكومة التي اعترفت، ربما لأول مرة بأخطائها، وما كانت تفعل ذلك في سابق أيامها، بل إن الحملة الإعلامية المضادة التي نظمتها أجهزة الحزب الحاكم كشفت بجلاء عن أنه أخذ الأمر مأخذ الجد وشعر بأن الأرض تميد تحت قدميه!

ذلك التفاعل بل ذلك الخوف (الإيجابي) من الحزب الحاكم مفرح لكل من يعمل من أجل نقل هذه البلاد إلى مسار جديد ولكل من تفاعلوا مع الحوار الوطني ومخرجاته لكنهم يخشون من تنصل المؤتمر الوطني من إنفاذ تلك المخرجات سيما وأنه نكص عن التزاماته التي نصت عليها خارطة الطريق الأولى بما في ذلك إجراءات تهيئة المناخ من حريات وإطلاق سراح للمعتقلين بل والمحكومين سياسياً والتوافق مع المعارضة حول قيام الانتخابات وغير ذلك كثير.. كله رُكِل من قِبَل الحزب الحاكم وأجهزته القابضة فهل نشهد سلوكاً جديداً منه في التفاعل مع مخرجات الحوار الوطني؟

إنفاذ مخرجات الحوار الوطني يحتاج إلى هذه الروح التي اعترت الحزب الحاكم مؤخراً.. روح الاستجابة للضغوط ولمطلوبات المعارضة.

إنني لأرجو أن تمسك القوى المتحاورة بزمام المبادرة وتناقش مع الحزب الحاكم خارطة طريق بآجال محدَّدة لإنفاذ مخرجات الحوار مستغِلَّة الروح الجديدة التي سرت في جسد المؤتمر الوطني.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.