المسيرات… حرب السعودية و مصر!!

سودافاكس ـ في الهجوم الأول على بورتسودان في 4 مايو 2025، سارعت وزارة الخارجية المصرية بإدانة الهجمات التي استهدفت البنية التحتية و المرافق الحيوية في مدينتي بورتسودان و كسلا بشرق السودان، معتبرةً هذه الأعمال انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.
و في فجر اليوم الثلاثاء 6 مايو عادت مصر لإدانة الهجوم الجديد، و أكدت أنه تصعيد خطير.
ترى، هل هذا كل ما يمكن أن تفعله مصر وما تقدر عليه، أم أن باستطاعتها فعل الكثير لإيقاف العبث في عمقها الاستراتيجي؟
و لكن لماذا يجب أن تتخذ مصر موقفًا أشد حزمًا بخطوات عملية؟
بالتأكيد، ليس من أجل ترديد أهازيج التاريخ المشترك والنضال ونهر النيل وكل تلك المحفوظات البديعة، ولكن لأجل مصر نفسها… كيف؟
2
لطالما وصفت مصر السودان بأنه عمقها الاستراتيجي، فماذا يعني بذلك؟
يعني أنه خط الدفاع الأول أمنيًا ومائيًا، أو مثل ما تقول كل الأدبيات التاريخية والعسكرية والسياسية المصرية… ولا كيف؟
الآن، هل هناك تهديد ماثل لذلك العمق الاستراتيجي أمنيًا ومائيًا؟
ليس هناك إلا إجابة وحيدة، وهي: نعم.
الآن يتهدد عمق مصر الاستراتيجي، ومصالحها كلها في خطر بصورة غير مسبوقة في التاريخ… كيف؟
3
تشير تقارير أمنية وصحفية موثوقة إلى أن المسيّرات التي ضربت بورتسودان أمس واليوم انطلقت من منطقة واحة العطرون. تُرى، أين تقع منطقة العطرون؟
في صحراء شمال ولاية شمال دارفور، وبها قاعدة عسكرية تستخدمها المليشيات سابقًا، والإمارات حاليًا، كنقطة انطلاق لعملياتها العسكرية ضد السودان، بما في ذلك الهجمات بالطائرات المسيّرة التي استهدفت مطار بورتسودان وكسلا وغيرها أمس وأول أمس.
و كانت مليشيا الإمارات قد أعلنت في أبريل 2025 عن سيطرتها على منطقة العطرون، التي تقع بالقرب من الحدود مع ليبيا وتشاد.
المسافة بين واحة العطرون تلك والسد العالي تُقدّر بحوالي 1,200 كيلومتر، كما تبعد عن القاهرة نفسها 2,000 كيلومتر فقط، علمًا بأن المسافة بين واحة العطرون التي يُحتمل أن تكون المسيّرات انطلقت منها ومدينة بورتسودان تُقدّر بـ1,200 كيلومتر.
كما أن قاعدة بوصاصو (في بونتلاند بالصومال) تبعد عن مدينة بورتسودان حوالي 1,200 كيلومتر إلى الجنوب الشرقي.
و يعني ذلك أيضًا أن المسيّرات التي قطعت نفس المسافة من واحة العطرون إلى بورتسودان بإمكانها أن تصل السد العالي بسهولة.
ويعني ذلك أيضًا أنه، بمقدور مسيّرات الإمارات التي تتخفى تحت كدمول المليشيا، أن تصل القاهرة نفسها (2,000 كيلومتر).
و لا بد أن القاهرة تدرك أن مسيّرات الحوثي وصلت إلى عمق تل أبيب.
هل هناك تهديد للأمن القومي المصري، ومن عمقها الاستراتيجي، أكثر من ذلك؟
أكثر من ترك عدوٍ عابث عدواني متربص يرابض في ظهر مصر، الذي ظل محميًا لمئات السنين، منذ غزت مملكة كوش مصر في القرن الثامن قبل الميلاد، و تحديدًا في عهد الملك بعانخي، وذلك حوالي سنة 730 قبل الميلاد.
منذ ذلك التاريخ و حتى عهد البشير (الملك الكيزاني الذي حارب مع حكام أرض الجزيرة العربية لحماية أرض الحرمين). ومنذ ذلك التاريخ ظل ظهر مصر آمنًا ومطمئنًا، لا خيانة، ولا طلقة، ولا خنجر.
و كيف لا؟ إنها مصر، عمق تاريخنا، و موضع محبتنا الدائم.
الآن يحاول محمد علي باشا، أو باشاوات العصر الخليجي المتصهين، أن يهددوا عمق مصر من خلفها، بواسطة الباشبوزق اللابسين كدمول (مليشيا آل دقلو)، كما حاول محمد علي باشا غزو كل إفريقيا بهم.
و مصر ترى ذلك رأي العين، فماذا تنتظر؟
قال المتنبيء وهو بين ظهراني مصر:
و أهونُ سعيٍ ما كفَيتَكَ خَطَـبَهُ
و أيسرُ داءٍ ما دَرَيتَ لهُ دَواءَ
4
تُرى، هل فعلاً تأمن مصر غدر الإمارات (أعني حكامها لا شعبها)؟
التي ترتكز خلفها بجنجويدها، وخاصة وهي تجرّ وراءها خيول الصهاينة بعربة “إبراهام”.
و من لم تغدر به عصابة أباطرة الإمارات في العالم العربي؟
اليمن مزقتها، ليبيا قسمتها، الصومال قطعتها قطعة قطعة حتى أصبحت أرض الصومال الكبير أراضيَ الصومال!
غزة دمرتها وأفنت أهلها بالتحالف مع الصهاينة، تونس أجهضت ثورتها، الجزائر بدأت سكاكينها تدور في أحشائها الآن، السودان، لم يكفها و يشفي غليل حكامها قتلُ أهله وتمويل إبادة جماعية، بل تُدمّر مسيّراتها الآن كل مقدراته بطول البلاد وعرضها، دون أن يكون السودان و السودانيون قد آذوها في تاريخهم بشيء أو ارتكبوا في حقها جرمًا.
بل كان ولا يزال شعب الإمارات هو موضع حب السودانيين قاطبة، و لكن حكامها ليسوا بذي عهد ولا وفاء لشعب ولا أرض ولا أخوّة.
فكيف، يا تُرى، وبالله، أن تأمن مصر على نفسها من حكام شيمتهم الغدر؟!
5
نحن لا نلوم مصر لأنها لم تفعل من أجل عمقها الاستراتيجي بل لم تفعل ما يكفي، من أجل مصر نفسها، كيف؟
رأينا كيف يمكن أن يُهدد أمن مصر من واحة العطرون…
الآن، سنرى كيف يُهدد اقتصاد مصر إذا ما اشتعلت النيران في عمق البحر الأحمر.
تُعد قناة السويس مصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة في مصر، حيث تمر عبرها حوالي 10% من التجارة العالمية.
في عام 2023، حققت القناة إيرادات قياسية بلغت 10.25 مليار دولار.
في عام 2024، شهدت القناة انخفاضًا حادًا في الإيرادات بنسبة 61%، لتصل إلى حوالي 3.99 مليار دولار، ويُعزى هذا التراجع إلى التوترات الإقليمية، خاصة في البحر الأحمر وباب المندب، حيث أدت هجمات الحوثيين على السفن إلى تحويل العديد من خطوط الشحن إلى طرق بديلة حول رأس الرجاء الصالح، مما قلل من عدد السفن العابرة للقناة بنسبة 50%.
و وفقًا للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فإن هذه التحديات كلفت مصر خسائر تُقدّر بنحو 7 مليارات دولار من إيرادات القناة خلال عام 2024.
6
هكذا أصبحت مصر، وهي في خضم ضائقة اقتصادية معلومة، تواجه نقصًا رهيبًا في الموارد التي تساهم بها قناة السويس في الاقتصاد المصري.
فماذا سيحدث إذا توقفت أو تعثرت حركة الملاحة في البحر الأحمر؟
للأسف، الأعداء يراهنون على تلك الضائقة ويتمنون اشتدادها، بل يعملون على زيادتها وتأثيرها بإثارة النزاع في البحر الأحمر، لأنهم يتوهمون أن مصر المخنوقة اقتصاديًا ستخضع لإدارتهم ليشتروا موقفها من الحرب في السودان بالابتزاز المالي.
و ما دروا أن شعب مصر لم ولن يخضع في تاريخه لغير الله.
المصريون، مهما ضاقت عليهم الأحوال، لا يبيعون أنفسهم ومواقفهم بأموال الدنيا.
لكن المستجدين في السياسة والتاريخ لا يعرفون عظمة مصر، لأنهم لا يقرأونه.
7
مرة أخرى وأخيرة، والحال كذلك… ماذا تنتظر مصر لتنهض، لا لإنقاذ السودان ونصرته، بل لإنقاذ نفسها؟
مصر مهددة أمنيًا واقتصاديًا وجوديًا.
أولم تسمع مصر الهالك يهددها بالغزو؟
و يهددها صعاليك المليشيا وأوباشها بدك السد العالي، الذي أصبح في مرمى مسيّراتها، تحت إمرة جنجويد الإمارات؟!!
8
هذه، يا مصر ليست حرب السودان، بل حرب كل أحرار العالم وثواره غير الخاضعين للابتزاز، ولا المساومين الخائنين لدماء شعوبهم، ولا الذين يرهنون إرادتهم من أجل حفنة دراهم…
هذه حرب لتعضيد مسيرة التاريخ للشعوب العظيمة، وهي حرب لن تُهزم فيها الشعوب بالمسيّرات، مهما طال مداها وبلغ أذاها، فلن يضرونا إلا أذى.
والله غالب على أمره…
فيا مصر، هل؟
عادل الباز



