عادل الباز : النفط و الكهرباء مقابل الاستسلام!!

سودافاكس ـ حين انطلقت مساء أمس المضادات الأرضية في سماء بورتسودان ضد مسيرات العدو ضج الفضاء بتهليل الرجال و زغاريد النساء.
أمر هذا الشعب عجيب ، كلما اصطلى بنيران الطغاة الصغار، ازداد تماسكا و صلابة، و كلما قرروا أن يهزموه، انتصر و هلل و كبر و زغرد… لأنه شعب أقوى و أكبر مما كان العدو يتصور!!
2
كتب الرائع د. أمجد فريد لا فض فوه مقالاً أمس سيبقى مدى التاريخ “السودان أنشودة الذين لا يهزمون و لا يستسلمون.” قال فيه: (سنمضي في دروب محبة هذه البلاد إلى آخرها، و لن تكسرنا مسيراتكم، و لا صواريخكم، و لا جحافل مرتزقتكم، و لا مؤامراتكم، و لن يهزمنا عملاؤكم، و لن نخضع لمنطق القوة الغاشمة، و لا نلين أمام جبروتكم، و سيبقى علم بلادنا عالياً خفاقاً في سمائنا، و حريتها تُفدى، و عشقها شعلة متقدة في قلوبنا، و سنورث هذا العشق لهذه الأرض جيلاً بعد جيل).
3
في الحلقة الماضية من هذا المقال، رأينا كيف سارعت الإمارات بواسطة مليشياتها لتدمير آبار النفط و خطوط أنابيب البترول، ثم تدمير مصافي البترول وأخيراً المخازن الاستراتيجية للبترول في بورتسودان، إضافة إلى محطات الكهرباء ومحولاتها.!! في نهاية المقال تساءلت: لماذا تفعل الإمارات كل ذلك الآن؟ الإجابة البسيطة على هذا السؤال أن الإمارات تعمد لتدمير السودان كلياً عبر استهداف أهم صناعاته، وكذلك تسعى لعرقلة تحرك القوات النظامية نحو دارفور بوقف إمدادات البترول عن المتحركات (13 متحركاً) التى تتجه الآن صوب دارفور. نعم، كلها تلك أهداف ضمن حملة الدفتردار الانتقامية التي يقودها حكام أبوظبي بواسطة الجنجويد “الباشبوزق” الجدد. ولكن الهدف الحقيقي في تقديري هو فرض الاستسلام على السودانيين. فرض الاستسلام بخلق وقائع على الأرض ليتم الضغط من خلالها على الجيش ليذهب منكسرًا إلى التفاوض، وفي قاعات التفاوض يتم فرض الشروط، أقلها إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 15 أبريل 2023، مما يعني إعادة تموضع الجنجويد و حلفائهم مرة أخرى في قلب المشهد السياسي و. العسكري، تمامًا كما جاء في نصوص ملهاة وفضيحة المنامة!!. إذا ما اكتملت مهزلة فرض الشروط، ستكون السيطرة متاحة مجددًا على مقدرات البلاد الاقتصادية واستكمال تنفيذ المشروع الغربي الصهيوني في البلاد الذي بدأه السفير البريطاني الأسبق في السودان عرفان صديق، وتابعه بغير إحسان عميل الإمارات حمدوك. الهدف النهائي لحملة المسيرات يستهدف فرض الاستسلام، تلك هي أحلامهم و. أمانيهم.. لكنهم واهمون.. لماذا؟
4
لأنهم عجزوا أن يفرضوا الاستسلام عسكريًا أيام كانت كل مقار الجيش محاصرة، و قيادة الجيش معتقلة في أقل من كيلو متر، والآلاف من منازل المواطنين وكل العاصمة محتلة، و خمس ولايات خارج سيطرة الحكومة. و وقتها كان الجيش بلا سلاح و لا ذخيرة و لا مقاتلين، في ذلك الوقت العصيب لم تستطع الإمارات عبر القتال أو المفاوضات أن تفرض الاستسلام على الشعب و الجيش.
فكيف بإمكانها أن تفعل الآن و مليشياتها مطرودة من خمس ولايات و مطاردة الآن في أقاصي كردفان ودارفور، وفيالق متحركات الجيش تدق أبواب محاضنها في أقاصي كردفان ودارفور؟
5
عجزت الإمارات عن فرض الاستسلام على الشعب والجيش سياسيًا، رغم أنها اشترت أغلب قادة دول الجوار والمنظمات الإفريقية على أيام موسى فكي، لعنة الله عليه. وحاولت عبر رئيس الإيقاد المرتشي روتو، الذي نادى بوقف الحرب فورًا والمليشيا تحتل كل العاصمة. وبالرغم من أنها اشترت بمالها القذر كل غثاء تقدم وصمود وتأسيس مؤخرًا… وكل العويش الرخيص الذي هو أرخص من المرجخيص في أسواق دقلو!!
6
و حاولت الامارات وبريطانيا مرة أخرى فرض الاستسلام عبر الآلية الموسعة للاتحاد الإفريقي وعبر الضغوط البريطانية في مجلس الأمن، ثم عبر مؤتمر جنيف، وأخيرًا حاولت فرضه في مؤتمر لندن الذي انهار في فضيحة مدوية نتيجة لرفض مصر والسعودية مساواة الجيش بالمليشيا، ورفض الإمارات إدانة التدخلات الخارجية التي تشير إليها مباشرة.
7
مرة أخرى.. إذا عجزت الإمارات عن فرض الاستسلام سياسيًا و عسكريًا على الجيش و تلشعب السوداني وقتئذ و كان في أسوأ و أشد أحواله ضيقًا، كيف تأمل أن تفرضه الآن و الجيش منتصر و متقدم و الشعب “صاحي” و مصطف كله خلف قيادته؟! فرض الاستسلام فشل عسكريًا و سياسيًا، و الجيش في أضعف أحواله، فكيف سينجح الآن لمجرد أن هناك مسيرات بإمكانها ضرب مصادر الطاقة و مخازن النفط و محطات الكهرباء هنا و هناك؟
8
إن كل ما فعلته هجمات المسيرات في بورتسودان أنها نزعت عن الإمارات الكدمول الذي كانت تتدثر به وهي تخوض حربها ضد السودان، وكشفت نفسها وهي تبدأ مرحلة جديدة من الحرب التي قادتها وتقودها الآن ضد السودان. وفي ذلك فوائد لا تحصى: أهمها… أنها كشفت الوجه القميء لحكام الإمارات وهم يشنون حربًا ضد شعب لم يعاديهم يومًا، بل ساهم في نهضة بلادهم (شيمتهم الغدر). ثم إن العدوان الإماراتي على السودان كشف للذين يتحدثون عن الأمن العربي والإقليمي من الذي يهدده، ومن الذي يعصف بأمن البحر الأحمر بتوسيع دوائر الصراع فيه وحوله، وفضح من يتدخل في الدول الإفريقية ويغرقها في الصراعات ويمول الحروب ويسعى لتفتيتها من ليبيا إلى الصومال إلى السودان إلى الكونغو.
9
يخشى كثيرون أن تسعى الإمارات لمهاجمة ميناء بورتسودان عبر المسيرات، ولكن في ظني تلك حماقة لن ترتكبها الإمارات لأنها تستفيد بشكل كبير من البحر الأحمر من خلال التجارة (جبل على) مع شرق أفريقيا، إضافة لتجارة النفط، اضافة لوجودها العسكري على سواحل البحر الاحمر في أكثر من أربع قواعد عسكرية (ميون بالقرب من باب المندب، بربرة في أرض الصومال، وبراني في مصر). وتستثمر في ثلاثة موانئ على سواحل البحر الأحمر (عدن، جيبوتي، بربرة). كما أن البحر الأحمر يوفر للإمارات فرصة لتعزيز نفوذها الاستراتيجي في منطقة القرن الإفريقي ودعم مصالحها في الأمن البحري وحماية خطوط التجارة الدولية. أي محاولة لاستهداف الموانئ سيؤثر على أمن البحر وبالتالي التجارة، وسيضر بمصالح الإمارات نفسها ووجودها على شؤاطئ البحر الأحمر، وسيُدخل أطرافًا أخرى في الحرب. ولكن ماذا لو غاصت الإمارات في نهر جنونها الحالي وقصفت ميناء بورتسودان؟ هل هناك خيارات بديلة للسودان و ما هي التحديات؟!!
10
يملك السودان فرصًا كثيرة للحصول على الوقود عبر البحر الأحمر من خلال ميناء بورتسودان نفسه دون أن يكون هناك حاجة لمخازن استراتيجية. ويملك أيضًا بديلاً آخر هو ميناء بشائر، وبإمكانه الاستعانة بنفط الجنوب الذي يتدفق إلى الخارج الآن تحت الحماية الأمريكية و لن تستطيع الإمارات قصف ميناء بشائر في سواكن.
أيضًا بإمكان السودان استخدام ميناء عصب، و خاصة أن إريتريا بموقفها العظيم مع السودان في هذه الحرب لن تبخل عليه بسواحلها و. موانئها و هي الآن تفعل ما لا يمكن تصوره أو الكشف عنه الآن لصالح السودان، وسيعرف الشعب السوداني يومًا الأيدي الصديقة التي مدت له بصمت. إضافة إلى أن السودان يستطيع استخدام حدوده المفتوحة مع تشاد وليبيا لتوفير احتياجاته من النفط للمتحركات العسكرية في دارفور وكردفان. أما الكهرباء التي يستهدفون محطاتها ومحولاتها، فلن يؤدي انقطاعها إلى استسلام السودانيين الذين عاشوا مئات السنين بدون كهرباء و سيعيشون مادام شمس بلادهم تشرق و الانهار تجرى من تحتهم و الغيث ينهمر من فوقهم و الحمد لله.. “إِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّـهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ” صدق الله العظيم، و هو غالب على أمره.
عادل الباز



