منبر جدة وجهود إنهاء الحرب في السودان: دور سعودي أميركي نحو سلام مستدام

منبر جدة وجهود إنهاء الحرب في السودان: دور سعودي أميركي نحو سلام مستدام
نور الدين صلاح الدين

في كلمته أمام القمة الخليجية الأميركية، أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التزام المملكة بمواصلة جهود إنهاء الأزمة في السودان عبر منبر جدة، الذي يحظى برعاية سعودية أميركية مشتركة، هذا التصريح يعكس جدية الرياض وواشنطن في دعم مسار السلام بالسودان، استناداً إلى نفوذهما الإقليمي والدولي، ومكانتهما في صياغة الحلول للأزمات المتفجرة في المنطقة.

لماذا السودان مهم للسعودية وأميركا؟

تستند أهمية السودان إلى موقعه الجغرافي الاستراتيجي، وتأثير استقراره على أمن البحر الأحمر، وهو ممر حيوي للتجارة العالمية وأمن الطاقة. كما أن الأزمة السودانية تخلق بيئة خصبة لتمدد التنظيمات المتطرفة، وتفاقم تدفقات اللاجئين إلى دول الجوار، ما يجعلها قضية أمن إقليمي بامتياز، ومن جهة أخرى.. فإن انفلات الوضع في السودان قد يقوّض أوضاع السلم والاستقرار في القارة، ويقود إلى تفجر اضطرابات في مناطق متعددة منها، مما يشكل مصدر قلق بالغ للمجتمع الدولي.

منبر جدة: طبيعة الحوار وإنجازاته

أُنشئ منبر جدة ليكون منصة تفاوض بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع، ونجح في بداياته في الدفع نحو تفاهمات إنسانية تضمنت وقف إطلاق نار مؤقت لتسهيل المساعدات، وإطلاق نقاشات حول احترام القانون الدولي الإنساني. ورغم التعثر لاحقاً.. إلا أن المنبر رسّخ نفسه كقناة تفاوض موثوقة تحظى بقبول الأطراف الإقليمية والدولية، مما يجعله مؤهلاً للعب دور محوري في أي تسوية مستقبلية.

دعم يتجاوز المنبر

لم تكتفِ السعودية بدور الوسيط، بل بادرت إلى تحركات داعمة للاستقرار السوداني خارج إطار المنبر. فقد أعلنت عن منحة تتجاوز 3 مليارات دولار لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وجددت مراراً موقفها الداعم لوحدة السودان وسيادته ومؤسسات دولته، كما أدانت الهجمات بالطائرات المسيّرة على مدينة بورتسودان، وجميعها مواقف تعكس حرصها على كيان الدولة السودانية ودعم مؤسساتها الوطنية، ورفضها لأي محاولات تقويض أو تفتيت لبنية الدولة.

إلى جانب ذلك، قام نائب وزير الخارجية السعودي وليد بن عبد الكريم الخريجي بجولة شملت إثيوبيا وجنوب السودان وتشاد، واحتل الملف السوداني موقعاً محورياً في لقاءاته، في إشارة إلى سعي المملكة لحشد دعم إقليمي يعزز فرص الحل.

تطوير منبر جدة في الإطار العسكري فقط

لضمان فاعلية المنبر، لا بد من التزامه بالمهام التي أنشئ من أجلها، وتحديداً مناقشة الجوانب الفنية العسكرية، الهدف هنا هو التوصل إلى حصر أدوات العنف المشروع بيد الدولة، من خلال إصلاح قطاع الأمن على قاعدة أن نواة الجيش المهني هي القوات المسلحة السودانية، وأن التعامل مع المليشيات المسلحة – وعلى رأسها الدعم السريع – يجب أن يتم عبر آليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج (DDR)، بعيداً عن أي غطاء سياسي.

السياسة للسودانيين وحدهم

أما القضايا السياسية، فيجب أن تبقى داخل طاولة الحوار السوداني التي تؤمها القوى المدنية، ويمكن للسعودية والولايات المتحدة تقديم الدعم السياسي والفني لهذه المبادرات، لا سيما المشاورات التي تجريها الآلية رفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي الخاصة بالسودان أو مؤتمر القوى السياسيةةالمدنية الذي ترعاه القاهرة، وكلاهما يحظى بقبول واسع بين الأطراف المدنية في السودان.

واجب القوى السياسية السودانية

أمام القوى السياسية السودانية الآن مسؤولية وطنية مضاعفة، تفرض عليها تذويب الخلافات وتقديم التنازلات الممكنة للوصول إلى توافق وطني يؤسس لمرحلة انتقالية تمهد لحكم مدني مستقر، فالحرب الراهنة ليست الحرب الأولى في السودان وتبدو كحلقة جديدة في سلسلة من الحروب التي عاشها السودان منذ الاستقلال، وكلها ناتجة عن غياب الاستقرار السياسي وضعف المؤسسات.

إن مفتاح إنهاء هذه الدائرة المفرغة هو الوصول إلى توافق وطني يضع سقفاً خلافياً لا يُتجاوز، ويؤسس لحكم مدني تعددي يحتكم إلى الدستور، لا إلى الانقلابات أو السلاح.

لا مستقبل للسودان إلا في ظل دولة القانون والمؤسسات، التي تضمن الحرية والسلام والعدالة، وتطوي إلى الأبد صفحات الحروب والشموليات.

15 مايو 2025




مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.