مقتل القوني خليل أمين مال حميدتي ..و مدينة تشادية تدخل دائرة الرعب

في مدينة أبشي التشادية، الواقعة على خاصرة الهشاشة الأمنية والإفلات من العقاب، انفجرت قنبلة من نوع آخر مساء الأربعاء 28 مايو 2025. المستشار المالي لمليشيا الدعم السريع، القوني خليل مسار، عُثر عليه جثةً هامدة داخل سيارته، بينما كان محرّك السيارة لا يزال يعمل، وكأن لحظة موته انشطرت عن الزمن ولم تنتهِ بعد.

سيارة شغالة.. وجسد هامد: علامة الاغتيال المفاجئ

الشارع الترابي في حي أمار بأبشي لم يكن يعجّ بالحركة وقتها، لكن صوت الرصاصة كان كفيلاً بإحداث صمتٍ مروّع في المكان. كان القوني يجلس في سيارته، وحيداً، قبل أن يخترق صدره الرصاص، وتُغلق عيناه إلى الأبد. المحرك ظل يعمل، كأن السيارة كانت بانتظار استئناف الرحلة. ولكن الرحلة انتهت.

كل شيء في المشهد يصرخ بأنه لم يكن حادث سطو عابر. إنه كمين، مدبّر بعناية، ويستهدف شخصًا بعينه. طريقة التنفيذ، التوقيت، وحتى هدوء المكان، تُشير إلى أن هناك من راقبه، تعقّبه، وانتظر اللحظة المناسبة لإسكات صوته.

70 مليون فرنك أفريقي: دماء على المال

قبل ساعات من مقتله، سحب القوني مبلغًا ضخمًا من أحد البنوك المحلية، يقدّر بـ70 مليون فرنك أفريقي. لم يكن سحبًا اعتياديًا، بل كأنّه توقيع مسبق على شهادة وفاته. هذا المبلغ كان الطُعم، أو ربما الدافع، الذي حرّك خيوط الجريمة.

مصدر مقرب من العائلة أكد هذه المعلومة، وأضاف أن القوني كان في حالة توتر غير معتادة قبل الحادثة، وكأنه استشعر أن شيئًا ما يُدبَّر له. فهل كان يعلم أنه مراقب؟ أم أن المسألة كانت أكبر من سرقة، وأقرب إلى تصفية حسابات داخل أروقة المال والسياسة؟

الجناة يفرّون.. والجهات الرسمية تلهث

الجريمة نُفّذت بإحكام، وفرّ منفذوها دون أن يتركوا أثراً يُذكر. لا كاميرات، لا شهود، لا أثر. المدينة استيقظت على الصدمة، لكن الجهات الأمنية لم تستفق بعد على إيقاع الفعل. لم تُعلن أي اعتقالات، ولا مؤشرات ملموسة على تقدّم التحقيق.

السلطات اكتفت بفتح تحقيق. عبارة مكرورة مفرغة من المعنى في بيئة اعتادت على أن تكون القبور أكثر صخبًا من المحاكم.

تشييع الفقيد.. وغضبٌ يسري كالنار

صباح الخميس، 29 مايو، شُيّع القوني إلى قبره. أربع زوجات، وثمانية أطفال، وقفوا عند قبره المدينة كلها كانت هناك، لا حبًا في القوني ، بل خوفًا من أن يكون القادم أسوأ.أبشي اليوم ليست فقط مدينة فقيرة تعاني من التهميش، بل باتت مشهدًا مفتوحًا على الرعب.

أربعون مليون لمن يُفصح عن الحقيقة

في خطوة لافتة، أعلن ذوو القوني عن مكافأة مالية ضخمة، تبلغ 40 مليون فرنك سيفا، لمن يدلي بأي معلومة تساعد في القبض على الجناة. أربعة أرقام هاتفية وُضعت للتواصل، مع تعهّد قاطع بالحفاظ على السرية التامة.

وتعتبر هذه رسالة واضحة من اسرة القوني التي باتت تبحث عن حقيقة من قتل إبنهم بأي ثمن.

لكن هذا الإعلان لم يأتِ من فراغ ، لا سيما بعد الجرائم الفظيعة التي قامت بها مليشيا الدعم السريع في السودان والقتل خارج القانون وسفك الدماء بلا هوادة.

الرصاص لا يسأل عن المهنة

القوني خليل مسار لم يكن مجرد صرّاف، بل اسم مرتبط بالأموال المتدفقة من وإلى مليشيا الدعم السريع. الرجل كان جزءًا من شبكة تمويل كبرى، تغذّي آلة الحرب، وتتنقّل بين الخرطوم وأبشي وأم درمان والدوحة.

قتله لا يمكن قراءته بمعزل عن هذه الخلفية. فحين تتشابك خيوط السياسة بالمال، يصبح الرصاص هو اللغة الوحيدة لفك الشيفرة.




مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.