سودافاكس – في ظل الانهيار المتسارع للعاصمة السودانية الخرطوم، برزت مدن على الهامش كمراكز جديدة للنمو والقرار، في تحول جيوسياسي واقتصادي يعيد رسم خريطة البلاد. فبينما تعيش الخرطوم نزيفا سكانيا ومؤسساتيا بفعل الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، شهدت مدن مثل بورتسودان، عطبرة، القضارف، شندي، والدبة صعودا لافتا حوّلها إلى مراكز بديلة للدولة والاقتصاد.
بورتسودان.. العاصمة المؤقتة ومركز الربط الدولي
تحوّلت بورتسودان، “درّة الشرق”، إلى مقر فعلي للحكومة السودانية، ووجهة للنازحين والدبلوماسيين، بعد أن أصبحت تضم أهم المرافق الحيوية في البلاد، مثل الميناء البحري الوحيد ومطار السودان الدولي الوحيد المتبقي. ونتيجة لهذا الزخم الإداري والاقتصادي، شهد القطاع العقاري في المدينة تضخما كبيرا، لتصبح الإيجارات بعيدة المنال لذوي الدخل المحدود، مما عمّق الفوارق الطبقية بين السكان الأصليين والوافدين الجدد.
عطبرة.. نهضة عمرانية وصناعية متسارعة
استفادت عطبرة، “مدينة الحديد والنار”، من موقعها الاستراتيجي لتتحول إلى وجهة استثمارية رئيسية. تضاعف عدد سكانها إلى ما يقارب مليوني نسمة بعد أن استقبلت عمالة نازحة من مناطق النزاع، كما ازدهر قطاع الذهب بها بعد انتقال مصفاة الذهب إليها، مما جعل ولاية نهر النيل تنتج أكثر من 70% من ذهب السودان.
القضارف.. عملاق زراعي في صعود
في الشرق، تبرز القضارف كمركز زراعي وصناعي متنامٍ، حيث جرى تشغيل أكثر من 30 مصنعا، ما ساهم في سد الفجوة الغذائية وخلق فرص عمل جديدة، بالتوازي مع ارتفاع القوة الشرائية وانتعاش سوق العقارات رغم التحديات الاقتصادية الوطنية.
شندي.. مدينة صناعية بديلة للعاصمة
استوعبت شندي العديد من المصانع والأسواق التي غادرت الخرطوم، مما جعلها نقطة جذب صناعي وتجاري، مع توسع في الصناعات الغذائية والبلاستيكية وتجارة السيارات ومواد البناء. وتشير البيانات إلى تضاعف عدد سكانها لأكثر من خمس مرات في أقل من عامين.
الدبة.. الميناء البري الجديد
تحوّلت الدبة، الواقعة على نهر النيل، إلى ميناء بري محوري يربط الشمال بالغرب والشرق، مستقبلةً واردات من مصر وليبيا، ونازحين من ولايات دارفور وكردفان. وارتفع عدد سكانها من 50 ألفًا إلى أكثر من نصف مليون، مما جعلها مركزًا لوجستيًا واقتصاديًا ناشئًا.
هل يشهد السودان إعادة توزيع دائمة للنفوذ؟
التغيرات التي تشهدها هذه المدن لا تبدو مجرد استجابات مؤقتة لأزمة الخرطوم، بل تمثل تحولات هيكلية في مراكز الثقل السكاني والاقتصادي. السؤال الذي يفرض نفسه: هل يمهد هذا الواقع لتحول دائم في الجغرافيا السياسية للسودان؟ المؤكد أن ما بعد الخرطوم لن يشبه ما قبلها، وأن هذه المدن التي كانت في الهامش أمس، أصبحت اليوم محركات حقيقية لمستقبل السودان.
سودافاكس
