تعديلات قوانين الهجرة في بريطانيا: هل انتهى عهد الإقامة السريعة؟

سودافاكس – في خطوة وُصفت بأنها الأكثر صرامة في تاريخ المملكة المتحدة، أعلنت حكومة حزب العمال عن تعديلات جذرية في قوانين الهجرة، شملت رفع المدة المطلوبة للحصول على الإقامة الدائمة من خمس سنوات إلى عشر، بالإضافة إلى حزمة إجراءات تستهدف تقليل عدد المهاجرين القانونيين بشكل حاد.

وجاء الإعلان عن التعديلات ضمن ما يسمى بـ”الورقة البيضاء”، التي قُدمت إلى البرلمان منتصف مايو/أيار الماضي، وتضمنت تشديدًا في شروط الإقامة وتأشيرات العمل والدراسة، فضلاً عن رفع متطلبات اللغة الإنجليزية، وتشديد آليات استقدام الشركاء والأسرة.

تحولات غير متوقعة من حزب العمال

المفارقة أن هذه الإجراءات جاءت من حكومة حزب العمال، الذي لطالما عُرف بمواقفه الليبرالية تجاه المهاجرين، ما أثار موجة من الجدل داخل الأوساط السياسية والمجتمعية، لا سيما أن التشديدات تزامنت مع تصريحات مشابهة أطلقتها كيمي بادينوك، زعيمة حزب المحافظين، معتبرة أن “بريطانيا ليست فندقًا للمهاجرين”.

وتسعى الحكومة من خلال هذه التعديلات إلى خفض عدد المهاجرين القانونيين إلى ما بين 200 و250 ألف شخص سنويًا، بعد أن تجاوز عدد الوافدين الجدد في 2023 حاجز الـ900 ألف شخص، بحسب التقديرات الرسمية.

تفاصيل التعديلات الجديدة

من أبرز البنود التي وردت في المسودة:

تمديد مدة الإقامة الدائمة من 5 إلى 10 سنوات لحاملي تأشيرات العمل.

تقليص مدة الإقامة بعد التخرج للطلاب الدوليين.

رفع مستوى اللغة الإنجليزية المطلوب للحصول على الإقامة.

تشديد شروط استقدام الشريك والأسرة.

مراجعة نظام العمال المهرة لتقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية.

ورغم هذه الخطوات المتشددة، أكدت الحكومة أن اللاجئين والأسر المرتبطة بتأشيرة الزواج مستثنون من التعديلات المتعلقة بمدة الإقامة، وفق ما أكده رئيس الوزراء في البرلمان.

مخاوف من آثار نفسية واقتصادية

أثارت التعديلات حالة من القلق والارتباك بين أبناء الجاليات العربية والمهاجرين، الذين بدأ كثير منهم بمراجعة خططهم المستقبلية في بريطانيا. وفي ندوة حوارية بعنوان “مستقبلنا كمهاجرين في بريطانيا”، نظّمتها منصة “العرب في بريطانيا”، ناقش متخصصون في القانون والمجتمع والإعلام آليات التفاعل مع المرحلة المقبلة.

الدكتورة لانة الصميدعي، باحثة عراقية، شددت على ضرورة تعزيز الثقة الذاتية لدى المهاجرين العرب، واعتبار أنفسهم جزءًا فاعلاً من المجتمع البريطاني، بدلًا من الشعور بالدونية أو العزلة.

احتجاجات وتحذيرات من الطعن القانوني

النائب البريطاني المستقل جيرمي كوربن انتقد السياسات الجديدة بشدة، واتهم الحكومة بالتنكر لجهود المهاجرين الذين ساهموا في بناء الدولة، قائلًا: “لماذا تصمتون عنهم عندما يعالجونكم في المستشفيات؟!”.

من جانبه، أشار المستشار القانوني علي القدومي إلى أن هذه التعديلات لم تكتسب بعد الصيغة النهائية، وما تزال قيد النقاش في وزارة الداخلية، متوقعًا أن يتم حسمها بنهاية 2025، مع ترجيحات بوجود طعون قانونية واسعة إذا تم إقرارها بالشكل الحالي.

شهادات من الواقع

عدد من المهاجرين العرب عبّروا عن استيائهم من التعديلات، مثل ميرفت من تركيا، التي قالت: “خططنا للإقامة 6 سنوات والحصول على الجنسية، لكن تغيّرت المعادلة بالكامل”، مؤكدة أن الأسرة باتت مضطرة لإعادة حساباتها بعد ما وصفته بـ”خيبة أمل مكلفة”.

كما أبدى طلال خالد، باحث دكتوراه، مخاوفه من أن يُجبر على تأجيل طموحاته عشر سنوات إضافية فقط من أجل الإقامة الدائمة، قائلاً: “أرض الله واسعة، وإذا أُغلق باب هنا، فقد يُفتح في مكان آخر”.

وفي ذات السياق، أعربت الطبيبة المصرية شيماء عن نيتها مغادرة البلاد في حال تنفيذ القوانين الجديدة، معتبرة أن “الانتظار في المجهول لا يستحق كل هذا العناء”.

ورغم استمرار الضبابية بشأن مصير “الورقة البيضاء”، يتفق أغلب المراقبين على أن المرحلة القادمة ستكون فارقة في تاريخ الهجرة إلى بريطانيا، سواء من حيث حجم التدفق أو جودة الحياة للمهاجرين أنفسهم.

سودافاكس

Exit mobile version