حوار البرهان مع الإسبانيول: هدفنا سودان مدني وديمقراطي خالٍ من النزاعات و حل مشاكلنا بالحوار

صحيفة الإسبانيول: اندلعت الحرب الأهلية السودانية الثالثة في 15 أبريل 2023، عقب فشل الانقلاب الذي قاده محمد حمدان دقلو ضد الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي. وبينما لا يزال عدد الضحايا الدقيق غير معروف، تشير دراسات حديثة إلى أن نحو 61,000 شخص قد لقوا حتفهم في الخرطوم وحدها خلال العامين الماضيين، فيما اضطر قرابة 12 مليون مدني إلى النزوح من منازلهم.
وبحسب برنامج الغذاء العالمي، يعاني نحو 24.6 مليون شخص — أي ما يقارب نصف السكان — من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
ويُعد هذا الوضع من أكبر الكوارث الإنسانية في عصرنا. وبعد ما يقارب عامين من القتال العنيف، نجحت القوات الموالية للبرهان في استعادة السيطرة الكاملة على الخرطوم ودفع دقلو غربًا. وفي إطار سعيه لإعادة إعمار السودان، شارك البرهان في يونيو الماضي بمؤتمر الأمم المتحدة الرابع حول تمويل التنمية في مدينة إشبيلية الإسبانية، وهناك أجرى مع صحيفة El Español أول مقابلة مكتوبة له منذ اندلاع النزاع.
ورغم ذلك، لا بد من التذكير بأن مسيرة البرهان لم تخلُ من العقوبات الدولية.
ففي 16 يناير 2025، أدرجته وزارة الخزانة الأمريكية ضمن قائمة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) بموجب الأمر التنفيذي 14098، متهمة إياه بالمسؤولية عن هجمات دامية ضد المدنيين، وقصف منشآت محمية كالمستشفيات والمدارس والأسواق، وفرض قيود متعمدة على وصول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك استخدام الطعام كسلاح حرب. كما اتهمته بعرقلة جهود السلام وتقويض الانتقال الديمقراطي في البلاد.
ورفضت الحكومة السودانية هذه العقوبات ووصفتها بأنها “جائرة” و”تفتقر إلى الموضوعية”، مشيرة إلى أنها فُرضت في وقت كان البرهان يحقق فيه انتصارات عسكرية ويدافع عن الشعب ضد “ميليشيات إبادة جماعية”، في إشارة إلى الفظائع التي ترتكبها قوات حميدتي في المناطق التي تسيطر عليها.
وردّ البرهان على القرار بأنه لم يطّلع عليه حتى، لعدم امتلاكه حسابات بنكية أو ممتلكات في الولايات المتحدة، مؤكدًا أن العقوبات لا تؤثر عليه.
ورغم سيطرته العسكرية على العاصمة، تظل هناك انتقادات موجهة للبرهان، منها عدم التزامه بحوار سياسي شامل، وعدم تعاونه مع التحقيقات الدولية بشأن جرائم حرب، خصوصًا بعد التقارير التي تحدثت عن استخدام أسلحة كيميائية في مناطق ريفية عام 2024، ما أدى إلى عقوبات أمريكية جديدة في يونيو 2025 شملت حظر تصدير وخطوط ائتمان حكومية.
في هذا السياق أُجري الحوار مع رجل يقول إنه يجسد مشروع الاستعادة الوطنية، بينما يواجه اتهامات خطيرة في حرب هي الأشد فتكًا بالسودان منذ عقود.
الرئيس البرهان، ما نوع القائد الذي يحتاجه السودان؟
القائد يجب أن يتحلى بالمسؤولية الوطنية، والقدرة على اتخاذ القرار، والشجاعة، ووضع الوطن في المقدمة، وحماية مقدراته، ومواجهة المؤامرات والتهديدات. كما يجب عليه العمل بحزم لتحقيق الأمن والاستقرار، وتلبية تطلعات الشعب، وصياغة رؤى واستراتيجيات تجعل السودان بين الدول المتقدمة.
كيف تود أن يذكرك التاريخ؟
عندما يُكتب تاريخ السودان، سيُقال إننا خضنا حربًا غير مسبوقة في تاريخنا ضد أكبر مؤامرة دولية واجهها السودان، وخرجنا منها منتصرين، وقُدنا البلاد إلى مرحلة جديدة من الأمن والاستقرار والسلام والتنمية. القائد الناجح يتحلى بالقيم الأخلاقية كالنزاهة والعدل والشفافية.
بعد استعادة الخرطوم، كيف ترى هذه المرحلة؟
استعادت القوات المسلحة السودانية والمدنيون المتحالفون معها السيطرة على الخرطوم ومدن أخرى من قبضة الميليشيا المتمردة، مما يتطلب رؤية تقود البلاد نحو مرحلة جديدة، بما في ذلك استكمال الانتقال الديمقراطي عبر تعيين رئيس وزراء مدني وحكومة مدنية تضمن الاستقرار. ومن منطلق التزامنا بالسلام في دارفور، قبلنا وقفًا إنسانيًا لإيصال المساعدات إلى الفاشر، التي قاومت الحصار والدمار.
ما هي أولوياتكم في دارفور؟
أولويتنا هي تحقيق السلام والأمن، وإنهاء التمرد، وإعادة النازحين واللاجئين إلى قراهم، وفرض سلطة الدولة، والشروع في إعادة الإعمار. نطالب الميليشيا الإرهابية بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ورفع الحصار عن الفاشر. قواتنا قادرة على هزيمة ميليشيا دقلو الإرهابية بدعم الحلفاء والمقاومة.
ما موقفكم من التدخلات الخارجية؟
نرفض أي تدخل إقليمي أو دولي في شؤوننا. يجب أن تُحل مشاكلنا بالحوار السوداني-السوداني. بعض الدول تدعم ميليشيا دقلو وتسعى للنيل من سيادة السودان وتحقيق مطامع استعمارية. لكننا حققنا انتصارات بفضل عزيمة الجيش وحشد الشعب.
ما الإجراءات العاجلة لحماية المدنيين؟
الحرب تسببت في كوارث إنسانية ونزوح الملايين وتدهور الوضع الصحي. اتخذنا إجراءات لحماية المدنيين، منها إنشاء آليات وطنية لذلك.
كيف تخاطبون السودانيين في الخارج؟
السودانيون في الخارج يقفون مع وطنهم وجيشهم في وجه هذه الميليشيات الإجرامية. نحن على تواصل دائم معهم، ونعمل على إيصال الحقيقة بكل شفافية. العدوان استهدف المدنيين، لكننا تصدينا له بوحدة السودانيين جميعًا تحت شعار “جيش واحد، شعب واحد”.
ما رؤيتكم للسودان خلال العقد القادم؟
نطمح إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية بعد الحرب، بتشكيل حكومة كفاءات بقيادة رئيس وزراء يتمتع بصلاحيات واسعة. السودان سيكون موحدًا، حرًا من النزاعات، آمنًا، مزدهرًا، وقائدًا في منطقته.
ما الرسالة التي توجهها للشعب الإسباني؟
نثمّن العلاقات الثنائية مع إسبانيا، ونتطلع لتعزيز التعاون في إعادة الإعمار والمجالات الإنسانية، ودعم النازحين. نوجّه الشكر لجلالة الملك فيليبي السادس، ورئيس الوزراء بيدرو سانشيز، والسفير الإسباني في السودان. العلاقات بين بلدينا تحمل مستقبلاً واعدًا ومصالح مشتركة.



