لا شيء يحدث صدفة…!!

بسم الله الرحمن الرحيم
لا شيء يحدث صدفة…!!
✍️ عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان

قبل يومين فقط، نُقل عن السيد الفريق شرطة بابكر سمرة – وزير الداخلية قوله: “الخرطوم أصبحت آمنة”، وفي اليوم التالي ترأس السيد الفريق أول شرطة خالد حسان محي الدين – مدير عام قوات الشرطة، إجتماع لجنة تأمين ولاية الخرطوم، حيث استعرض الموقف الأمني وخطط الانتشار الشرطي التي أسفرت عن (1770) ضبطية وساعدت في عودة (73,262) أسرة. وبالتزامن مع ذلك شاهدنا بأعيننا مشهداً مهيباً لقوات شرطة العمليات وهي تؤدي طابور سير منظم بقوات راجلة وراكبة، في رسالة واضحة بأن الأمن يمضي في طريقه نحو الاستقرار.

لكن، وبشكل مفاجئ، ضجت الأسافير عصر أمس بفيديو انتشر انتشار النار في الهشيم، التقطته على ما يبدو كاميرا مراقبة، يوثق حادثة نهب تحت تهديد السلاح عُرفت شعبياً بـ(٩ طويلة) استهدفت إحدى الفتيات في أم درمان. الجريمة ـ سواء كانت قديمة أم حديثة ـ تبقى مؤسفة ومزعجة، خصوصاً مع حمل أحد الجناة لبندقية كلاشنيكوف، وهو مشهد يبعث القلق ويستفز مشاعر الرأي العام.

كرجل شرطة سابق، لا أستطيع أن أتعامل مع هذا التزامن ببراءة. فالإنتشار الرهيب الواسع في دقائق معدودة و التعليقات التي صاحبت تداول الفيديو في مختلف الصفحات لفتت نظري بتطابقها الغريب، وكأنها صيغت لتوجيه الرأي العام في اتجاهات محددة. وهذا يفتح باباً مهماً لطالما نبهنا إليه: ضرورة أن تولي الشرطة اهتماماً أكبر بمسألة الرأي العام، وأن تستخدم أدوات التحليل الحديثة وتقنيات الذكاء الاصطناعي لفهم المزاج الاجتماعي ورصد محاولات التأثير عليه.

في أحد المجموعات التي تضم قدامى العاملين بالمباحث المركزية، دار بيننا نقاش مطول حول تاريخ جرائم (٩ طويلة) في السودان، وتم التوثيق لأول واقعة تعود إلى عام ١٩٨١م، ارتكبها المرحوم (أ، أ) أي قبل أكثر من أربعة عقود. ما يؤكد أن هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة، لكنها عادت للواجهة في ظل الظروف الأمنية الراهنة.

نعلم جميعاً أن الشرطة تبذل جهوداً ضخمة لاستعادة الأمن، لكن في المقابل هناك أطراف تسعى بطرق مختلفة إلى تقويض هذه الجهود، إما عبر ارتكاب الجرائم نفسها أو عبر نشر الشائعات وتضخيم الأحداث وإعادة تدويرها. وسط هذا الصراع، يبقى المواطن البسيط ـ الذي لا يملك أجندة سياسية ولا يبحث سوى عن الطمأنينة ـ في أمسّ الحاجة إلى تواصل صريح وواضح من الشرطة، يضعه في السياق الحقيقي لما يجري.

في الختام، أتمنى أن تكون الحادثة التي شغلت الرأي العام قديمة فعلاً، وإن لم تكن كذلك، فأملي وثقتي أن تنجح الشرطة في القبض على الجناة في وقت وجيز، لأن المعركة على الأمن لا تدار بالسلاح فقط، بل أيضاً بالثقة والتواصل وقراءة ما وراء الأحداث.
٢٥ أغسطس ٢٠٢٥م




مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.