تكهنات بذهاب منصب رئيس الوزراء شرقاً إبراهيم محمود

المعلومات المتوافرة عن إبراهيم محمود حامد، قليلة، كقلة تصريحاته. ولكن من خلال تتبع مسيرته، فإن المهندس الزراعي، يجيد وضع البذرة دون أن يستعجل أوان الحصاد، وربما ذلك ما يدفعه اليوم لقطف لوزة رئيس الوزراء قبيل ان تمتد إليها أيادي الآخرين.

شهد شهر يناير للعام 1956م والبلاد ما تزال تتنسم بعد اريج الاستقلال، ولادة ابن العمدة محمود حامد، المقيم وقتذاك بإحدى ضواحي كسلا وقريباً من الحدود الإريترية، واختير للمولود عقب طقوس فرحة عمت الاسرة الكبيرة اسم) إبراهيم).

وفي كسلا، درس ابن عمدة وحاكم القرية اليافع وقتها ابراهيم محمود حامد، المرحلتين الأولية والثانوية، فالثانوية، وطيلة تلك الفترة كان يعمل بجوار والده في الزراعة كتفا بكتف.

لفترة زمنية طويلاً لم يدر بخلد والده التربال وعمدة القرية البسيط بأن ابنه سيكون من أصحاب الشأن في السودان ولكن الابن الطموح حطم كل القيود وصار علما في سماء السياسة السودانية منذ أن خطى الخطوة الأولى في سلم السلطة عندما عُيِّن مفتشاً زراعياً بكوستي، ثم معتمداً لأم كدادة في العام 1993 ثم معتمداً لسنار، فوالياً لكسلا، فوزيراً للداخلية ثم وزيراً للزراعة وصولاً لمحطة مساعد رئيس الجمهورية.

سلم المجد

العام 1974م شهد تغييراً جوهرياً في حياة إبراهيم محمود حامد الذي انتقل لدراسة الجامعة بالخرطوم، ومن هناك امتدت أحلامه وبدأ الطالب القادم من الشرق يحلق في فضاء العلوم بحثاً عن علم ينفع به أهله فقضى ثلاث سنوات في الجميلة ومستحيلة (جامعة الخرطوم) حيث درسة بكلية الزراعة بشمبات، ومنها ابتعث لكلية الزراعة بالإسكندرية لمزيد من الدراسات في مجاله، ومن بعدها آب إلى الخرطوم مرة اخرى ليعمل (افنديا) في المجال الزراعي.

أفق جديد

بعد تخرجه من المدرسة الثانوية كانت مهنتا التدريس والمفتش الزارعي تخطف عقول خريجي تلك الحقبة لما توفره من عائد مادي مجزي، فعمل محمود معلماً بمدرسة الخرطوم شرق وذلك في العام 1975م، ثم انتقل لمعهد شمبات الزراعي لصقل نفسه اكاديميا حيث قضي مدة ثلاثة سنوات في ردهاته، وبعدها حقق طموحه في العمل كمفتش زراعي بداية من كوستي ثم تدرج في التمرحل الوظيفي للمفتش الزراعي وانتقل للعمل بولاية سنار كمفتش زراعي بدرجة أعلى، دون أن يستكين للوظيفة، ودفعه شغفه بالعلم ليلتحق بجامعة الخرطوم من أجل نيل الماجستر في العام 1988م حيث نال الماجستير في المجال الزراعي.

مرحلة جديدة

بعد أن صقل نفسه أكاديميا وعمليا تم اختياره في العام 1993م كمعتمد لمحلية أم كدادة بشمال دارفور مفارقا درب الزراعة بضع سنين حتى عاد إليها وزيراً للزراعة في العام 2013م، وقبل الوزارة كان عمل وزيراً للداخلية لمدة خمس سنوات، وقبلها والٍ لكسلا، ثم اختير مساعدا للرئيس الجمهورية، ونائباً لرئيس المؤتمر الوطني لشوؤن العضوية، وهو آخر منصب يتقلده .

تربال في القصر

إبراهيم محمود حامد التربال منذ الصغر والذي كان يعمل في الزراعة التقلدية إلى جانب والده بالإضافة لعمله كمفتش زراعي للفترة طويلة يعتبر اليوم أحد أبرز صناع القرار في البلاد من منصبه مساعداً لرئيس الجمهورية، فيما يتهيأ حالياً لمرحلة جديدة بعدما تواترت تسريبات عن ترشيحه مع اخرين لمنصب رئيس الوزراء المستحدث مؤخراً .

المفاوض المرن

عقب اختياره مساعداً لرئيس الجمهورية أسند للرجل مهمة التفاوض مع الحركة الشعبية شمال ليكون في قبالة ياسر عرمان، وشهدت الجولات التي قادها إبراهيم محمود انهيار تام دون أي تقدم ملحوظ، وكانت البيانات الواردة من الشعبية شمال تحمل الوفد الحكومي المفاوض مسؤولية انهيار المفاوضات وتتهم ابراهيم محمود بصورة شخصية بالعناد والتمترس في المواقف.

بيد أن عضو الوفد الحكومي المفاوض حسين كرشوم له رأي مغاير حول إدارة أبراهيم لملف التفاوض ويقول إن الحنكة والدراية بإمساك الملفات المعقدة هي ما يميز إبراهيم محمود الذي يعمل بصبر في أثناء التعقيدات التي كانت تواجههم في التفاوض ويردف بالقول إن إبراهيم محمود كان يشاورنا في أدق التفاصيل و لا ينفرد برايه، ويزيد إن محمود شخصية مرنة جداً.

ويمضي كرشوم في حديثه مع (الصيحة) فيقول إن تقلب إبراهيم محمود في الوظائف التنفيذية المختلفة اهله لادارة وفد التفاوض مع قطاع الشمال بحكمة كبيرة، وختم حينما تشتد المواجهات مع وفد قطاع الشمال وحينما يصل الامر مرحلة صعبة وانسداد في الافق بين الجانبين الحكومي وقطاع الشمال كان يقابل ابراهيم محمود هذه التعقيدات بابتسامة تدل على صبره ومصابرته.

آراء متأرحجة

في الجوانب التي تخص حزب المؤتمر الوطني الذي يشغل فيه محمود منصب الرجل الاول تنظمياً، بدأ قطاع عريض غير راضٍ عن أدائه خاصة وأن كثيرون يصفونه بالبرود مع الملفات التنظمية الحساسة فيما يقتضي مقعد نائب رئيس الحزب شخصية قوية وحاسمة وهو ما كان متوفراً في سلفه في ذات المقعد نافع علي نافع الذي كان يتعامل بصلابة وحسم في الملف التنظيمي.

وفي عهد محمود شهد المؤتمر الوطني عدة تفلتات تنظيمية أبرزها في الولايات خاصة الخرطوم والجزيرة والبحر الأحمر. في الخرطوم كانت المعارك في قمتها بين تيارات الحزب المتناحرة ذلك من دون ان يتدخل إبراهيم بصفته المسوؤل الأول من أجل تهدئة المعركة. وفي البحر الأحمر كاد منسوبي الوطني أن يقذفوا بالوالي علي حامد خارج كابينة الحكم ليتدخل المركز متأخراً ويقوم بوضع معالجات ساهمت في تهدئة الأوضاع بالبحر الأحمر. وفي الجزيرة كان الصراع أصعب وأشرس من ولايتي البحر الأحمر والخرطوم حيث ظل رئيس الوطني بالجزيرة محمد طاهر أيلا في منخفض جوي لعاصفة مواجهات مع قيادات الوطني حد أن وصف خصومه بخفافيش الظلام، ذلك إبان صمت غير بليغ من حارس بوابة الوطني في المركز إبراهيم محمود.

وبالتالي فإن المآخذ التنظيمية تعرقل كثيراً من طموحات محمود التنفيذية التي عرف بها منذ عمله كمفتش زراعي وصولاً لمحطة الاستوزار.

عن ذلك يقول زميله في كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية، د. أسامة توفيق، لـ (الصيحة) إن إبراهيم محمود كان أكاديمياً في المقام الأول دون نشاط سياسي أو تنظيمي واضح للعيان، ولكنه –أي محمود- كان منتمياً للحركة الإسلامية السودانية، ويصوت لصالحها في الانتخابات. وأضاف توفيق أن إبراهيم محمود التحق بكلية الزراعة بالاسكندرية في العام 1979م، وأشار إلى أنهم شكلوا مجموعة من التيار الاسلامي ولكن ابراهيم – على حد تعبيره- كان بعيدًا عن العمل الحزبي، وكان شخص ودوداً ومهذباً يركز كل جهده في الأكاديميات.

حظوظ

عن حظوظه في منصب رئيس الوزراء، هنالك ثالوث من العناصر التي تدفع بـ (التربال) نواحي المنصب، وتلك العناصر ممثلة في ثقة الرئيس عمر البشير، ووفاقية محمود الذي لا يعرف له خصوماً، فضلاً عن حاجة الولايات الشرقية لتمثيل رفيع في القصر الجمهوري. ولكن إن من شيء يشده من قميصه إلى الوراء فهي ذات سيرته الوفاقية التي حولها فرقاء الوطني من نقطة قوة إلى محور ضعف تنطلق منه معاركهم شديدة الوتيرة.
الصيحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.