هل الخرطوم فعلاً ملوّثة كيميائياً؟
السؤال دا حقيقي ومشروع، وما مفروض نتعامل معاه بسياسة أو دعاية، أو بتهويّل و تبسيط، أو نحوله لأداة سياسية ضد تعافي الخرطوم …
الخرطوم، زي أي مدينة مرت بحرب ودمار، طبيعي تتأثر وتتعرّض لأنواع مختلفة من التلوّث.
لكن هنا السؤال المهم: شنو نوع التلوّث؟ كمّيته قدُر شنو؟ وأثره على حياة الناس كيف؟
أولاً: شنو نوع التلوّث الممكن يحصل؟
نوع التلوّث بتحدده طبيعة الدمار: سلاح معيّن، مصنع ذخيرة اتضرر؟ معمل كيميائي؟ محطة كهرباء أو مويه؟ مخازن وقود أو مصانع مواد، مستشفى الذرة و إلخ؟، كل دي سيناريوهات بتخلق مخاطر، بنثبتها أو ننفيها عبر شواهد و تقارير و رصد دائم و ليس بالتخمين او الإدعاء …
لكن لحدي الآن، منظمات دولية زي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت إنو استهداف مستشفى الذرة ما أدّى لتسرب إشعاعي أو كيميائي فوق المعدلات العالمية.
منظمة الصحة العالمية برضو قالت استهداف معمل إستاك ما نتج منه تسربات خطيرة، و ما أشارت لأي تقارير عن تلوث كيميائي شامل أو خطر في أي مكان بعيّنه.
و ختاما وزارة الصحة السودانية عبر فرقها الميدانية أعلنت إنو ما في دليل على تلوّث واسع أو حالات تسمم جماعي شامل واسع الإنتشار، و لا أدلة علمية أو سريرية على ذلك.
هل معنى كدة إنه ما فيه تلوث إطلاقا !، أبدا فيه بؤر و مناطق متضررة و معرضة لأنها تكون ملوثة و بتكون محدودة بمكان و مدى التعرض للتلوث و سرعة الاستجابة و الاحتواء زي ما حصل في تسرب الكلور ….
أو مناطق ملوثة نتيجة الصرف الصحي و تدمر البنية التحتية برضه بيتم عمل معالجات ليها و هكذا …
ثانياً: مدى التأثير
التأثير دا بيعتمد على النوع والكمّية. لحدي الليلة، كل القياسات وتقارير المنظمات الصحية أكدت إنو المستويات الموجودة ما بتتجاوز المعايير العالمية، وما في أي دليل على تلوّث بعيد المدى يمنع الناس من الرجوع لحياتهم الطبيعية بالتدريج و الحذر و البُعد عن البؤر.
يعني باختصار: الخطر محصور في مكانه ودرجة التعرّض، وما شامل المدينة كلها.
لكن برضه كونه لا دليل على تلوّث يمنع العودة ده ما بيعني إنه
في انعدام للخطر تمامًا !..
غياب الدليل على تلوّث واسع لا ينفي وجود مخاطر محلية قرب مواقع متضررة؛ لذا فُرق الاستجابة تعمل وتشتغل ببروتوكولات تقييم المخاطر و الرصد و الاحتواء.
و ده تماما بينسجم مع توصية العودة بحذر، لا مع تهويل “المدينة غير صالحة للعيش”، و التحذير المُطلق من العودة، أو الترويج للعودة بلا خطط أو محاذير !!
ثالثاً: موضوع “الأسلحة الكيميائية”
حتى الآن لم تُنشر أدلة فنية علنية تثبت وقوع تلوّث واسع في الخرطوم نفسها جرّاء ذلك، بل تقارير وكالات مختلفة تنفي ما يدل على أي رصد إشعاعي\كيميائي شامل أو فوق المستويات العالمية، و لا يوجد رصد محلي أو دولي لأي حالات سريرية أو علمية. !
رابعاً: شنو بتقول المنظمات الصحية عن الوضع العام؟
تقارير منظمة الصحة العالمية لعام ٢٠٢٥ تصف أزمة صحية وإنسانية كبرى (انهيار خدمات، أوبئة مائية مثل الكوليرا، حميّات و نواقل الأمراض و إلخ) لكنها لا تُبلغ عن تلوّث كيميائي/إشعاعي مجتمعي واسع؛ التحديات الصحية الراهنة مرتبطة أكثر بانقطاع المياه، الصرف، والأمن الغذائي، التلوث البيئي و الصحي و الوضع العام، لا بانكشاف كيميائي شامل.
خامساً: شواهد التعافي
رغم الوضع الصعب، في تقارير بتأكد رجوع كثير من المستشفيات والعيادات المتنقلة للعمل داخل الخرطوم. والخدمات الصحية قاعدة تشتغل تدريجياً على مختلف المستويات، و منظمات عادت لتباشر عملها من داخل مقارها في الخرطوم بما فيهم منظمة الصحة العالمية نفسها و غيره من تقارير العودة للسكان و المواصلات و المحال التجارية و غيرها، فلو في فعلا تلوث شامل مانع للحياة، ما كان حيحصل كدة ..!!
طيب نعمل شنو؟
نطالب بالشفافية: نشر نتائج القياسات للهواء والتربة والمويه و مواصلة عمليات و بروتوكولات التقصي و الرصد.
المراقبة المجتمعية: الناس تبلّغ لو شافوا حاجات مريبة (روائح قوية، مويه متغيرة، نفوق حيوانات، أعراض جماعية تنفسية أو غذائية و غيره).
احتياطات داخل المنازل: غلي المويه، تهوية البيوت، وما نتعامل مع أي براميل أو مخلفات مجهولة و ضرورة التبليغ عنها.
المسوحات البيئية المركزة: تكون في المناطق الصناعية، محطات الكهرباء والمويه، والمخازن الكبيرة و كل البؤر المُحتملة.
الرسالة الأخيرة
الحرب أنتجت مئات الحوادث الموثّقة داخل الخرطوم وهذه تُدار كـنقاط ساخنة تحتاج مسحًا ومعالجة موضعية
لا ككارثة تلوّث شاملة للمدينة و ذلك بدليل تقارير دولية و محلية حديثة.
الأجدر أن نُميّز بين بؤر و نقاط الخطر التي تُدار فنيّا، وبين سرديات سياسية إمّا تُهوّل أو تُبَسِّط.
الخرطوم تتعافى تدريجيًا، وتحتاج لتمام التعافي، مواصلة المسوحات والمعالجات الموضعية للإشكالات المختلفة والشفافية مع الجمهور و التعاون معه.
د. يسرا زين.
5 سبتمبر 2025 .
رأي شخصي : نشر الشائعات دون أدلة و براهين لن يمنع الخرطوم من شقّ طريقها نحو التعافي، لكنه سيكشف من يريد لها أن تتعافى و بين من يروق له دمارها ….🔥🇸🇩✊
