صفقات ذهبية يحوم حولها الفساد

سودافاكس – يعوّل السودان على الذهب كمخرج اقتصادي وحيد للخروج من أزماته المستمرة منذ عقود، غير أن بريق الذهب في السودان يبرق ويخبو وسط عوائق ومشكلات أبرزها التعدين الأهلي والسياسات الحكومية المتقلبة. ووسط هذا الكمّ، تبرز صفقات بين الشركات والحكومة السودانية لتزيد الأمر تعقيدًا.
أثار اتفاق استثماري بين وزارة المعادن السودانية وشركة مشتركة بين رجال أعمال سودانيين ومصريين مخاوف من الفساد واستغلال النفوذ
وأثار اتفاق استثماري بين وزارة المعادن السودانية وشركة مشتركة بين رجال أعمال سودانيين ومصريين مخاوف من الفساد واستغلال النفوذ، مما دفع إلى مطالبات بإجراء تحقيق شامل ومراجعة دقيقة للتعاقدات في قطاع التعدين، ومحاسبة المتورطين فيه.
وُقّع الاتفاق يوم الخميس 4 أيلول/سبتمبر 2025 في فندق هيلتون القاهرة، بين وزارة المعادن السودانية وشركة “ديب ميتالز للتعدين”، التي يديرها مبارك أردول، المدير السابق للشركة السودانية للموارد المعدنية.
بعد ساعات من توقيع الاتفاق، أثيرت مخاوف من وجود فساد في الصفقة، خاصة بعد ظهور مبارك أردول كمدير للشركة الموقعة على الاتفاق. واعتبر البعض هذا الأمر استغلالًا للنفوذ والعلاقات التي ترتبت على وظيفته السابقة.
أردول يوضح
وسارع أردول بالتوضيح قائلًا إن “ديب ميتالز للتعدين” شركة سودانية يملكها كل من النمير والجارحي، ويديرها مبارك أردول كمدير عام، برأسمال قدره 277.3 مليون دولار، وهي شركة في مرحلة الرغبة لا التعاقد.
وأضاف: “الشركة لم تبدأ نشاطها بعد، وهي بصدد استكمال المتطلبات والإجراءات القانونية قبل الشروع في التنفيذ الفعلي”.
الجارحي يكذّب أردول
وكذّب رجل الأعمال المصري محمد الجارحي، مبارك أردول بشأن صفقة الاستحواذ على منجم ذهب في السودان بنسبة 85%، وأكد توقيع الاتفاق بعكس ما ذكره أردول بأن الاتفاق لم يُوقّع بعد.
وقال الجارحي في منشور: “في خطوة تعكس ثقة متزايدة في مستقبل قطاع التعدين بالسودان، وقّعت شركة ديب ميتالز اتفاقية استراتيجية مع وزارة المعادن السودانية برعاية الوزير نور الدائم محمد أحمد طه، بهدف تطوير واحد من أهم القطاعات الواعدة في الاقتصاد السوداني: الذهب”.
وأوضح أن الاتفاق يشمل الاستثمار عبر خطة طويلة المدى تغطي عمليات الاستكشاف والإنتاج في ولايات الشمالية، البحر الأحمر، نهر النيل، والقضارف، مما يرسخ الوجود في مناطق استراتيجية غنية بالثروات الطبيعية.
وأشار إلى أن الاتفاق يمنح الشركة الاستحواذ على 85% من منجم “أركيديا”، مع خطة لإنشاء مصنع لمعالجة المخلفات ومصفاة حديثة للذهب، بما يعزز القيمة المضافة للموارد السودانية ويخلق سلسلة إنتاج متكاملة.
رفض التوقيع
وأعلنت الهيئة الشعبية للشمال رفضها ما سمته “الصفقة المشبوهة”، التي تمنح شركة مصرية وسودانية استثمارات بقيمة 277.3 مليون دولار، تشمل الاستكشاف والإنتاج عن الذهب والحديد في عدة مواقع امتياز موزعة على ولايات الشمالية والبحر الأحمر ونهر النيل والقضارف، إضافة إلى إنشاء مصنع لمعالجة المخلفات ومصفاة للذهب.
وقال الأمين العام للهيئة، د. أسامة سيد أحمد حسين، في بيان إن أراضي وموارد الإقليم الشمالي ليست خاضعة للبيع والمزايدات، وأن أي خطوة في هذا الاتجاه ستواجه بالرفض، مشيرًا إلى ضرورة استشارة المجتمع المحلي في كل ما يتعلق بموارده.
وطالب الحكومة الاتحادية وحكومتي الشمالية ونهر النيل بإعلان موقف واضح من الاتفاق، كاشفًا عن أن الهيئة بصدد تكوين آلية لمراجعة عقودات الاستثمار الخاصة بشركات التعدين والمشاريع الزراعية الممنوحة لجهات مشبوهة.
نفي الوزارة
ونفت وزارة المعادن السودانية صحة الأنباء التي تتحدث عن توقيع اتفاقية استثمارية بقيمة تتجاوز 277 مليون دولار مع شركة “ديب ميتالز”.
وأكدت الوزارة في بيان رسمي، السبت 6 أيلول/سبتمبر 2025، أنها لم توقّع أي اتفاق أو مذكرة تفاهم مع الشركة المذكورة حتى تاريخ إصدار البيان، ولم تلتزم بأي التزامات تعاقدية أو قانونية تجاه أي جهة.
وأشارت الوزارة إلى أنها ترحب بالشركات الأجنبية الراغبة في الاستثمار، خاصة المصرية، في قطاع التعدين، مؤكدة أنها تعمل على تعزيز التعاون للحد من التهريب والنشاط غير المنظم في القطاع.
مصالح وفساد
ويرى الخبير الاقتصادي أحمد بن عمر أن الاتفاق الاستثماري –إن تم– بعيدًا عن أعين الرأي العام، يثير مخاوف من تضارب المصالح، خاصة مع تولي أردول، المدير السابق للشركة الحكومية، إدارة شركة خاصة في القطاع ذاته.
وأشار ابن عمر إلى أن غياب الشفافية في طرح مربعات التعدين، وغياب الإرادة السياسية لاعتمادها كنهج ثابت، جعلا المستثمرين الجادين يترددون، وفتح المجال أمام الوسطاء والسماسرة.
وأكد أن إصلاح التعدين يتطلب أربع خطوات أساسية:
الشفافية عبر كادستر إلكتروني يوضح المربعات والمستفيدين.
ضبط الصادر بإنشاء مراكز شراء رسمية.
رقابة تقنية صارمة لتتبع الشحنات.
إنهاء تضارب المصالح بقانون يمنع المسؤولين من دخول القطاع إلا بعد فترة زمنية محددة.
وأوضح أن الإصلاح الجذري ضروري حتى يتحول الذهب من مصدر تمويل للحرب إلى رافعة للاقتصاد السوداني.
عائدات الذهب
يعتمد السودان بشكل كبير على عائدات الذهب. ورغم الحرب المستمرة منذ 26 شهرًا بين القوات المسلحة والدعم السريع، ارتفعت صادرات الذهب بعد توجه رؤوس أموال وطنية إلى التعدين التقليدي.
وبحسب موقع الترا سودان، يُقدَّر إنتاج السودان من الذهب في 2024 بنحو 64 طنًا، صُدّر منها رسميًا 31 طنًا بقيمة 1.55 مليار دولار
ويُقدَّر إنتاج السودان من الذهب في 2024 بنحو 64 طنًا، صُدّر منها رسميًا 31 طنًا بقيمة 1.55 مليار دولار. وقال د. الصادق الحاج طه، مدير إدارة التخطيط في الشركة السودانية للموارد المعدنية، إن إنتاج البلاد لشهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2025 بلغ 13 طنًا.
التعدين الأهلي
تشير إحصائيات غير رسمية إلى أن استفادة الدولة من التعدين الأهلي أكبر من استفادتها من التعدين الرسمي عبر الشركات. ومع ذلك، تعاني مناطق التعدين الأهلي من إهمال كامل، إذ لا توجد خدمات طبية أو وسائل إنقاذ، وتُسجَّل وفيات متكررة بسبب انهيار الآبار.
وقال المعدّن حسن بشير إن المعدنين الأهليين يتحملون تكاليف الإنتاج كاملة بينما الدولة تأخذ حصتها دون تقديم أي دعم. وأضاف أن العديد من المعدنين تركوا العمل بسبب الخسائر.
سودافاكس



