الطيران في السودان.. كيف بدأت القصة من السماء عام 1914؟

في عام 1914، شهد السودان حدثًا تاريخيًا استثنائيًا عندما وصل الطيار الفرنسي مارك بوريل بطائرته مونوبلين (Monoplane) إلى الخرطوم قادمًا من مصر، في رحلة مليئة بالمخاطر والتحديات التقنية.
وقد لاقى هذا الإنجاز ترحيبًا من الحاكم العسكري البريطاني آنذاك اللورد كتشنر، ليصبح هذا الهبوط أول بصمة للطيران في سماء السودان، ومؤشرًا لبداية عصر جديد جعل من الحلم واقعًا ملموسًا أمام الجماهير.
رحلة ليندبرغ التاريخية وعبور الأطلسي منفردًا (1927)
في 20 مايو 1927، خطف الأمريكي تشارلز ليندبرغ أنظار العالم عندما أقلع من مطار روزفلت فيلد (Roosevelt Field) في لونغ آيلاند بنيويورك، بطائرته الشهيرة Spirit of St. Louis، متجهًا إلى باريس.
استمرت الرحلة 33 ساعة و30 دقيقة، قطع خلالها 5800 كيلومتر دون توقف، ليصبح أول من يعبر المحيط الأطلسي منفردًا، ويثبت إمكانية السفر الجوي العابر للقارات.
أميليا إيرهارت.. أول امرأة تعبر الأطلسي منفردة (1932)
في 20 مايو 1932، أصبحت أميليا إيرهارت أول امرأة في التاريخ تطير منفردة عبر المحيط الأطلسي من نيوفاوندلاند في كندا إلى أيرلندا خلال 14 ساعة فقط.
أثبتت إيرهارت أن الطموح لا يعرف حدودًا، وأن النساء قادرات على اقتحام مجالات كانت حكرًا على الرجال. وبرغم اختفائها الغامض عام 1937 أثناء محاولتها الطيران حول العالم، بقيت رمزًا للشجاعة والإصرار.
ألان بانهام ورحلة لندن إلى جوهانسبرغ
في ثلاثينيات القرن الماضي، نفّذ الطيار البريطاني ألان ج. ك. بانهام رحلة جوية جريئة من لندن إلى جوهانسبرغ، مرورًا بأوروبا وشمال أفريقيا وصحارى السودان.
واجه بانهام صعوبات الملاحة وتقلبات الطقس، إلا أن رحلته عززت الثقة في الطيران الطويل بين أوروبا وأفريقيا ومهّدت لخطوط جوية عالمية تربط القارات.
الرحلة الأطول في التاريخ (1958)
في عام 1958، حقق الطياران الأمريكيان روبرت تيم وجون كوك رقمًا قياسيًا عالميًا عندما حلقا بطائرة سيسنا 172 لمدة 64 يومًا و22 ساعة و19 دقيقة دون توقف.
استعانا بالتزود بالوقود أثناء الطيران، وتناوبا على القيادة والصيانة في الجو، لتبقى هذه الرحلة واحدة من أعظم إنجازات الصبر والابتكار في تاريخ الطيران.
الأسس العلمية للطيران.. من نيوتن إلى برنولي
لم تكن تلك الرحلات ممكنة لولا الأسس العلمية التي وضعت مفاهيم الطيران، ومن أبرزها:
- إسحق نيوتن: قوانين الحركة الثلاثة والجاذبية لتفسير الدفع والرفع والمقاومة.
- أرخميدس: مبدأ الطفو لفهم تأثير الهواء على الأجسام.
- برنولي: مبدأ اختلاف الضغط لتفسير تولد قوة الرفع.
كما ساهم مصممون كبار مثل ألبرتو سانتوس دومون، غلاين كيرتس، هوغو يونكرز، أنطوني فوكر، ودونالد دوغلاس في تحويل هذه القوانين إلى طائرات عملية آمنة.
التطورات الحديثة: اختراق حاجز الصوت والطائرات العملاقة
شهد القرن العشرون قفزات هائلة في تكنولوجيا الطيران:
- عام 1947، اخترق تشاك ييغر حاجز الصوت بطائرته Bell X-1.
- قدّمت شركات مثل بوينغ ونورثروب طائرات عملاقة مثل B-2 Spirit وBoeing 747.
- أحدثت إيرباص الأوروبية توازنًا في التطور العالمي بابتكاراتها في الطائرات التجارية العابرة للقارات.
خاتمة: من الخرطوم إلى السماء المفتوحة
من هبوط أول طائرة في الخرطوم عام 1914 إلى اختراق حاجز الصوت، يسرد تاريخ الطيران قصة إنسانية مذهلة من الشجاعة والعلم والإبداع.
تحوّل الحلم إلى واقع، وأصبحت السماء ميدانًا للإنجاز والابتكار، بفضل عقول وآمال تجاوزت حدود الأرض.



