مطار بن غوريون أم مطار الخرطوم ؟.. دفاعًا عن قرار إعادة فتح المطار

مطار بن غوريون أم مطار الخرطوم؟.. دفاعًا عن قرار إعادة فتح المطار
بقلم: شريف حسن طه
منذ اندلاع أحداث غزة الدامية ودخول الحوثيين على خط الحرب قبل نحو ثمانية عشر شهرًا، لم تتوقف المسيّرات والصواريخ عن التحليق باتجاه مطار بن غوريون في تل أبيب، أهم مطارات الشرق الأوسط وأكثرها حساسية. ومع ذلك، لم يُغلق المطار أبوابه ولو ليوم واحد، بل واصلت الرحلات الجوية عملها ضمن ترتيبات دقيقة للسلامة الجوية، تحت حماية مظلة إلكترونية ودفاعات متكاملة، جعلت من التشغيل الآمن خيارًا استراتيجيًا لا تراجع عنه.
في المقابل، يثور الجدل حول قرار إعادة فتح مطار الخرطوم الدولي بعد أشهر طويلة من الإغلاق بسبب الحرب. وبين من يرى أن فتح المطار مخاطرة غير محسوبة، ومن يراه ضرورة وطنية وسيادية واقتصادية، تبرز الحاجة إلى تحليل موضوعي بعيدًا عن الانفعال أو التسييس.
بيان من سلطة الطيران المدني حول التشغيل الآمن لمطار الخرطوم الدولي
أولًا: متى يُعدّ الخطر مبررًا للإغلاق؟
منطق السلامة الجوية لا يقوم على الخطر المطلق، بل على إدارة الخطر.
فالإغلاق الكامل هو الإجراء الأخير حين تنعدم القدرة على السيطرة أو التنبّه أو الردّ. أما حين تتوافر الوسائل التقنية والاحترازية من دفاعات جوية، ومراقبة إلكترونية، ومناطق حظر محددة يصبح التشغيل الجزئي أو المرحلي خيارًا معقولًا ومبررًا.
وقد طبّقت عشرات الدول هذا المبدأ أثناء النزاعات:
• أوكرانيا، قبل الغزو الكامل، كانت تدير عملياتها الجوية جزئيًا حتى اللحظة الأخيرة.
مطار الخرطوم يعود للحياة.. طائرة بدر تكسر الحصار الجوي
• اليمن، رغم الحرب، أبقت مطار صنعاء مفتوحًا للرحلات الإنسانية بإشراف الأمم المتحدة.
• وإسرائيل، رغم تعرضها المستمر للتهديد، تعتبر أن إغلاق مطارها الدولي يعني شبه إعلان انهيار للدولة.
ثانيًا: الحجة الاقتصادية والسيادية
إغلاق مطار الخرطوم يعني قطع شريان الاتصال الوحيد الذي يربط البلاد بالعالم الخارجي.
فالمطار ليس مجرد مرفق للنقل، بل هو رمز سيادي وواجهة للدولة.
إبقاؤه مغلقًا لفترة طويلة يحمل رسائل سلبية سياسيًا واقتصاديًا، ويُضعف ثقة المستثمرين والمنظمات الدولية في قدرة الدولة على إدارة شؤونها.
إن التشغيل الجزئي — حتى ولو لرحلات محدودة أو إنسانية — يعيد النبض إلى المرفق المدني ويؤكد أن السودان قادر على النهوض من تحت الركام.
ثالثًا: الرؤية المتوازنة — التشغيل الآمن الممكن
من الممكن جدًا تحقيق تشغيل آمن لمطار الخرطوم عبر خطة متدرجة تشمل:
1. تأمين المطار ومحيطه عبر منظومة دفاعية فعالة (مضادات للطائرات المسيّرة، ورادارات قصيرة المدى).
2. تحديد ممرات جوية آمنة بإشراف مراقبين جويين ذوي خبرة، وفق توصيات الإيكاو.
3. إعادة تأهيل البنية التحتية الحرجة (برج المراقبة، منظومة الاتصالات، الإضاءة، المدرج).
4. تدقيق دولي أو وطني مشترك لضمان توافر شروط التشغيل الآمن.
5. مرحلة تشغيل تجريبية (Proving Flights) تليها مرحلة التشغيل التجاري المحدود.
بهذه الخطوات يمكن الانتقال من الإغلاق الكامل إلى الفتح المنضبط، وهو ما يُعدّ في عرف الطيران المدني قرارًا سياديًا راشدًا لا مغامرة متهورة.
ختامًا
إن قرار إعادة فتح مطار الخرطوم — إذا تم وفق ضوابط السلامة والتأمين — لا ينبغي أن يُقابل بالريبة، بل بالترحيب، فالمطارات تُبنى لتعمل، لا لتُغلق، وكما لم تُغلق تل أبيب مطارها تحت القصف، يمكن للخرطوم أن تعيد تشغيل مطارها تحت راية السيادة، والعقل، والمصلحة الوطنية العليا.



