من الاكتئاب إلى أكسفورد.. قصة طبيبة سودانية صنعت الأمل من الألم

لم تكن الطبيبة هديل محمد مؤيّد، خريجة كلية الطب بجامعة الخرطوم، تتخيل أن تتحول حياتها من أحلام مهنية هادئة إلى رحلة صراع مع الخوف والنزوح والاكتئاب، قبل أن تجد نفسها على أعتاب جامعة أكسفورد البريطانية ضمن أبرز البرامج العالمية في الصحة العامة.

قصة هديل هي حكاية إصرار وأمل وسط حرب دمّرت أحلام الكثيرين، لكنها اختارت أن تكون من الناجين لا من المنهزمين.

لماذا سُمّي أكبر مبنى في الكلية الحربية الهندية باسم السودان؟

من ساحات الخرطوم إلى جحيم الحرب

وُلدت هديل في الخرطوم، وكانت تحلم منذ طفولتها بأن تصبح طبيبة. وبعد تخرجها عام 2021، بدأت تدريبها في مستشفى الشرطة بالقرب من القيادة العامة للقوات المسلحة.

تروي هديل تفاصيل اليوم الذي غيّر حياتها، قائلة:
“في صباح 15 أبريل 2023، كنت في نوبة عملي بقسم الأطفال حين دوّى صوت الرصاص لأول مرة. خلال دقائق، تحول المستشفى إلى ساحة حرب، القنابل تتساقط والأطفال يصرخون والأمهات يبكين. ورغم الخطر، واصلنا علاج المرضى حتى اللحظة الأخيرة.”

بين الحياة والموت.. رحلة الهروب

بعد يومين داخل المستشفى المحاصر، تم إخلاؤه بالكامل.
تقول هديل: “خرجت مع زملائي عبر شارع النيل، لكننا واجهنا مجموعة مسلحة وجهت أسلحتها نحونا. كانت لحظة مواجهة بين الموت والحياة، ونجونا بأعجوبة”.

من هناك بدأت رحلة نزوح طويلة امتدت عبر ثماني ولايات سودانية، وسط الخوف من اختطاف الأطباء والمجهول الذي يحيط بكل خطوة.

طبيبة سودانية.. من النزوح إلى الأمل الجديد

بعد شهر من الانفصال عن عائلتها، عادت هديل لتجد منزلها بلا كهرباء أو مياه، والقنابل لا تتوقف.
ورغم ذلك، واصلت العمل في عيادة محلية لمعالجة الجرحى، حتى اضطرت عائلتها لمغادرة الخرطوم نهائياً نحو القاهرة بعد أن فقدت كل شيء.

اكتئاب وحلم ضائع

تقول هديل: “فقدت مستقبلي وشهادتي وبرنامجي التدريبي. أصبت بالاكتئاب، وكنت أبكي كل يوم. لكنني قررت ألا أستسلم، بدأت العلاج النفسي وأعدت بناء نفسي خطوة بخطوة”.

التحول المفاجئ.. من المعاناة إلى أكسفورد

وسط تلك العتمة، جاءت المفاجأة. صديقتها أرسلت لها رابط منحة دراسية في جامعة أكسفورد. تقول هديل: “ضحكت في البداية، كيف يمكن لفتاة لاجئة تعاني الاكتئاب أن تدرس في أكسفورد؟ لكنها شجعتني، وقدّمت الطلب، مؤمنة أن الله لن يضيع جهدي.”

وبعد أسابيع من الانتظار، وصلها البريد المنتظر: قبول رسمي بمنحة ماجستير الصحة العالمية بجامعة أكسفورد مع تغطية كاملة للمصاريف.

الامتنان ومساعدة الأخريات

تقول هديل: “بكيت كثيراً، ليس فقط فرحاً بل شكراً لله. تذكرت كل الصعوبات، وكيف تحوّلت الجراح إلى نور. اليوم أتابع دراستي في أكسفورد، وما زلت أتعلم من رحلتي معنى الصبر والإيمان.”

ولأنها أرادت أن ترد الجميل، أسست مجموعة عبر الإنترنت تجمع الفتيات السودانيات لتبادل الفرص التعليمية ونشر الطاقة الإيجابية.

رسالة هديل للعالم

تختم الطبيبة الشابة حديثها بعبارة مؤثرة:
“رسالتي لكل من يعيش الصعاب: لا تستسلموا، فبعد العسر يأتي اليسر. الإيمان والأمل أقوى من الحرب والخوف.”




مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.