المخطط الإسرائيلى فى السودان

المخطط الإسرائيلى فى السودان
د. محمد حسين أبوالحسن
صاغت إسرائيل استراتيجية «شد أطراف» الدول العربية أو «بترها» إذا لزم الأمر، تطبق هذه الاستراتيجية المسمومة عبر إثارة القلاقل فى أطراف هذه الدول، استثمارا للخلافات العرقية، اعتمادا على مبدأ «فرق تسد»، أو تحريك النزاعات الحدودية؛ وبث الفتن والحروب الأهلية؛ ما يجعل هذه الدول منشغلة بمشكلاتها؛ حتى لا تكون عامل مساندة لدول تواجه الكيان الصهيونى، والهدف أن تصبح إسرائيل دولة إقليمية عظمى، تحيط بها دويلات عربية متناحرة؛ تطلب دعم وحماية تل أبيب، ما يضمن لها الهيمنة على المنطقة.
كاتب مصري: بيت الداء فى السودان

يقع السودان فى قلب الاستراتيجية الإسرائيلية لتفكيك الدول العربية، على قاعدة: «سودان مجزأ وهش، خير من سودان قوى وموحد»، للتحكم بنهر النيل ذى الأهمية الوجودية لمصر والسودان، وتهديد الملاحة بالبحر الأحمر، وإضعاف التأييد الإفريقى للقضايا العربية.

فى عام 2008، ألقى آفى ديختر وزير الأمن الإسرائيلى محاضرة أمام معهد أبحاث الأمن القومى، قال فيها: نحن نقود خراب السودان، يجب ألا نسمح لهذا البلد رغم بعده عنا بأن يصبح قوة مضافة إلى العالم العربى، لأن موارده لو استقر، ستجعل منه قوة يحسب لها ألف حساب، وأشار إلى أدوار دول أخرى ساعدت المخطط الصهيونى، فى إشعال الصراع بجنوب السودان، خاصة إثيوبيا، لفصل ما هو عربى عما هو إفريقى.

وفى حفل تقاعده عام 2010 م، تحدث مائير داغان رئيس الاستخبارات الإسرائيلية عن إنجازات «الموساد»، من بينها أن انفصال جنوب السودان عن السودان، تم بجهود استخباراتية إسرائيلية بدأت منذ عام 1956م، وقال: لقد استغلت إسرائيل العوامل المفرقة بين شمال وجنوب السودان لتمزيق هذه الدولة ذات المواقف العدائية تجاهنا، وتمثل عمقا استراتيجيا لمصر العدو الأكبر لإسرائيل- على حد قول داغان- وألمح إلى أن فعلا مماثلا يجرى فى دول عربية أخرى.

كانت التدخلات الإسرائيلية- ضمن أسباب أخرى- ومازالت محركا لدوافع الصراعات الدامية، فى الشرق الأوسط، وبعد جنوب السودان، كشف آفى ديختر عن تآمر تل أبيب لتحويل دارفور بؤرة صراع لا يهدأ، بمساعدة بعض دول حوض النيل، كذلك الإسناد الأمريكى الأوروبى المتواصل للمخطط الإسرائيلى، وأكد أنه كان من الصعب علينا الوصول إلى دارفور لنمارس دورنا المتعدد الأوجه لولا الدعم الأمريكى والأوروبى، وشدد على أن دارفور كجنوب السودان يجب أن يستقل، لوضع حد للسيطرة عليه من قبل حكومة الخرطوم (العربية والإسلامية).

يقوم المخطط الإسرائيلى للسودان على تفتيته إلى خمس دويلات (دارفور، جبال النوبة، الشرق، السودان الجديد، السودان الشمالي)- وفقا لكتاب «إسرائيل والحركة الشعبية لتحرير السودان» الذى أصدره مركز دايان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا- بهدف إضعاف الخاصرة المصرية، وحرمان العرب من ثروات هائلة، بالإضافة إلى استغلال الكيان الإسرائيلى لمياه النيل رغم أنف مصر، بحسب الدراسة.

إن جميع رؤساء الحكومات فى تل أبيب، من بن جوريون إلى نيتانياهو تبنّوا هذا الخط الإستراتيجى فى التعاطى مع السودان، أى تفجير بؤر أزمات مستعصية فى أنحاء البلاد، ومن نتيجة ذلك أخفقت جهود إقامة دولة سودانية متجانسة قوية عسكريا واقتصاديا قادرة على تبوؤ موقع الصدارة عربيا وإفريقيا.

وكان من نتيجة ذلك- وعوامل أخرى داخلية وخارجية- أن السودان مازال ينزلق فى مسار التمزق المخيف، بكل ما يترتب عليه من أخطار كارثية على الشعب السودانى والبلدان المجاورة، وإذا كان أمن مصر من أمن السودان، لا يمكن لمصر أن تستقر إذا كانت السودان مضطربة، ولأن أمن مصر المائى يتصل بالسودان، فإن الصراعات فى الحديقة الخلفية يمكن أن تكون نقطة ضغط مهمة على القاهرة، فى ملفات استراتيجية عديدة؛ ما يصب فى مصلحة إسرائيل وحلفائها الإقليميين والدوليين.

بعد نشوب الحرب بين ميليشيا الدعم السريع والجيش السودانى، نشر موقع «ميدل إيست آى» مقالا بعنوان «كيف ستكسب إسرائيل الحرب فى السودان؟»، أكد أن إسرائيل حريصة على كسب الدعم السريع الحرب؛ للسيطرة على إقليم دارفور، وقد بدأت بوادر هذا بالأمس القريب، بعد سقوط الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.

تقع دارفور غرب السودان، وهى تماثل مساحة فرنسا، ويبلغ سكانها 6 ملايين نسمة، وتمتلك أراضى زراعية خصبة تنتج محاصيل متنوعة، وثروة حيوانية وتختزن أراضيها 6 بحيرات مياه جوفية، ومعادن هائلة، مثل الحديد، والنحاس، واليورانيوم، والكروم، الذهب بكميات كبيرة.. وكلها إمكانات يسيل لها لعاب إسرائيل ولاعبين آخرين. لسنا بحاجة لضرب الرمل أو قراءة الفنجان، فالمخطط الإسرائيلى ينفذ بنجاح، تجرى مشاهده على المسرح السودانى، أمام أعيننا، لكن كثيرا من العرب والإفارقة يعانون انعدام الرؤية أو البصيرة، أو فقدان الذاكرة والبوصلة، والعجز عن التصدى للمؤامرة، إن خيوط الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه السودان، ومشاهد العنف والدم فى الفاشر مؤخرا، تكشف من يقف وراء التراجيديا السودانية وصولا إلى الدراما العربية المثيرة للأسى والألم والسخرية المريرة.

إن إسرائيل بمجرد أن تتخلص من أعدائها الحاليين، ستتفرغ لتقسيم المقسّم، كما يقول كثير من ساستها ومفكريها، وصولا إلى «إسرائيل الكبرى».. لكن، أين العرب من هذه الحقائق المرعبة؟. إن اللوم الأساسى يقع على العرب؛ لأنهم بأوضاعهم المقلوبة يسهلون لأعدائهم الانتصار عليهم، ويدفعون بأنفسهم إلى مصير مظلم، إن السودان اليوم فى أمس الحاجة إلى جهود أصدقائه للإسهام فى دعم الشرعية وتعزيز تماسك الجبهة الداخلية، وتفويت الفرصة على المتربصين ومخططاتهم الآثمة.

M_ha7@hotmail.com

Exit mobile version