العد التنازلي بدأ: المنطقة تنزلق نحو حرب جديدة..!

رامي الخليفة العلي

العد التنازلي بدأ: المنطقة تنزلق نحو حرب جديدة..!

سودافاكس- في ظل المعطيات الخطيرة والتسريبات المقلقة التي رافقت اللقاء الأخير والحاسم في العاصمة بغداد بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والمبعوث الأمريكي توم براك.

يتضح جلياً أن المنطقة تقف اليوم على فوهة بركان يوشك أن يقذف حممه ليحرق الأخضر واليابس، حيث لم تكن الرسائل الأمريكية التي حذّرت من عملية إسرائيلية وشيكة في لبنان مجرد برقيات دبلوماسية روتينية، بل كانت إنذاراً نهائياً بأن الغطاء قد رُفع، وأن أي انخراط للفصائل العراقية في هذه المعركة سيحوّل العراق إلى ساحة مستباحة لضربات إسرائيلية مدمرة لن تمنعها واشنطن، وهو ما يضعنا أمام حقيقة مرة مفادها أن استقرار الشعوب وأمن الأوطان بات رهينة بيد أطراف غير مسؤولة تمارس العبث السياسي والعسكري بلا أدنى درجات الحكمة أو التعقل.

ويأتي في طليعة هذه الأطراف حزب الله الذي يصر بتعنّت غريب على التشبّث بسلاحه خارج إطار الشرعية، رافضاً التحوّل إلى مكوّن سياسي مدني يؤمن بمنطق الدولة والمؤسسات، ومفضلاً البقاء بوضعية «الميليشيا» التي تصادر قرار السلم والحرب وتفرض أجنداتها الخاصة على الدولة اللبنانية المنهكة، مغامراً بمصير شعب كامل لخدمة شعارات لم تجلب إلا الدمار.

وفي المقابل تقف الحكومة الإسرائيلية المتطرّفة كوجه آخر لهذه العملة الرديئة، بعد أن تخلت تماماً عن لغة السياسة والدبلوماسية، واستسلمت لعقيدة القوة العمياء، متوهمة أن الحلول العسكرية الصرفة وسياسة الأرض المحروقة قادرة على صنع الأمن، متجاهلة أن هذا الهروب إلى الأمام عبر الحروب المفتوحة لن يولد إلا مزيداً من العنف والكراهية وعدم الاستقرار الذي سيرتد عليها عاجلاً أم آجلاً، وتكتمل أركان هذه المأساة بالدور الذي يلعبه «الطرف الإقليمي المعروف» الذي يقف خلف الكواليس، والذي يبدو أنه يعيش في عزلة شعورية تامة عن الواقع، عاجزاً عن قراءة التحوّلات الجيوسياسية العميقة التي شهدتها المنطقة والعالم، إذ لا يزال هذا الطرف يراهن على سياسات تصدير الثورة والأزمات وتشغيل الأذرع بالوكالة، مكرراً نفس الأخطاء الإستراتيجية القاتلة التي أدّت سابقاً إلى كوارث اقتصادية وعقوبات وحروب عبثية، وكأنه لم يستوعب بعد أن زمن اللعب على حافة الهاوية قد ولّى، وأن العالم لم يعد يحتمل المزيد من هذه المناورات المكشوفة التي تدفع ثمنها الشعوب العربية من دمائها وقدراتها.

إن هذا الثلاثي المأزوم بتركيبته المتناقضة يجر المنطقة برمتها نحو سيناريوهات سوداوية، جاعلاً من العراق ولبنان ساحات لتصفية حسابات عدمية لا ناقة للشعوب فيها ولا جمل، وهو ما يستدعي وقفة جادة وعقلانية لرفض هذا الانجرار الأعمى خلف دعوات التصعيد، فاللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، والتاريخ لن يرحم أولئك الذين استبدلوا منطق العقل والسياسة بمنطق البارود والنار، وأضاعوا فرص السلام والاستقرار جرياً خلف أوهام الزعامة والنفوذ، فمن يزرع الريح في حقول السياسة الملغومة لن يحصد سوى العاصفة التي تقتلع الجذور وتهدم البنيان، ولات حين مندم لمن لا يرى في الأفق إلا دخان الحروب ولا يسمع إلا صليل السيوف، ناسياً أن حكمة القيادة تتجلى في صون الدماء لا في إراقتها، وأن الحفاظ على الأوطان هو الغاية الأسمى التي تتضاءل أمامها كل الشعارات الجوفاء والمشاريع العابرة للحدود.




مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.