د. كامل إدريس .. الأمل كعبء وجودي

د. كامل إدريس .. الأمل كعبء وجودي
رشان أوشي
العنوان مستوحى من فلسفة “جان بول سارتر”:
الأمل والوهم: ناقش “سارتر” كيف أن “الأمل” السياسي، حين يُباع كسلعة أو وعد مطلق، يتحول إلى وهم يمنع العمل الحقيقي، بدلاً من كونه دافعاً له.
قبل يومين فقط، قصفت طائرة مسيّرة تتبع لمليشيا “آل دقلو” المدعومة من “أبوظبي” مواطنين عُزّل في جنوب كردفان. سقط شهداء بلا ذنب، وانتشر غضب الرأي العام كالنار في الهشيم. الجميع أدان الحادثة، إلا رئيس الوزراء د. كامل إدريس، الذي ظلّ صامتاً كأن الأمر لا يعنيه، أو كأنه آخر من يعلم بما يجري في بلاده.
حين سقطت الفاشر، المدينة التي صمدت كما تصمد المدن في كتب التاريخ، وعاش أهلها واحدة من أبشع المآسي بعد مجزرة الجنينة، كان رئيس الوزراء يقضي إجازته على ضفاف الراين. لم يعد إلا بعد أن فضحته وسائل الإعلام، ولم يزر النازحين إلا بعد أن حاصرته الانتقادات.
منذ أن تولّى مهمة رئيس الوزراء، لم يجده الناس إلا بارزاً في القضايا الانصرافية، يظهر حين لا يلزم الظهور، ويغيب حين تتطلب الأحداث حضور رجل الدولة. بدا باهتاً، بكاريزما مهترئة لا تشبه لحظة وطنية بهذا الحجم، ولا تشبه طموحات شعب ينتظر من قيادته موقفاً يضيء قتامة المستقبل.
لم يعرف عنه السودانيون شيئاً سوى حاشيته، تلك المجموعة التي كشفت بطريقة صادمة وصادقة في آن واحد عن عمق انهيار جهاز الدولة، وعن هشاشة مؤسساتها التي غابت عنها المهنية وحضر فيها الولاء الشخصي.
ولم يكن المشهد ليتضح أكثر مما اتضح، عندما أطلق وزير الإعلام “خالد الأعيسر” رصاصة الرحمة على جسد حكومة الدكتور “كامل”، المسجّى على فراش الموت، حين وصفها، من داخلها، بأنها “حكومة العلاقات الشخصية والخاصة”.
اعتراف قاس، لكنه يجهر بما كان يهمس به الشارع منذ شهور.
في كل يوم، يفقد الناس قوتهم، وينكمش أملهم، وتزداد الحياة قسوة. الأسعار ترتفع، والخدمات الأساسية شبه غائبة، وملامح المستقبل تزداد قتامة.
في المقابل، لم نسمع لرئيس الوزراء موقفاً من ضغط الرباعية على الجيش، ولا من استفزازات ترامب، ولا من اتهامات السودانيين للإمارات بدعم المليشيات، كأن الملفات الكبرى خارج دائرة اهتمام الحكومة، أو فوق طاقتها.
السودان اليوم يعيش ظرفاً استثنائياً: حرباً مفتوحة، تدخلات خارجية، اقتصاداً ينهار، ونزوحاً جماعياً يذكّر بأسوأ فصول التاريخ، ورغم ذلك، تبدو رئاسة الوزراء خارج الصورة، حاضرة بالاسم وغائبة بالفعل.
ليس المطلوب من رئيس الوزراء أن يصنع معجزة، ولا أن ينهي الحرب بعصا “موسى”، ما يريده الناس أبسط من ذلك بكثير: أن يشعروا أن هناك من يقف معهم، من يراهم، من يسمع صرخاتهم.
التواري والانصراف إلى القضايا الثانوية في لحظة كهذه ليس مجرد غياب أو فشل، إنه إعلان بأن الدولة تُدار على وضع “الطيار الآلي”، بينما المواطنون يواجهون العاصفة وحدهم.
محبتي واحترامي



