النفط في السودان بعد الحرب: الإنتاج، الاستيراد، الاقتصاد وفرصة هجليج

النفط في السودان بعد الحرب: الإنتاج، الاستيراد، الاقتصاد وفرصة هجليج

أبوعبيده أحمد سعيد محمد

يمتلك السودان، بحسب وثائق وزارة الطاقة، احتياطياً نفطياً يُقدَّر بنحو 6 مليارات برميل، لم يُستخرج منها سوي 20% فقط ، إضافة إلى نحو 12 حوضاً رسوبياً موزعة على مناطق مختلفة من البلاد، واحتياطيات واعدة من الغاز الطبيعي في وسط السودان وشرقه. في فترة الالفينات، شكّل النفط أحد الأعمدة الرئيسية للاقتصاد السوداني، سواء من خلال الإنتاج المحلي أو عبر رسوم نقل نفط دولة جنوب السودان، لكن النزاعات المسلحة المستمرة أدت إلى توقف الإنتاج، وتدمير البنية التحتية، وتكبيد الاقتصاد خسائر مالية جسيمة.

بدأت أولى عمليات الاستكشاف النفطي في السودان عام 1959، وشهدت الفترة بين 1974 و1984 دخول شركة “شيفرون” الأميركية، مكتشفة حقلي بليلة (1976) وهجليج (1978)، إلى جانب حقول أخرى في جنوب السودان. ومع تصاعد الحرب الأهلية انسحبت شيفرون عام 1984 بعد مقتل عدد من موظفيها، ودخل القطاع مرحلة جمود شبه كامل حتى منتصف التسعينيات.

مع نهاية التسعينيات، دخلت شركات آسيوية مثل CNPCالصينية وبتروناس- الماليزية والهندية -ONGC، وأنشئت خطوط أنابيب حيوية من هجليج إلى بورتسودان بطول يقارب 1600 كلم، وتم بناء مصفاة الخرطوم بالتعاون مع الصين. في عام 1999 صدّر السودان أول شحنة نفط تجارية تحت مسمى نفط النيل. بلغت الذروة الإنتاجية بين 2008 و2010، حيث تجاوز الإنتاج 450 ألف برميل يومياً، وحققت صادرات النفط أكثر من 11 مليار دولار سنوياً، لتشكل نحو 95% من إجمالي الصادرات، ما يعكس الاعتماد المفرط على القطاع النفطي وارتباط الاقتصاد بشكل وثيق بالإنتاج النفطي. هذا الارتباط جعل الاقتصاد السوداني هشاً أمام أي صدمات سياسية أو أمنية، كما ظهر جلياً بعد انفصال جنوب السودان عام 2011، عندما فقد السودان نحو 75% من احتياطاته وإنتاجه النفطي.

تضم البنية التحتية السودانية للنفظ مصفاة الخرطوم بطاقة تصميمية تصل إلى 120 ألف برميل يومياً، إضافة إلى خطوط نقل نفط رئيسية:
• الخط الأول: يربط مناطق فلج وعدارييل بمحطة أم دباكر ثم مصفاة الخرطوم وصولاً إلى ميناء بشائر–
• 2 الخط الثاني (خط بتكو): يربط هجليج بمصفاة أبو خريس والخرطوم وصولاً إلى ميناء بشائر.

كانت السعة التشغيلية لحقول هجليج تصل إلى 340 ألف برميل يومياً، بينما بلغ الإنتاج الفعلي قبل الحرب نحو 22 ألف برميل يومياً للسودان و60 ألف برميل يومياً لجنوب السودان. وتقدر قيمة الأصول الثابتة بـ 3 مليارات دولار، تشمل المصافي وخطوط النقل ومرافق المعالجة.
أثرت الحرب بشكل مباشر على إنتاج النفط، حيث توقفت بشكل كامل أو جزئي حقول كبرى مثل هجليج وبليلة في غرب كردفان وحقول سفيان، شارف، أبو جابرة، زرقة أم حديد في دارفور. كما خرجت الخبرات الفنية الأجنبية، وتلفت الخرائط والبيانات الحقلية، وتعرضت مصفاة الجيلي للقصف، بطاقة إنتاجية تقارب 100 ألف برميل يومياً، مع خسائر يومية تقدر بنحو 5 ملايين دولار عند التوقف، بينما تضررت خطوط التصدير، مما رفع تكاليف إعادة التشغيل. إضافة إلى ذلك، انسحبت شركة CNPC الصينية من مربع 6 في بليلة بموجب بند القوة القاهرة، ما أدى إلى فقدان السودان لما تبقى من إيرادات الإنتاج والنقل النفطي، وزاد من هشاشة القطاع أمام النزاعات المسلحة..

في مقابل انهيار الإنتاج، ارتفع استيراد النفط لتغطية الطلب المحلي، مسجلاً 991 مليون دولار في 2018، ووصل إلى ذروته 2.87 مليار دولار في 2022، قبل أن يتراجع إلى 890 مليون دولار في 2024، مما يعكس الضغط الكبير على المالية العامة بفقدان عائدات التصدير وارتفاع كلفة الاستيراد.

تأتي منطقة هجليج اليوم لتلعب دوراً محورياً في رسم ملامح المستقبل النفطي للسودان. تضم نحو 75 حقلاً نفطياً، أبرزها مربع (6)، وكانت تنتج قبل الحرب أكثر من 65 ألف برميل يومياً، قبل أن يتراجع الإنتاج إلى 20 ألف برميل يومياً ثم يتوقف كلياً مع تصاعد العمليات العسكرية. يشمل أثر توقف الإنتاج خسارة إيرادات معالجة ونقل نحو 50 ألف برميل يومياً من نفط جنوب السودان، الذي يعتمد كلياً على البنية التحتية السودانية وخط الأنابيب الممتد إلى ميناء بشائر بطول 1506 كلم وبطاقة معالجة تصل إلى 130 ألف برميل يومياً.

يمكن أن تُقرأ التفاهمات الأخيرة حول حماية منشآت هجليج كإجراء فني–اقتصادي اضطراري يهدف إلى منع الانهيار الكامل لسلسلة الإنتاج والنقل، ما يفتح احتمالية أن يكون النفط عاملاً قادرًا على فرض تفاهمات جزئية عندما تتقاطع المصالح الاقتصادية، حتى في ظل النزاعات المسلحة المستمرة. هذا الاحتمال يتيح رؤية مستقبلية تجعل النفط ليس فقط رافعة للنمو الاقتصادي، بل ربما شعلة أمل للسلام الجزئي إذا نجحت الجهود في تحييد مناطق الإنتاج عن الصراعات وفصل الاقتصاد عن منطق السلاح.

إن إعادة بناء القطاع النفطي تتطلب استثمارات ضخمة لإصلاح الحقول والمصافي وخطوط الأنابيب، وتأهيل القوى الفنية واستقطاب الخبرات، وتحسين المناخ الاستثماري وضمانات الشركاء الدوليين، مع ضرورة تحقيق الاستقرار الأمني. إذا نجحت هذه الإجراءات، يمكن للنفط أن يتحول من مصدر للخسائر إلى رافعة للنمو الاقتصادي ووسيلة لدعم الاستقرار السياسي، وتبقى هجليج العقدة الكبرى وشعلة الأمل التي يمكن أن تضيء طريق السودان نحو التعافي الاقتصادي والاستقرار.




مقالات ذات صلة

‫12 تعليقات

  1. عاجــــــــــــــل 🔴 رسمياً بنك الخرطوم يعلن بدون الحاجه لزيارة الفروع
    1/فتح حساب جديد بي رقم وطني فقط
    2/فتح حساب محظور
    3/نسيان كلمة المرور
    4/تعديل الاستماره
    5/زيادة سقف الحساب
    6/فتح حساب قديم
    7/استرجاع التحويل الخاطئة
    بنكك اون لاين Online
    للتواصل مع الموظف عبر الواتساب 249901641339

  2. نحن حاليا هدفنا بل الجنجويد
    وبعدين نرجع للحاجات دي
    تصريحات زي دي حاليا م بتنفع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.