يبدو أن وزراة الصحة ومنسوبيها الأطباء قد جبلوا على السجال، فما أن تنتهي أزمة حتى تنهض أخرى، لتقول إن علاقة الطرفين تقوم أكثر ما تقوم به على المناكفة.
وفي هذه العلاقة، يظهر الأطباء عادة في ثوب المتعرضين لظلم أولي الصحة، ولكن الإعلان مدفوع القيمة الذي دفعت به وزارة الصحة بولاية الخرطوم، لـ (36) من أطبائها المبتعثين في الخارج، تحضهم على الوفاء بتعهداتهم بالعودة إلى أرض الوطن وسداد فاتورة ابتعاثهم المنتزعة من أموال دافع الضرائب؛ يقول –الإعلان- إن الصحة يمكن أن تعتل من جراء منسوبيها المفترض أن يوالوا مواطنيهم بتطبيب أدوائهم، ولكن ذلك التساؤل يدفعنا في المقابل لدواعي خطوة المبتعثين وما إذا كان ممكناً إيجاد مبررات لها.
شروط قاسية
دفعت شروط الابتعاث القاسية التي تضعها وزارة الصحة في مسألة الابتعاث، مع إملاء تخصصات بعينها على الأطباء، دفعت الأخيرين – في الغالب- إلى تنكب درب التحضير على النفقة الشخصية.
بيد أن الوزارة التي تعاني من هجرات كبيرة لمنسوبيها (حوالي 300 ألف طبيب)، استخدمت عدة حيل لضمان استمرار كوادرها، حيل تتراوح ما بين الترغيب والترهيب، إن جاز لنا التعبير، لقطع الطريق أمام هذه الظاهرة المخيفة.
فالوزارة حينما أرادت تقييد حركة الأطباء، ذهبت إلى أن تحجر على شهاداتهم لمدة (8) سنوات متتالية وكان الغرض من ذلك تقليل هجرة الأطباء، لكنها ضاعفت المعضلة عندما ربطت تدريب الطبيب لعام بأن يعمل لعامين يضافان الى الفترة الممنوحة على تدريب الوزارة.
وهذه اشتراطات تجعل الطبيب المتدرب فريسة التقييد، وبالتالي لا يجد مقابل هذه الخدمة إلا الفتات الذى لا يسد له رمقاً، مع العلم أن راتب نائب الاختصاصى لا يزيد عن (1.5) ألف جنيه شهرياً، زد على ذلك ما يكابده الأطباء من عدم توافر وظائف ثابتة، باستثناء الطبيب العمومى والاختصاصي، وبالتالى يترتب على ذلك معضلات جمة أهمها أن الطبيب أثناء الخدمة لا يجد من يحميه، وفي الصدد لن تنسى الذاكرة سلسلة متطاولة من الاعتداءات على منسوبي الحقل الطبي أثناء تأديتهم للواجب في مقار عملهم الرسمية.
تهديدات وزارية
يبدو أن الأطباء الذين لم يستطيعوا التدرب على النفقة الخاصة ــــ والتى رفعت الوزارة من قيمتها حتى أصبحت 10 آلاف جنيه شهرياً ـــ وجدوا منفذاً آخر مخاطرين بذلك بشهاداتهم الموجودة في قبضة وزارة الصحة، ذلك عندما ابتعثت الوزارة مؤخراً (36) طبيباً الى الخارج، بيد أن الأطباء وفقا لشكواهم المتكررة من التدريب داخل البلاد والبيئة التى يعملون بها داخل المستشفيات لم يلتزموا ببنود الاتفاق المبرم مع الوزارة الأمر الذى حدا بالأخيرة أن تدفع بإعلان مدفوع القيمة إلى الصحف اليومية مهددة عبره بتحريك إجراءات قانونية ضد أولئك الأطباء، وأمهلت الوزارة الأطباء المبتعثين على حسابها مدة أقصاها شهر لتسوية أوضاعهم.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث لوحت الوزارة بحرمان الأجيال المقبلة من فرص الابتعاث إذا لم يلتزم الأطباء المبتعثون ببنود العقد مع الوزارة، وأعلمت إدارة التدريب بالوزارة، وفقاً للإعلان، الأطباء المعنيين بالعودة إلى العمل داخل البلاد وفاء للعقد القانوني والذي يسبقه الالتزام الأخلاقي.
عدم شفافية
انتقد عضو لجنة أطباء السودان، د. حسام الأمين، في حديثه مع (الصيحة) ماذهبت إليه الوزارة بتعميم إعلان يهدد منسوبيها عبر الصحف، وذهب إلى أن الوزارة لم تتحل بالشفافية في توزيع فرص الابتعاث بالخارج، وعدم مساواة الأطباء المبتعثين.
مؤكداً أن اللجان تختار المبتعثين وفقاً للعلاقات الاجتماعية، فيما يجب على الوزارة أن تكون المسؤولة عن فترة الأطباء التي قضوها بالخارج.
ورفض حسام قرارات الوزارة التي تلزم المتدرب، خاصة النواب، بأن يقدموا خدمة سنتين مقابل تدريب على حساب الوزارة لمدة سنة واحدة مشيراً إلى أن تلك الخطوة معمول بها في حال الابتعاث الداخلى والخارجي على حد سواء مما يعني أن الطبيب يقوم بتقديم خدمة للوزارة أكثر من أنها فترة محددة للتدريب.
بدوره يرفض عضو لجنة الأطباء مساواة التدريب الداخلي بالخارجي، لا سيما وأن المتدرب الخارجي لا يقدم خدمة للوزارة، معتبراً أن الوزارة لم تكن موفقة في هذه المساواة، قائلاً إن الابتعاث المقدم من وزارة الصحة غير مرضٍ للأطباء بل ومجحف.
معتبراً أن الوزارة لا تراعي منسوبيها في حال تأخر فترة التدريب سواء كان من قبل جامعة أو مستشفىً أو مجلس التخصصات الطبية إذ أنها تقوم بإيقاف المرتب عن الطبيب في حال تأخر الجهة المعنية من منح الطبيب شهادة التدريب في فترة قد تصل إلى عام كامل يتأخر فيها المرتب لأسباب لا يد له فيها .
شراء الحرية
وذهب حسام الدين إلى أن الطبيب يهرب من العقود المجحفة مع وزارة الصحة لشراء حريته بماله عندما يتدرب داخلياً على نفقته الخاصة بقيمة 10 آلاف جنيه شهريا مؤكداً أن الأطباء يعانون شهرياً من عدم الحصول على عقوداتهم من الوزارة سارداً المعاناة في مراحل الحصول على الشهادة التي تبدأ بإفادة بحق ممارسة المهنة من مجلس الطبي ثم بعدها بأسبوعين يتحصل الطبيب على سجل التسجيل التمهيدى بعدها بسنة يتحصل الطبيب على خدمة التسجيل ثم مسجل دائم ويضيف أنه بعد ذلك عندما يرغب الطبيب لتسجيل فترة الابتعاث يأتي دور الوزارة لتتسلم شهادته.
تسويات قانونية
أكدت مسؤولة بقسم التدريب بوزارة الصحة بولاية الخرطوم، رفضت الإفصاح عن هويتها، في تصريح لـ (الصيحة) أنه في حال عدم عودة الـ (36) طبيباً الذين ابتعثتهم الوزارة على حسابها، فأن القضية تذهب إلى المستشار القانوني بالوزارة، والذي بدوره سيحرك إجراءات للتسوية مع هؤلاء الأطباء مؤكدة أن فترة الابتعاث تتراوح ما بين 4ـــ 6 سنوات.
وأزاحت المسؤولة النقاب عن إيقاف مرتبات عدد كبير من الأطباء بهدف متابعة الأطباء لفترات تدريبهم حسب عقودهم المبرمة مع الوزارة. وعزت ذلك إلى أن الأطباء الموقوفة مرتباتهم لم تصدر منهم أي إفادة بأنهم نالوا شهادة الابتعاث رغم انتهاء مدتها، وقالت إن الوزارة تجهل موقف الأطباء المبتعثين بالداخل اذا كانوا موجودين بالبلاد أو مهاجرين. مطالبة الأطباء الذين تعثروا في نيل شهاداتهم بتمديد فترة التدريب وإخطار الوزارة.
وشددت المسؤولة على أنه في حال طول فترة غياب الأطباء بعد انتهاء فترة التدريب المحددة فأن الوزارة تضطر إلى حفظ مرتباتهم كأمانات ومخاطبة الجهات التى يتبع إليها المتدربون. وقالت إن الأطباء المبتعثين خلقوا سمعة سيئة يمكن أن تكون خصماً على تدريب الأطباء فى مقبل الأيام مؤكدة أن الوزارة صرفت أموالاً طائلة لتدريبهم مشيرة إلى أن فترة الغياب فى حدها الأقصى المحددة إلى الطبيب 45 يوماً بعدها يتعرض المبتعث إلى الفصل.
ابتسام حسن