الفصول بالغابات والتلاميذ يتعلمون متى ما أرادوا.. تعرَّف على أسلوب إحدى مدارس نيوزيلندا

بين الجداول المائية وأشجار الكوري في ريف جنوب أوكلاند في نيوزيلندا، تعقد أحدث مدرسة بديلة في نيوزيلندا حصصها المدرسية.

إذا كان الجو مناسباً، تُنظِّم المدرسة فقرةً لصيد الأسماك، يتبعها تناول وجبة الغداء المطبوخ في الهواء الطلق. أما عن الواجبات والحصص، فلا مكان لها في هذه المدرسة! حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

آلاف السنين

وتعرف مدرسة دييب غرين بوش بأنها مدرسة ديمقراطية منغمسة في الطبيعة مخصصة للتلاميذ من 6 إلى 13 عاماً تستند إلى آلاف السنين من حكمة السكان الأصليين وكيف تطور البشر للتعلم في حرية.

وتقول إدارة المدرسة في موقعها، الذي يظهر في صفحته الرئيسيّة مشهد لمجموعة أسود تعبر أحد الأنهار “أولويتنا العليا هي صحة وسعادة أطفالنا وأجيالنا المقبلة، وسنعمل على رعاية جيل جديد من الشباب الذين سيصعدون إلى مستوى التحدي ويساعدون على شفاء عالمنا”.

وتنقل الغارديان عن جوي مونكارز، مدير وأحد مؤسسي مدرسة دييب غرين بوش، والتي تُعد الآن في النصف الدراسي الثاني لسنتها الدراسية الأولى قوله: “يُقال إننا مدرسة، لكنَّنا لا نشبه أي مدرسة أخرى موجودة”.

وفسر مونكارز قائلاً: “لا نخبر الأطفال أنَّه حان وقت الكتابة أو تعلم الرياضيات، عندما يرغبون في فعل ذلك ببساطة يفعلونه”.

مناهج غريبة

كان مونكارز يعمل مدرساً في السابق، ولكن بعد 5 أعوام محبطة من العمل في المدارس التقليدية في نيوزيلندا، استقال ليؤسس مدرسة دييب غرين بوش، وهي مدرسة لا فصول بها أو اختبارات أو جداول للحصص.

ولأنَّه رأى أنَّ المدارس التقليدية لا تُجهز الطلبة للتحديات العالمية المستقبلية، كالتغير المناخي مثلاً، وضع مونكارز نظاماً تعليمياً مختلفاً اختلافاً جذرياً، يقوم بالأساس على تعليم مهارات الصيد، وجمع الطعام، والبقاء.

فعندما يكون الجو مناسباً، يقضي التلاميذ معظم يومهم بالخارج، يكتشفون أدغال نيوزيلندا، ويتعلمون الصيد والقنص، والإمساك بحيوان الأبوسوم (والذي يُعتَبَر من الآفات وهو حيوان يشبه الفأر وله جراب أو كيس لأطفاله كالكانغارو)، والتعلم عن الحيوانات والنباتات الموجودة في وطنهم.

أما المهارات التقليدية التي يتعلمونها في المدارس كالقراءة، والكتابة، والرياضيات، فيكتسبها الأطفال حسب سرعتهم ووتيرتهم الخاصة، وبعد أن يُظهروا اهتماماً بها، وليس حين يقرر المعلم أنَّه حان وقت تعلمها حسب مونكارز.

وأضاف: “لا يوجد عندنا من يسمونهم بالأطفال المثيرين للمشاكل”.

وفسر ذلك قائلاً: “رأى الآباء أنَّ أطفالهم كانوا تعساء ومرهقين في التعليم التقليدي، فبدأوا في التساؤل إذا ما كان أمراً صحيحاً أو طبيعياً أن يعود الأطفال من المدرسة تعساء ويشعروا بالضغط إلى هذا الحد، وبما أنَّني درَّستُ في المدارس العادية، أقول إنَّ معظم الأطفال هناك تعساء ويعانون من الضغط”.

المدرسة مُسجَّلة في وزارة التعليم كمدرسة مستقلة، وبالتالي لا تضطر إلى اتِّباع معايير المناهج الدراسية التقليدية في نيوزيلندا، لكنَّها تخضع للإشراف الوزاري.

وفكرة المدرسة مستوحاة إلى حدٍّ ما من مدرسة وادي سادبري في الولايات المتحدة الأميركية، والمستوحاة بدورها من مدرسة سامرهيل التي أسسها التربوي والمؤلف ألكسندر نيل في المملكة المتحدة.

دول أخرى تقلدها

ومنذ أسس مونكارز مدرسته، في يناير/كانون الثاني 2017، تلقَّى العديد من الطلبات من جميع أنحاء نيوزيلندا وخارجها لإنشاء فروع أخرى لمدرسته في أماكن مختلفة، بعضها يبعد بمسافاتٍ ضخمة بالصين وأوروبا.

ويقول ديفيد بيرغ، المحاضر البارز في مجال التعليم في جامعة أوتاغو، إنَّ هناك اتجاهاً عاماً لإنشاء مدارس بديلة مشابهة لمدرسة بوش حول العالم، خاصةً في اسكندنافيا، حيث يذهب طلبة رياض الأطفال للصيد في الجليد خلال اليوم الدراسي.

لكنَّه يقول كذلك إن المعلمين يجب أن يكونوا حريصين على تلقِّي الأطفال لكل المهارات المطلوبة ليتمكنوا من الانخراط في العالم الحديث والعثور على وظائف به.

ويكمل بيرغ: “يشعر معظم الناس أنَّ هناك انفصالاً كبيراً عن الطبيعة والعالم الخارجي، ويُقدِّرون هذا الأمر ويميلون إليه. ولتكون ناجحاً في المجتمع الحديث هناك مجموعة من المهارات التي يجب عليك تطويرها، وعدد قليل فقط من هذه المهارات يمكن تطويره خارج الفصل”.

وتقول كاثي وايلي، كبيرة الباحثين في المجلس النيوزيلندي للبحث العلمي: “مدرسة دييب غرين بوش ابتعدت كثيراً عن شكل المدارس التقليدية في نيوزيلندا”.

وأضافت: “صار لدينا مؤخراً عددٌ كبير من المدارس الخاصة أنشأها الآباء والمدرسون الذين استلهموا أفكارهم من مدارس مثل مدرسة سامرهيل، لكن لم توجد من قبل مدرسة صممت برنامجها وأسلوبها التربوي بشكلٍ يتمركز إلى هذه الدرجة حول فكرة الصيد وجمع الطعام”.

أما مونكارز فيصرّ أنَّ المدرسة ليست “تجربة” في التعليم، وأنَّها تعتمد بالأساس على أدلة عمرها 2 مليون سنة على الطريقة التي ربَّى بها الآباء أبناءهم في الطبيعة.

وقال: “لا نريد أن نكون مدرسة وحيدة من نوعها، نرغب في أن نحلّ محل المدارس التقليدية”.

وأنهى حديثه قائلاً: “نستخدم نفس الحكمة التي استخدمها الآباء لتربية أبنائهم على مر ملايين السنين. حبس الأطفال في الفصول وإجبارهم على التعلُّم يتسبب في الكثير من المشكلات”.

ديمقراطية

ويقول موقع المدرسة عن هذا الأمر “إن أسلافنا يخبروننا، وكذلك السجلات الأنثروبولوجية أن المجتمعات المستدامة الوحيدة التي كانت موجودة من قبل هي تلك التي تعامل الأطفال والمراهقين بكرامة واحترام، وهو ما يعني قبل كل شيء السماح لهم بحرية اللعب في الطبيعة.

فاللعب الحر في الطبيعة يوفر للأطفال الأساس اللازم للتطور عاطفياً واجتماعياً وفكرياً وروحياً ليصبحوا بالغين أصحاء.

ومن خلال اللعب الحر في الطبيعة، يتعلم الأطفال القيم والصفات التي من شأنها أن تعطي لهم القوة والثقة بغض النظر عما يفعلونه في حياتهم في وقت لاحق. وهذه القيم هي التعاون، والمشاركة، والقدرة على الصمود، والإبداع، والتفكير النقدي.

فاللعب الحر في الطبيعة هو ما تطور البشر من أجله، وهذا هو السبب في أن اللعب الحر في الطبيعة يجعل الأطفال سعداء.

وحسب الموقع يتعلم الشباب في المدرسة المسؤولية الكامنة في الحرية ويوضحون مدى قدرة الناس على إدارة أنفسهم من خلال صنع القرار الديمقراطي.

ما موقفها من التكنولوجيا؟

اللافت هو موقف المدرسة من التكنولوجيا، إذ يقول موقعها الإلكتروني “على الرغم مما تروجه إعلانات الشركات، فإن التكنولوجيا لا تزيد التعلم. ولا يتم اختراع الأدوات التكنولوجية وبيعها من أجل صحة ورفاهية الناس والكوكب، ولكن ببساطة لتوليد الأرباح للشركات.

إن الاعتماد على التكنولوجيا يقوض التعلم العميق، ويضعف القدرة على التفكير والتفاعل مع الآخرين، ويضعف أداء الدماغ الصحي ويثبط التنمية البشرية الصحية.

فالاعتماد على الواي فاي والتكنولوجيات اللاسلكية الأخرى هو مزيد من التسمم لأطفالنا، حسب الموقع.

وتقول المدرسة إنها من خلال توفير بيئة خالية تماماً تقريباً من التكنولوجيا الحديثة، تمرر فوائد صحية هائلة لطلابها.

ويقضي الطلاب نحو 5 أيام أسبوعياً في الطبيعة.

ويضيف الموقع “يتم تضمين المهارات الأكاديمية التقليدية عند الاقتضاء، بشرط أن تكون في سياق صحي. فهدفنا النهائي هو إرشاد أطفالنا حتى يتمكنوا من التنقل عبر العالم، وأن تكون لديهم المهارات والصفات اللازمة للمساعدة في شفاء هذا العالم.

ويختتم هذا الجزء التعريفي عن المدرسة بعبارة تبدو غريبة “يتم استكشاف جوهر فلسفتنا مع الطلاب الأكبر سناً (من سن 9 أعوام وما فوق) في مجلس المحارب، الذي يعقد ثلاث مرات في الأسبوع!.

هاف بوست


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.