بعد الشرق الأوسط.. هل تكون أفريقيا الحلبة الجديدة لصراع الجبابرة؟

لم يكن تصريح رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، يوم السادس من يوليو (تموّز) 2016، والذي اعتذر فيه عن مناصرة الولايات المتحدة الأمريكية في حرب العراق، إلا دليًلا إضافيًّا في نظر العديد من المراقبين على أن منطقة الشّرق الأوسط دفعت ولا تزال تدفع ثمن ما تحتويه من ثروات طبيعيّة وأهمية استراتيجيّة.

اجتياح العراق عام 2003 والذي انتهى في نظر الكثيرين بتدمير بلد الحضارة، لم يكن في منأى عن المآسي السابقة ولا الأهوال اللاحقة التي عرفتها هذه الرّقعة من الكرة الأرضية، ورغم ما رافق الاجتياح من عناوين برّاقة وشعارات، كشفت الأحداث أن لعبة مصالح الأمم الكبرى لا مكان فيها للإنسانية ولا للشفقة، وأنّ كثيرًا من النعم التي قسمتها الجغرافيا لبعض الدّول قد تتحوّل بجرّة قلم إلى نقم.

إن التنافس على موارد الطاقة، كان ولازال إحدى الغايات الرئيسة للدول الكبرى التي تسعى إلى تأكيد نفوذها، وتأمين احتياجاتها من النفط الخام والغاز، خاصًة مع تنامي الحاجيات الطّاقية للدّول الصناعية بالتّزامن مع تواتر الأزمات المالية واشتداد المُنافسة من أجل حجز أماكن متقدّمة في السوق الدّولية، وهو ما جعل الشرق الأوسط في قلب الحسابات الجيوستراتيجية للدّول، وأوقعه في سيرورة من الصّراعات بلغت بلغت كلفتها منذ سنة 1948، 12 تريليون دولار.

وغير بعيدٍ عن الشّرق الأوسط المُشتعل والمُرهق من عقود الاستغلال، تلوح القارّة الأفريقية مُغرية بما تحتويه من خيرات، مُطلقة سباقًا محمومًا نحوها بعد اقتراب لحظة الاستنزاف الأخير في أرض الحروب الحالية، وهو ما يشرّع بجدّية المخاوف من صناعة شرق أوسط جديد على الأرض السّمراء.
مكامن الإغراء الأفريقي

رغم قرون الإستعمار الإمبراطوري التي شهدتها القارة السّمراء، إلا أنها لا تزال حتى الآن قارة بكرًا بما تحتويه من ثروات هائلة تسيل لعاب الدّول الكبرى الباحثة عن خزانات طاقية وطبيعية جديدة، بالإضافة لأسواق تسويق منتجاتها وخدماتها:
1- في المجال الطاقي والمعدني

تتميّز أفريقيا بضخامة الطاقة الطاقة الكهرومائية الكامنة فيها، حيث تبلغ 750 1 تيراوات/ساعة،، ورغم إمكانية ضمان أمنها الطاقي من خلال توليد الطاقة الكهرومائية، إلا أنها لا تستغل من هذه القدرة الهائلة الكامنة سوى نسبة 5%، رغم أنها تمثل 12% من إمكانات الطاقة الكهرومائية العالمية.

أما بالنسبة للطّاقة الشمسية؛ فتتوفر الظروف الملائمة لإنتاج الكهرباء من هذه الطّاقة في العديد من البلدان الأفريقية، نظرًا لسطوع الشمس هناك بقوة، بل إن منظمة منظمة غرينبيس (Greenpeace) لحماية البيئة تقول إن إنشاء محطات لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في 2% من مساحة الصحراء، يكفي لتغطية الحاجة العالمية من الكهرباء.

وفيما يتعلّق بالطاقات الكلاسيكية من نفطٍ وغاز، تُعد القارة السمراء آخر مناطق العالم التي يوجد بها احتياطي هائل من كلا المادتين، ويقدر الخبراء حجم النفط الأفريقي بين 7 و9% من إجمالي الاحتياطي العالمي، ما يوازي ما بين 80 إلى 100 مليار برميل خام.

وتنتشر حقول النفط داخل القارة في كثير من دولها وعلى شواطئها الغربية وتتميز بسهولة وسرعة استخراج النفط منها مقارنةً بمناطق أخرى في العالم، بالإضافة لسهولة نقل الخام المتدفق من الآبار إلى سفن راسية عند السطح تقوم بأعمال التصفية والتكرير، بحيث تصبح مشتقاته جاهزة للتحميل والتصدير مباشرة، وهو ما يحقق ربحًا إضافيًا للمستثمرين بتخفيض كلفة الإنتاج.

وفي السياق ذاته، تتميز القارة الأفريقية بتوفّرها على كميات كبيرة من مادة اليورانيوم الأساسية في الصناعات النووية حيث تنتج القارة أكثر من 18% من إجمالي الإنتاج العالمي لليورانيوم، وتشير الدّراسات لامتلاكها ثلث الاحتياطي العالمي من هذه المادّة المهمة.

وبمساحة إجمالية تبلغ 30.190 مليون كيلومتر مربع تمتلك أفريقيا أكبر مخزون للعديد من الثروات والمعادن الاستراتيجية، فمن بين 50 معدنًا هامًّا في العالم، يوجد 17 معدنًا منها في أفريقيا باحتياطيات ضخمة، وهي تمتلك النسبة الأكبر من احتياطي البوكسيت، والفروكروم، والكوبلت، والماس، والذهب، والمنجنيز، والفوسفات، والمعادن البلاتينية، والتيتانيوم، والفاناديوم.
2- في المجال الزراعي والمائي

يُعدّ الاستثمار في المجال الزراعي أحد أفضل الخيارات التي تقدمها أفريقيا للمستثمرين للإسهام في تحقيق النمو الاقتصادي والأمن الغذائي في أفريقيا والعالم، وتتميّز أفريقيا بمواردها المائية الهائلة حيث تحتوي على 13 نهرًا، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات هطول الأمطار خاصة في المناطق الاستوائية وضخامة مخزونها من المياه الجوفية، وتُقدّر الطّاقة الكامنة للرّي فيها بأكثر من 42.5 مليون هكتار.
وبالنّظر إلى تنوّع مناخها واتساع رقعتها الجغرافية، وتنوّع مستويات وأنواع التربة الغنية فيها وتنوُّع المواسم الزّراعية، تُمثّل المساحات الفلاحية الأفريقية بيئةً ملائمةً لزراعة جميع أنواع المحاصيل والخضراوات والحبوب والغلال. وتقدر نسبة مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في القارة بحوالي 35% من إجمالي مساحتها، يستغل منها 7% فقط في الزراعة بشتى أنواعها، ولا تزيد مساحة الزراعة المروية في الجزء الواقع جنوب الصحراء من أفريقيا عن 50 كيلومتر مربع من إجمالي 23 مليون كيلومتر مربع.
3- على الصعيد البشري: أسواق استهلاكية ضخمة

يبلغ عدد سكان القارة قرابة 934 مليون نسمة، مما يجعلها سوقًا استهلاكية ضخمة خاصة في ظلّ تأخر أغلب دولها عن تحقيق معدّلات الرّفاه البشري في حدوده الدّنيا، كما أنّ ضعف دخل الفرد في أغلب هذه الدّول قد يكون دافعًا لتركيز بعض صناعات وأنشطة الشركات العابرة للقارات فيها بهدف التقليص في كلفة الإنتاج. وللاستفادة من رأس المال البشري، سيكون لزامًا على هذه الشركات ومن ورائها دولها أو الدّول العظمى التي تتحكم فيها هذه الشركات، أن تستثمر في مجال التنمية البشرية الذي ما يزال محدودًا برغم اهتمام بعض الجهات المستثمرة بالتنمية الحضارية للمجتمع، والبيئة والصحة، وزيادة معرفة الفرد، والارتقاء بدرجة وعيه وقدراته عن طريق التعليم والتدريب.
4- أصحاب المشاريع الكبرى في مدن الجنرالات الفاسدين

ساهمت الحروب الأهلية وفساد جنرالات وساسة الحكم في تأخر بناء دول أغلب الدّول الأفريقية لتجد نفسها حتى أيامنا هذه مفتقرة لأبسط مقومات الحضارة وخاصّة في مجال البنية التحتية بتجلياتها المُختلفة.

هذا التأخر حوّل أفريقيا إلى ورشة كبيرة لبناء السّدود والمطارات والسّكك الحديدية والمستشفيات والجامعات والمناجم، أي مئات المشاريع العملاقة التي لا تقدر عليها إلا الشركات الكبرى مقابل شراكات استغلال قد تصل إلى عقود من الزمن؛ الشركات الأجنبية تنفّذ هذه المشاريع وتتحمّل كلفتها كليًّا أحيانًا مقابل الاستفادة من هذه المشاريع بطريقة يتم التفاوض حولها قبل الانطلاق فيها.
تسابق وتهافت قديم جديد

ليس جديدًا على القارة الأفريقية تحوّلها لقبلة أطماع الدّول العظمى الباحثة عن التوسّع الاقتصادي والتجاري والسياسي، فقد سبق لها وأن كانت ثرواتها أحد أبرز أسباب الهجمة الاستعمارية الغربية عليها في القرنين 19 و20 الميلاديين، وكانت أيضًا من أسباب أغلب الحروب الدّاخلية في دولها، بل إن بعض هذه الحروب الدّاخلية كانت تُحرّكها قوىً خارجية حماية لمصالحها الاقتصادية.
فرنسا نموذجًا

لم يمنع إعلان استقلال الدّول الأفريقية، من تواصل اشتغال القوى الاستعمارية على هذه الدّول لضمان تواصل الاستفادة من مقدّراتها، وكانت فرنسا، مثلًا، عبر رجل ظلّها القوي في أفريقيا، جاك فوكار، وهو أحد الرجال الذين عملوا في الظل في عهد الجنرال ديغول، قد وضعت نظامًا استعماريًا جديدا أمّنت به حظوظ شركاتها العملاقة، وأهمها شركة إلف النفطية التي كانت وفق ما كُشف لاحقا بمثابة الدّولة داخل الدّولة، بجهاز مُخابراتها الخفي وقدرتها على الإطاحة بأنظمة وإعلاء أخرى.

في هذا السياق، يقول الرّئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان: «كانت باريس تستطيع بخمسمائة رجل فقط، أن تغير مجرى التاريخ هناك».

اقرأ أيضًا: مترجم: 14 دولة أفريقية ملزمة بدفع ضرائب لفرنسا

ومنذ منحها مستعمراتها السابقة الاستقلال، تدخلت فرنسا عسكريًا ثلاثين مرة في أفريقيا، ووجدت نفسها ولعدة مرات مُساندة لمجموعات متمردة أو لوضع أو لترميم أو إسقاط نظام ما: القوات الخاصة الفرنسية أسقطت كباكبو في ساحل العاج عام 2010، وفي سنة 2013 تدخلت في مالي والاَن في جمهورية أفريقيا الوسطى بعد أن دعمت لمدة 38 سنة بوكاسا، ثم خلعته حين بدأ بقطع آذان البشر و قتل أطفال المدارس، وشكل إحراجًا لها.

أمّا اليوم، فتتسابق الدول نحو أفريقيا في تنافسٍ محموم، وفي مقدَّمتها القوى الكبرى الكلاسيكية وهي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والصين وروسيا، إضافًة لدول صاعدة أخرى مثل إيران وتركيا وماليزيا والهند وكوريا وتايوان والبرازيل، تسعى كلها للنفاذ إلى ثروات القارة، وخاصًة مصادر النفط فيها.

ووفق آخر تقرير لمؤسسة «إرنست أند يونغ» البريطانية، حصلت القارة الأفريقية على استثمارات أجنبية مباشرة قدرت بنحو 94 مليار دولار خلال العام الماضي، بزيادة نسبتها 32% على قيمتها عام 2015 البالغة 71.3 مليار دولار، وغطت 676 مشروعاً وفّر 129 ألف فرصة عمل.

وأشار التقرير إلى أنّ المشاريع الجديدة في أفريقيا تثير شهية المستثمرين الأجانب بسبب عائدها الاستثماري ومناعة بعض الاقتصادات الأفريقية أمام الأزمات، وحاجة الشركات العابرة للقارات إلى التوسع جنوبًا، خصوصًا من الولايات المتحدة وفرنسا والصين وبريطانيا، وبحجم أقل الإمارات واليابان وإيطاليا وألمانيا.
الصراع الفرنسي الأمريكي على أفريقيا: صراع الفرانكفونية والأنجلوفونية

سارعت الولايات المتحدة الأمريكية لاستثمار حالة انحسار المد الاستعماري التقليدي وانسحابه من القارة الأفريقية، وتراجع الحضور الاستعماري المُباشر لفرنسا وبريطانيا ضمن نظرية ملء الفراغ وهي أساس رؤية الأمريكان الإستراتيجية تجاه إفريقيا طيلة العقودة الماضية، والتي تنطلق من اعتقاد أمريكي يقول بأن بلاد العم سام قادرة ومُؤهّلة أكثر من غيرها من الدّول الأوروبية مُجتمعة على تأطير مجرى الأحداث في القارة السمراء والاستفادة من الإرث الاستعماري الفرنسي البريطاني فيها.

وساهمت السياسات الفرنسية الضاربة بجذورها في القارة، على التوسع والهجرة والاستعمار والاستثمار ونقل الثقافة والديانة وتأسيس قواعد بحرية في أفريقيا، في تغيير السياسة البريطانية بانحيازها الواضح والصريح إلى الولايات المتحدة الأمريكية في صراعها وتنافسها الذي تخوضه ضد فرنسا من أجل رعاية مصالحهما المشتركة في القارة الأفريقية، وتجلّى هذا الصراع بالتدخل الأمريكي في الصومال، ثم الفرنسي في رواندا، وبرز أيضًا من خلال تباين المواقف من الحركات والأحزاب الإسلامية في السودان والجزائر، وحول السيطرة على النفط والنفوذ وتبني النزاع في جنوب السودان وإقليم دارفور، فبينما كانت فرنسا تدعم الحكومة الجزائرية، في مواجهة الإسلاميين المتشددين، أيدت الولايات المتحدة الأمريكية مشاركة هؤلاء في السلطة.

ويرى مُراقبون أن التنافس الأمريكي– الفرنسي في إفريقيا هو بين الفرانكفونية والأنجلوفونية بالإضافة للمصالح الاقتصادية والنفطية. في عام 1992، توجّه الرّئيس الكونغولي باسكال ليسويا لشركة النفط الفرنسية (ألف) وطلب مساعدته في سدّ العجز الذي شهدته موازنة بلاده في تلك السّنة، وعندما قوبل طلبه بالرّفض توجّه لشركة أوكسيدنتال بتروليوم، التي عرضت عليه 150 مليون دولار مقابل التنازل عن بعض الحقول النفطية الواعدة وهو ما تسبّب في حرب باردة ضروس بين فرنسا وأمريكا انتهت بإزاحة الشركة الأمريكية، ومحافظة الفرنسيين على الامتيازات النفطية في الكونغو.

في وقت لاحق، تحوّل النّزاع الأمريكي – الفرنسي إلى صراع بالواسطة مثل ما حصل بين الكاميرون ونيجيريا سنة 1994، وصراعهما حول جزيرة باكاشي، فقد وقفت فرنسا إلى جانب ياوندي في مُواجهة أبوجا الأنجلوسكسونية في صراع واقع ضمن دائرة النّفوذ الفرنسي في أفريقيا.

وبلغ الصّراع بين الفرنسيين والأمريكيين حدود دعم معارك السلطة داخل الدّول الأفريقية، ففي هذه الفترة، دعمت فرنسا الرئيس بول بيا ضد خصمه جون ندى المقيم في مقاطعة أنجلوفونية في الكاميرون والذي حظي بدعم السفارة الأمريكية في ياوندي، في حين حاولت الولايات المتحدة الأمريكية الإطاحة بزعماء فرانكفونيين في تشاد و إفريقيا الوسطى، حيث يمتلك الفرنسيون فيهما نفوذًا وقواعد عسكرية مهمة.
الصراع الصيني الأمريكي وحتمية المواجهة

رغم التنافس فيما بينهما، اشترك الفرنسيون والأمريكيون في سياسة حشر الأنف في الأوضاع الدّاخلية في الدّول الأفريقية الخاضعة لنفوذهما، وبالنّظر لحجم الضّرر الذي سبّبه الصراع الفرنسي الأمريكي على التراب الأفريقي، تزايدت مشاعر الاستياء من هذه القطبية المُتدخّلة والفاعلة أكثر من اللازم في الشأن الأفريقي.

مُستفيدة من هذا الانزعاج، توجّهت الصّين إلى أفريقيا بسياسة خارجية مغايرة قائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم ربط الاستثمارات بالشروط المسبقة، وعدم بث أي نسق أيديولوجي أو فكري أو ثقافي يعمل على صهر الهوية الأفريقية مثلما هو الحال مع الأمركة والفرنسة، لتُصبح الصين أحد أهم الحُلفاء المُفضّلين للأنظمة الأفريقية.

واستطاعت الصين خلال سنوات قليلة أن تصبح الشريك الذي يلي الولايات المتحدة وفرنسا في القارة الأفريقية، فقد تضاعفت التجارة بين الصين وأفريقيا إلى أضعاف منذ بداية هذا العقد، فقد ارتفعت إلى 36% في عام 2005؛ إلى 39.7 بليون دولار بناء على الإحصائيات الصينية الرسمية بالإضافة إلى توقيع عدد كبير من الصفقات والعقود التجارية بلغت قيمتها حوالي 2 بليون دولار.

والتزمت الصين بمضاعفة مساعداتها المقدمة للدول الإفريقية خلال عام 2006 إلى الضعف بحلول عام 2009، كما تحول عشرات الآلاف من الصينيين إلى أفريقيا للمساهمة في بناء المنشآت الرياضية ومقار الوزارات وخطوط السكك الحديدية، ويبلغ عدد الشركات الصينية المُستقرة في أفريقيا 10 آلاف شركة، وفق ما كشفته مجلة لوبوان الفرنسية.

ويعكس الاستثمار الصيني الهائل في القارة الأفريقية توجهات السياسة الخارجية الصينية الباحثة عن توسيع نفوذ الصين كقوة عالمية منافسة للغريم الرّأسمالي الأمريكي المُنفرد بقيادة العالم، في ظل سياسة القطب الواحد والذي يُراهن على مُحاصرة هذا النفوذ المُتنامي للمارد الصيني، فالصين تعمل على خلق توازن استراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر البحث عن أحلاف لها لإثبات وجودها ونفوذها وهو ما نجحت فيه من خلال شركاتها التي ترعاها الدولة وتديرها مؤسسات هدفها تأمين مصادر النفط وتوسيع شبكة علاقات الدول الموالية لها.
مهندسون صينيون في أنغولا، مصدر الصورة: diariodocentrodomundo

صراعات أخرى على أفريقيا.. إيران وتركيا وإسرائيل

يرى الكاتب جاسون بيرك، أن هناك تغييرًا في التحالفات والخصومات والمصالح السياسية في أفريقيا. مشيرًا إلى أن نتائج الربيع العربي، والحرب الأهلية السورية والصراع في اليمن، دفعت دولًا في الشرق الأوسط إلى البحث عن تحالفات جديدة أبعد من جوارها، كما دفع الصراع بين السعودية وإيران، والضغوط الاقتصادية على الدول، زعماء تلك الدول إلى محاولة مد نفوذها في أفريقيا.

وتعد تركيا أحد اللاعبين الرّئيسيين في السعي نحو النفوذ في أفريقيا، ويقود هذا الجهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنفسه، حيث زار الصومال التي مزقتها الحرب ثلاث مرات، وأدت تلك الزيارات إلى حصول الشركات التركية على عقود كبرى، وتوطدت العلاقات بين المسؤولين والسياسيين في تركيا والصومال، كما افتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطارًا ومستشفى خلال زيارته إلى الصومال.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفقة الرئيس الإيفواري، المصدر: (رويترز)

الحضور التركي يُرافقه في المقابل حضور إسرائيلي متنامٍ ظهر من خلال حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقمة الأخيرة للمجموعة الاقتصادية لدول أفريقيا الغربية (إكواس) مدفوعة بهوس النفوذ الخارجي ومتوجّسة من تعاظم نفوذ دول منافسة مثل إيران وتركيا في القارة السمراء، التي تمثل عمقًا استراتيجيًا لا يستهان به، وسوقًا استهلاكية ضخمة.

وبالإضافة للجانب الاقتصادي، تجد إسرائيل في الدّول الأفريقية فرصة للتأييد والدّعم لها في المحافل الدّولية، مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، خاصًة فيما يتعلق بصراعها مع الفلسطينيين، وقد أفرزت الجهود الدبلوماسية الأخيرة عن الإعلان عن قمة أفريقية-إسرائيلية في جمهورية توغو سيتم تنظيمها ما بين 16 و20 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهو ما دفع مندوب فلسطين لدى جامعة الدول العربية، السفير جمال الشوبكي، مطلع الشهر الماضي، للإعلان عن عقد جلسة طارئة لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين الدائمين، لبحث التصدي للتغلغل الإسرائيلي المتنامي في القارة الأفريقية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي رفقة الرئيس السينغالي مصدر الصورة: afrique.le360.ma

وأكد السفير الشوبكي أن هناك قرار صادر عن قمة عمان الأخيرة، يدعو إلى تعزيز العمل مع الاتحاد الأفريقي لدعم قضية فلسطين والتصدي لأي محاولات إسرائيلية للالتفاف على مكانة القضية في القارة الأفريقية، وحث الدول الأفريقية على عدم المشاركة في أي مؤتمرات إسرائيلية أفريقية.

من جهتها؛ انتهجت إيران مجموعة من السياسات الرخوة، التي ساعدت على التوغل في أفريقيا، من بينها تقديم مساعدات تنموية في مجالات التكنولوجيا، ومجالات الطاقة والتنقيب عن البترول والاستكشافات البترولية، وصيانة معامل تكرير النفط، والصناعات البتروكيماوية والغاز، وتنمية القطاعات الزراعية والصحية وإنشاء السدود، بالإضافة إلى تصدير النفط لبلدان القارة الأفريقية بأسعار رخيصة مقارنة بالسوق العالمي.

وأسهمت تلك السياسات في نمو التبادل التجاري بين إيران والدول الأفريقية، حيث أعلن مدير عام الشؤون العربية والأفريقية في غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة الإيرانية، شهرام خاصي بور، خلال اجتماع تجاري مشترك بين أفريقيا وإيران تم تنظيمه في طهران، أن إيران وجنوب أفريقيا ترسمان آفاق التبادل التجاري لبلوغه نحو ملياري دولار في عام 2021.
كيف يحمي الأفارقة أنفسهم؟

في ظلّ التأخرّ التنموي الذي تشهده عديد من الدّول الأفريقية، فإنّه لا يُمكن لهذه الدّول إلا أن تسعد باستقبالها للاستثمارات الأجنبية باعتبارها إحدى قاطرات النّهضة الاقتصادية فيها، وفي الحقيقة؛ لم يكن تدفق هذه الاستثمارات نتيجة للمقومات الطبيعية التي تتميّز بها هذه الدّول فقط، وإنما أتى أيضًا نتيجة لاهتمام الدول الأفريقية بتهيئة بيئاتها الاستثمارية، من خلال مراجعة سياساتها الاقتصادية، وسنَّها لعديد من التشريعات والقوانين التي تشجع الاستثمار وتدعمه، عبر منح امتيازات كثيرة للمستثمر الأجنبي.

في المُقابل؛ يتعامل صُنّاع القرار الأفارقة بحذر مع هذا الطلب الأجنبي، إذ يُحذّر خبراء الاقتصاد من تداعيات فتح الدّول قطاعها المالي للاستثمارات الأجنبية بدون دراسة وهو ما من شأنه أن يُسبّب إشكالات اقتصادية كبيرة مثل انهيار الاقتصاد أو انكماشه في حال الانسحاب المفاجئ لرؤوس الأموال أو التركيز على الاستثمارات قصيرة المدى، والتضخم النقدي والتهديدات الأمنية فيما يُتوقع من صدامات بين الدول المتنافسة.

ولحماية نفسها من سطوة الغزو المالي والسياسي، ربما تحتاج الدّول الأفريقية لأن تفرض التعامل معها كمجموعة واحدة يتم التنسيق بينها من خلال استراتيجية تنموية متوازنة ومتكاملة للقارة عبر مؤسساتها القارية أو الإقليمية.

وحتّى تنجح في الاستفادة التامّة من هذه الاستثمارات الخارجيّة، فإنّ الدّول الأفريقية مُطالبة بأن تربطها بخطط تنموية محلية حتى تصُب في مجهود التنمية الشاملة، أي أن تكون جزءًا من مخطّط كامل يؤسّس لعملية تطوّر تنموي فعّال وخاصّة في مجالي الأمن الغذائي والبنية التحتية.

ولأنّ الثروات تنضب، وحتّى لا تجد الدّول الأفريقية نفسها في تبعيّة دائمة لرأس المال الأجنبي، فإنّه يتعيّن عليها استثمار/فرض استثمار جزء من هذه الاستثمارات في مجال تنمية رأس المال البشري ليصبح قادرًا على المُساهمة في عمليّة التنمية المُستدامة بها.
ساسة بوست

وفي الواقع، تكرّر ذات السيناريو في أكثر من مناسبة وفي أكثر من دولة أفريقية؛ في الجابون سنة 1990، والتشاد عام 1992 وأنجولا عام 1993، إذ كاد الفرنسيون أن يُضيعوا امتيازاتهم النّفطية واحتاج الموضوع نزولا ثقيلا للدّولة الفرنسية لتثبيت أوضاع شركاتها فيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.