ينتابي إحساس وأنا أتجول في شوارع القاهرة هذه الأيام، أن (نصف) سكان السودان يصومون رمضان في مصر!!
عشرات البصات السفرية تعبر الحدود يومياً تحمل ركاباً سودانيين باتجاه الشمال، و(8) رحلات طيران تحط في مطار القاهرة قادمة من الخرطوم تدفع بسياح جدد إلى أرض الكنانة.
السودانيون
ينفقون نحو (180) مليون دولار.. شهرياً، أي ما يتجاوز (2) مليار دولار سنوياً.. فواتير علاج في مصر، هذا ما يؤكده القنصل العام بسفارتنا في القاهرة الدكتور “عبد الحميد الفضل”، أضف إليها فواتير السياحة والتسوق، والمعاملات التجارية بين الشركات في البلدين.
لو أنك زرت أسواق وسط البلد أو مولات “مدينة نصر” والقاهرة الجديدة، فستجد غالب المتسوقين سودانيين وليسوا خليجيين، كما يدور بخلد بعض النخبة المصرية.
لو أنك دخلت عيادة أي طبيب مصري شهير، فستجد عدد المنتظرين مناصفة بين المصريين- أهل البلد – والسودانيين، ولي رصد شخصي عديد المرات في سنوات مختلفة لهذه الوقائع.
عشرات الآلاف من السودانيين من عامة الناس وغمارهم يمتلكون شققاً سكنية في مدن وأحياء القاهرة والإسكندرية، ازدادت أعدادهم خلال السنوات الأخيرة وأصبحت تمثل استثماراً نافعاً لهم.
الراحة النفسية والعيش والتصرف بحرية كأنك في بلدك، ميزات لا يجدها المواطن السوداني في دولة عربية أو أفريقية غير مصر، لذا تجدهم مقيمين وزواراً بالملايين.. أكرر ملايين.
هي إذن علاقة مصالح حقيقية، وليست تاريخاً وعواطف ومشاعر، كما يدعي ويزعم البعض هنا وهناك.
بالمقابل فإن سياسة حكومتنا ناحية (توطين العلاج) بالداخل ينبغي أن تمضي قدماً في تأسيس مستشفيات حديثة يعمل فيها اختصاصيون واستشاريون (أجانب) وسودانيون، وليس السماح بهجرة أكثر من (30) ألف طبيب سوداني إلى السعودية ثم منع المواطنين من السفر للقاهرة لإجراء عمليات نقل كلى وكبد، بقرارات استبدادية غير مدروسة تعمل على (اغتيال) المرضى مع سبق الإصرار والترصد.
حكومتنا ترسل كبار الأطباء الاختصاصيين إلى الخليج، ثم تمنع إكمال إجراءات السفر للعلاج بالخارج بإجراء عمليات جراحية أوصى بها القومسيون الطبي!! كيف يتوطن العلاج دون أطباء أكفاء وأجهزة حديثة ومتطورة، علماً بأن أطباءنا يستثمرون في العقارات قبل وبعد عودتهم للبلاد، وليس في شراء الأجهزة والمعدات التي تعينهم وتطور مهنتهم وتنمي أموالهم أيضاً، كما يفعل الأطباء المصريون والهنود وغيرهم؟!
خلاصة القول.. لا مجال لقطع هذه العلاقة المتجذرة بالمصالح بيننا ومصر، حتى وإن ساء فعل الأغبياء.. أو المتآمرين.. بيننا وبينهم.
المجهر السياسي