الخرطوم وأبو ظبي.. هل يُذيب “الاستراتيجي” جليد “التكتيكي” ؟
بعد طول انقطاع، من المُنتظر أن يزور وزير الخارجية السوداني، الدرديري محمد أحمد، دولة الإمارات
، بدعوة من نظيره الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، بعد أن تجاهلت أبو ظبي، في وقت سابق رغبته في الزيارة، لمناقشة حزمة من الملفات بين البلدين.
فضمن جولة ابتدرها الوزير، بعد أن تسلم مهامه مباشرة، إلى دول محورية للسودان، مثل مصر، والسعودية، وقطر، وإثيوبيا، لم تكن الإمارات، في مشهد الرحلة.
وعلى هامش لقائهما في أعمال الدورة (73) لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك، اتفق الدرديري، وبن زايد، على المُضي قدمًا في تعزيز العلاقات المشتركة في الجوانب السياسية، والتنسيق في المحافل الإقليمية والدولية، وزيادة الاستثمارات بين البلدين.
تقارب بعد التجاهل
مصادر مطلعة حينها أبلغت (باج نيوز)، أن الإمارات تجاهلت تحديد موعد للوزير لزيارتها، وتسربت فيما بعد أنباء عن شروط وضعتها الدولتين (الإمارات والسعودية) لتحسين علاقاتها مع الخرطوم، ومد أواصر التعاون السياسي والاقتصادي وغيره، كان أبرزها تحديد العلاقة مع قطر وتقليصها إلى الحد الأدنى، وهو ما لم ينل رضا القيادة في الخرطوم.
غير أن مياه كثيرة تحركت تحت الجسر لتذيب شيء من البرود في العلاقات السياسية والاقتصادية الذي ظل موجودًا لعدة أشهر بين البلدين.
حسنًا، سبق وأن راج بصورة مكثفة، تعرض الحكومة السودانية إلى ضغوط عنيفة من دول خليجية، (السعودية والإمارات)، لقطع علاقاتها مع تركيا وقطر، مقابل إيجاد حلول جذرية للضائقة الاقتصادية، لكن وزير الإعلام والمتحدث الرسمي بإسم الحكومة السابق، أحمد بلال عثمان، وصف الضغوط بغير المنطقية، لجهة أن الحكومة لم تتلق أي إشارات رسمية بشأن تلك الضغوط.
وطبقًا لتقارير إعلامية، فإن الخرطوم، أبدت استياءً بالغاً، جراء تجاهل حلفائها في السعودية والإمارات، للأوضاع الاقتصادية في البلاد، لذلك لجأت لتقوية علاقاتها مع أنقرة والدوحة.
وبلغ استياء الخرطوم مرحلة بالغة الخطورة، عندما زار ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان، إثيوبيا في يونيو المنصرم، وإعلان المتحدث الرسمي بإسم الحكومة الإثيوبية، أحمد شيدي، بأن الإمارات ستستثمر 3 مليارات دولار في اقتصاد بلاده، بينها مليار دولار كوديعة في البنك المركزي.
إثيوبيا على الخط
وعندما ضخت أبوظبي ملياراتها في شريان الاقتصاد الإثيوبي، كانت أزمة الوقود بلغت ذروتها بالعاصمة الخرطوم، إذ تكدست السيارات أمام محطات الوقود لساعات طويلة، انتظاراً لوصول شاحنات تفريغ الوقود في المحطات.
وجاءت الأزمة نتيجة لتوقف مصفاة الخرطوم عن العمل، في مارس- وأبريل الماضيين، بسبب عدم توفر (102) مليون دولار من أجل الصيانة الدورية ، بجانب عوامل أخرى، منها عدم توافر نقد أجنبي لأغراض الاستيراد.
توترات إريتريا
وشهدت الحدود السودانية الإريترية، في يناير الماضي توتراً غير مسبوق، بعدما تحدثت وسائل وسائل إعلام محلية، عن حشود عسكرية على الحدود السودانية الإريترية، بدعم من مصر والإمارات.
وحسب المراقبين، فإن الرئيس الإريتري، أسياس أفوري، اختار أيضاً مقاطعة قطر والسودان، وأعلن انحيازه إلى محور السعودية – الإمارات، بل ذهب أبعد من ذلك بأن منح الإماراتيين قاعدة عسكرية قرب ميناء عصب.
وتعمقت الخلافات بصورة أعمق، بعد أن دخلت قطر والإمارات، في حلبة الصراع، عبر اتهامات أسمرا للدوحة، بتقديم دعم عسكري إلى الخرطوم، وإرسال طائرات عسكرية إلى ولاية كسلا، لصد هجوم “إريتري – مصري- إماراتي” مزعوم، على حد قول إريتريا.
الحقيقة التى أردات إرتريا قولها، حسب بيان لوزارة إعلامها هي، أنه في نهاية يناير الماضي، وبغرض التصدي للهجوم الإريتري المدعوم إماراتيًا، الذي يمكن أن يُشن على السودان، أهدت قطر السودان ثلاث طائرات (ميج) تم وضعها في ولاية كسلا، وكان قواد هذه الطائرات ضابطان من قطر وآخر إثيوبي”.
ثم اتهمت أسمرا الخرطوم، بـإيواء معارضين إسلاميين من أتباع المعارض الإريتري الداعية محمد جمعة أبو رشيد، الذين يتلقون تدريبًا عسكريًا، وفتح مكتب لهم في مدينة كسلا، وذلك بتمويلهم قطريًا.
وأغلقت الخرطوم، في 5 يناير الماضي، المعابر الحدودية مع إريتريا، ثم أرسلت تعزيزات عسكرية إلى ولاية كسلا على الحدود الشرقية.
رد الخرطوم لم يتأخر كثيرًا، ورفضت الاتهامات الإرترية، قائلة، على لسان وزارة الخارجية السودانية، إن ما قيل ليس سوى اتهامات ملفقة ولا أساس لها من الصحة.
وأعربت عن استغرابها الشديد من اتهام إريتريا لحكومة السودان بتلقي مساعدات عسكرية خارجية للتصدي لهجوم إريتري مرتقب على السودان.
انفراج مُرتقب
العلاقات السودانية الإماراتية، ربما تشهد انفراجًا جديدًا، مقرونة مع تصريحات وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، الذي قال عقب لقائه الرئيس البشير، في أبريل الماضي، إن اللقاء ركز على متانة العلاقات السودانية الإماراتية في كافة المجالات، وأن بلاده مهتمة بتطوير البنى التحتية والطاقة الشمسية في السودان.
وقبل فتور العلاقة وجمودها، زادت الزيارات بين وفود البلدين، وحصل السودان في 20 يناير 2017، على وديعة إماراتية بقيمة 500 مليون دولار.
وكان عدد من الوزراء السودانيين أشاروا إلى أن وساطة من الدول الخليجية، خاصة السعودية والإمارات، أسهمت في رفع واشنطن لعقوباتها الاقتصادية المفروضة على الخرطوم منذ 1997.
ورفعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 6 أكتوبر الماضي، عقوبات اقتصادية وحظر تجاري كان مفروضًا على السودان منذ عام 1997.
لكن واشنطن لم ترفع اسم السودان من قائمة “الدول الرعاية للإرهاب”، المدرج عليها منذ عام 1993، لاستضافته الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة، أسامة بن لادن.
وظهرت حكومة الرئيس البشير، في العامين الماضيين كحليف وثيق للدول الخليجية بعد سنوات من التوتر سببه التقارب مع طهران.
ومنذ مارس 2015 يشارك السودان في التحالف العربي، الذي تقوده السعودية، لمحاربة “الحوثيين” المدعومين من طهران في اليمن.
المصدر : باج نيوز