مصادر تكشف معلومات مهمة عن التعدين التقليدي
سودافاكس – لسنوات طوال ظلت قضية التعدين التقليدي، تشغل بال الجهات الحكومية المختصة، ولم تنقطع المحاولات لتطويره، عبر عدة مبادرات آخرها ما أعلنته الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة عن اطلاق حملة شاملة لتحديث التعدين التقليدي، وقبل الدخول في تفاصيل لمشروع، يلزمنا وضع بعض الإضاءات حول المشكلات التي يمثلها، والحلول المقترحة لها.
تتمثل أبرز مشكلات التعدين التقليدي في كونه، نشاطاً أقرب للعشوائية وأكثره ظل بعيداً عن التنظيم، وبالتالي بعيد عن أعين السلطات الرقابية مما يؤدي إلى تزايد تهريب الذهب. ولحل هذه المعضلة، تعالت أصوات ومقترحات بأهمية تنظيم التعدين التقليدي.
وهو ما لن يتم قبل إجراء حصر دقيق لعدد المشتغلين بالتعدين التقليدي وتوزيعهم بالولايات ومواقع الإنتاج، وهو ما يجري الإعداد له حالياً في أروقة الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة بدعم من وزارة المعادن. سبتمبر نقطة الانطلاق وهنا تعتزم الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة تدشين مشروع تحديث بيانات التعدين التقليدي، الذي سينطلق في سبتمبر المقبل بولاية نهر النيل بالتزامن مع ثلاث من الولايات المنتجة للذهب.
المعادن تدعم مشروع الحصر وتلقى وكيل وزارة المعادن بروفيسور عبد الله كودي لدى زيارته مقر الشركة واجتماعه بالمدير العام للموارد المعدنية، مبارك أردول، تنويراً ضافياً حول مشروع تحديث قاعدة بيانات التعدين التقليدي وحصر المعدنين التقليديين في السودان خلال سبتمبر القادم بولاية نهر النيل.
ووصف كودي المشروع بالمهم والاستراتيجي والذي يضع قطاع التعدين على الطريق الصحيح، معلناً دعم وزارته للمشروع حتى يحقق أهدافه وغاياته. وتلقى الوكيل تنويراً من لجنة مشروع تحديث قاعدة بيانات التعدين التقليدي حول مسار عملها ومحاور خططها والمدى الزمني لتدشين المشروع، وأبدى وكيل وزارة المعادن تقديره للنهج الذي وضعته اللجنة.
وقال كودي إن وزارته في حاجة ماسة إلى خبرات الشركة السودانية في مجال تحديث البيانات وتقديم الاحصاءات وبسط المعلومات. مشروع قومي لتحديث قاعدة البيانات وأشار الوكيل إلى اعتزام وزارة المعادن تنفيذ مشروع قومي لتحديث بيانات الجيولوجيا في السودان لتقديم احصائيات متكاملة عن المعادن وأماكن وجودها وتصنيفها وتحديد بيئتها، وقال إن تجربة الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة في مجال تحديث قاعدة بيانات التعدين التقليدي مشجعة وتفتح الطريق للمضي قدماً في تنفيذ مشروع تحديث قاعدة بيانات الجيولوجيا في السودان.
فوائد مرتقبة لحصر المعدنين وتناول المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، الأستاذ مبارك أردول، أهمية مشروع قاعدة بيانات التعدين التقليدي والمكاسب المتوقعة من حصر المعدنين في السودان، مشدداً على ضرورة تهيئة المعدنين للتفاعل مع المشروع الذي سيعمل على تقديم الكثير من الخدمات الضرورية للمعدنين بما يدفعهم إلى تطوير قدراتهم وزيادة إنتاجيتهم وانتظامهم في جمعيات إنتاجية.
حصر وشيك للمعدنين وقال مدير الإدارة العامة للإشراف والرقابة على التعدين التقليدي مهندس جيولوجي مدثر عبد الله آدم إن الحملة ستعمل على توفير (داتا بيز) للتعدين التقليدي على مستوى السودان وتكتسب أهميتها من أهمية المعدنيين المستهدفين الذين قال إنهم يستقلون مورداً مهماً في الدولة، مبيناً أن الحملة تستهدف تقييم الخرط والمهددات المتعلقة بالتعدين التقليدي، وكشف عن توصل الموارد المعدنية للشكل النهائي للحصر الإلكتروني لمعرفة عدد المشتغلين في هذا النشاط والاستفادة من الإمكانيات التي يعملون بها، مشيراً إلى إمكانية تحويل المعدنيين من تعدين تقليدي إلى تعدين منظّم بعد إعداد المعلومات.
وقسم مدثر، المعدنيين التقليديين إلى ثلاث فئات، تمتلك الفئة الأولى، معدات وأراضي ويمكن تحويل هذه الفئة بسهولة إلى تعدين منظم ليكون الناتج منها صناعة تعدينية آمنة تُراعى فيها كل اشتراطات البيئة والسلامة والصحة المهنية، فيما يمكن تجميع الفئة الثانية في جمعيات تعاونية وشركات مساهمة، وهم يمثلون العمالة اليدوية التي انطلقت وسارت بها عملية التعدين التقليدي، والفئة الثالثة والتي يطلق عليهم (كوماجية) وهم الذين يعملون مع الفئتين الأولى والثانية، فهؤلاء يمكن دمجهم في شركة مساهمة.
وأبان مدثر أن تنفيذ سياسة الموارد المعدنية في تحقيق صناعة تعدينية آمنة عبر مجموعة شركات، هي خطوة من شأنها أن تحصر المدخل وكمية الإنتاج بما يؤدي إلى الحد من التهريب. مساعٍ متعددة ولا تقتصر مساعي الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، على محض حصر المعدنين التقليديين، بل تتعداها لمعالجة ما ينتج عن التعدين التقليدي من آثار سلبية، علي الإنسان والبيئة على حد السواء، وهي مساعي قديمة واصلت الإدارة الحالية الاهتمام بها، حيث تم قبل ثلاث سنوات عقد اتفاق بين الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة مع الهيئة الاستشارية بجامعة الخرطوم لإجراء مسح لمناطق التعدين وتحديد الأثر البيئي وجعل نتيجة المسح دليلاً يحدد مدى تضرر الإنسان والحيوان والزرع من عدمه.
آخر إحصاء وكشف مدير الإدارة العامة للإشراف والرقابة على التعدين التقليدي، بالشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، مهندس جيولوجي مدثر عبد الله آدم، عن وجود نحو مليوني معدن تقليدي بالسودان، و “73” سوق تعدين منتشرين في “13” ولاية، وقال إنهم جميعاً يعملون في التعدين التقليدي وأوضح مدثر بحسب صحيفة الصيحة، أن الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، سبق وأن قامت بحملات إحاطة وحصر في فترات سابقة حيث قدر عدد المعدنين الأهلين حوالي 2 مليون معدن منتشرين في 13 ولاية في مواقع التعدين التقليدي وأسواق التعدين التقليدي المنتشرة في جميع الولايات ويبلغ عددها حوالي 73 سوقاً تتم فيها معالجة حجر المعدنين من المناجم.
وأشار مدثر إلى أن أكثر المعدنين انتشاراً في ولاية نهر النيل والبحر الأحمر والشمالية تليها ولاية القضارف وشمال كردفان وولايات دارفور والنيل الأزرق. نهر النيل.. مركز ثقل التعدين التقليدي ويبدو أن اختيار ولاية نهر النيل، كنقطة بداية لمشروع حصر التعدين التقليدي، نابع من كونها تمثل مركز ثقل في إنتاج الذهب وهي الأكثر انتشاراً في عدد المعدنين بنسبة تقارب ثلث معدني بقية الولايات مجتمعة، كما أن الولاية تملك احتياطياً ضخماً من المعدن الأصفر ما يزال أغلبه في باطن الأرض، وما تم استخراجه بالفعل لا يتجاوز ما كان متاحاً على سطح الأرض وبضع أمتار تحتها، وهو منتوج لا يذكر مقارنة بحجم الذهب الحقيقي.
وبحسب الجهات المختصة فإن أبرز المشكلات التي تعاني من مناطق التعدين بالولاية هي تزايد تهريب الذهب وصعوبة الإحاطة بالمنتج، وتدني الخدمات بالأسواق، فيما تعهدت الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة بوضع معالجات جذرية لهذه المشكلات وتنظيم الأسواق ومدها بالخدمات. ولكونها أكثر الولايات احتضانا للمعدنين التقليديين ينشط فيها نحو “600” ألف معدن في “4” من محليات ولاية نهر النيل يوجد بها عمل تعديني، وهو رقم يمثل قرابة 30% من المعدنين لكل السودان، بيد أنهم يعملون في ظروف أقل ما يقال عنها أنها “قاسية” متحملين البرد القارس شتاءاً، ولهيب الشمس الحارقة صيفاً.
بحثا عن المعدن الأصفر، وأغلب المعدنين من فئة الشباب ممن لم يتجاوزوا العقد الثالث وبعضهم لم يكمل العقدين من عمره، يقضون أياماً بلياليها في عمق الصحراء حيث لا حياة ولا زرع ولا شجر، بل لا شئ سوى الرمال، وكثيراً ما انقطع بهم السبيل في عمق الصحراء انتظاراً لجرعة ماء تروي العطش، لا يعلمون متى تأتي، حيث تعمل شاحنات على نقل الماء على البراميل ويباع البرميل بأسعار عالية، أما الخدمات بالأسواق فلا تتعدى مطاعم عشوائية وناد مشاهدة “إن توفر” وبعض المحال التجارية، وتبدو الحياة هناك أصعب مما يمكن تخيله فالأسعار مرتفعة جدا. وإلى الشمال من أبو حمد، تقع منطقة “قبقبة” وهي غنية بالذهب وينشط في أسواقها المتناثرة أعداد كبيرة من المعدنين، وتشتهر المنطقة بأكبر موقع للطواحين في أسواق الولاية.
لكنها أيضاً أحد معاقل التعدين العشوائي وغالبه غير مقنن ويعمل خارج القانون والأخطر أنه تعدين خارج سيطرة السلطات المختصة، ويعتبر أحد العوامل المشجعة على التهريب لغياب الراقبة وصعوبة السيطرة على المنتج. ويستغرق الوصول إلى منطقة قبقبة، من أبو حمد مسيرة ثلاث ساعات، بسيارات دفع رباعي ولا طريق سوى الصحراء والرمال الممتدة، وهي ليست سوقاً واحدا بل تجمعات عشوائية لا رابط بينها وتعمل فيها طواحين هوائية ولا وجود لمعالجة مخلفات التعدين، كما يحتفظ المتعاملون في هذه الأسواق بكتلة نقدية ضخمة تقدر بالملايين لا تجد طريقا للجهاز المصرفي، علاوة على أن عمل المعدنين خارج الرقابة وبعيداً عن السيطرة يفقد الحكومة العوائد الجليلة من الإنتاج وهي تعادل “10%” عن كل جرام ذهب.