جعفر عباس : فعلا الدنيا حظوظ

سودافاكس ـ من‭ ‬طبع‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬انه‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الأحوال‭ ‬يتوقع‭ ‬لنفسه‭ ‬الأمور‭ ‬الطيبة‭ ‬ويستبعد‭ ‬إصابته‭ ‬بمكروه،‭ ‬وقد‭ ‬يعزى‭ ‬ذلك‭ ‬لـ«الغفلة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬احتساب‭ ‬عواقب‭ ‬الأمور،‭ ‬وبالمقابل‭ ‬فإن‭ ‬الإنسان‭ ‬المتفائل‭ ‬بطبعه‭ ‬لا‭ ‬يضع‭ ‬أسوأ‭ ‬السيناريوهات‭ ‬أو‭ ‬الاحتمالات‭ ‬للأمور‭ ‬التي‭ ‬يخوض‭ ‬فيها،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يحسب‭ ‬نفسه‭ ‬مهيئا‭ ‬فقط‭ ‬للنجاح،‭ ‬فلا‭ ‬يقبل‭ ‬الإخفاق‭ ‬ولا‭ ‬يعترف‭ ‬بأنه‭ ‬مخطئ،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الإخفاق‭ ‬ناتجا‭ ‬عن‭ ‬أفعاله‭ ‬أو‭ ‬حساباته‭ ‬الخاطئة،‭ ‬وقد‭ ‬يحمل‭ ‬هذا‭ ‬الإفراط‭ ‬في‭ ‬التفاؤل،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬الثقة‭ ‬الزائدة‭ ‬بالنفس،‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬الحسد‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬قد‭ ‬تعتقد‭ ‬أنها‭ ‬أحق‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬بالترقية‭ ‬والثروة‭ ‬والسلطة‭ ‬والوجاهة‭ ‬والمكانة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ورغم‭ ‬أنني‭ ‬أحمد‭ ‬الله‭ ‬لأنه‭ ‬أعطاني‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬كنت‭ ‬أحلم‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭: ‬زوجة‭ ‬طيبة‭ ‬وعيال‭ ‬أولاد‭ ‬ناس‭ ‬ومال‭ ‬يلبي‭ ‬احتياجات‭ ‬عائلتي‭ ‬الضرورية،‭ ‬بل‭ ‬وبعض‭ ‬الكماليات،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬الرضا‭ ‬بما‭ ‬أنا‭ ‬فيه‭ ‬عصمني‭ ‬من‭ ‬الحسد‭ ‬والغيرة‭ ‬المرضية،‭ ‬فإنني‭ ‬اعترف‭ ‬بأنني‭ ‬‮«‬حسدت‮»‬‭ ‬السيدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ليلى‭ ‬لوتورنو‭ ‬المقيمة‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬تكساس‭.‬

 

قبل‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬دخلت‭ ‬هذه‭ ‬السيدة‭ ‬دورة‭ ‬المياه‭ (‬لا‭ ‬مؤاخذة‭- ‬أتوقف‭ ‬قليلا‭ ‬عند‭ ‬تسمية‭ ‬المرحاض‭ ‬دورة‭ ‬المياه‭!! ‬أليست‭ ‬هذه‭ ‬تسمية‭ ‬بلهاء؟‭ ‬أحسب‭ ‬أننا‭ ‬نقلناها‭ ‬بالمسطرة‭ ‬من‭ ‬الإنجليزية‭ ‬ووتر‭ ‬كلوسيت‭ ‬water‭ ‬closet‭ ‬التي‭ ‬يشكل‭ ‬الحرفان‭ ‬الأوليان‭ ‬منهما‭ ‬مصطلح‭ ‬دبليو‭ ‬سي‭ ‬WC‭ ‬واختار‭ ‬الإنجليز‭ ‬تلك‭ ‬التسمية‭ ‬لأنه‭ ‬عند‭ ‬البدء‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬أنظمة‭ ‬الصرف‭ ‬الصحي‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬ما‭ ‬يتطلبه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تمديدات‭ ‬لأنابيب‭ ‬المياه‭ ‬والتصريف،‭ ‬وقع‭ ‬اختيار‭ ‬كل‭ ‬البيوت‭ ‬على‭ ‬الغرفة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬غسل‭ ‬الملابس،‭ ‬وبهذا‭ ‬ارتبطت‭ ‬تلك‭ ‬الغرفة‭ ‬بتدوير‭ ‬المياه،‭ ‬وقمنا‭ ‬نحن‭ ‬بنقل‭ ‬التسمية‭ ‬بالمسطرة‭)‬،‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬السيدة‭ ‬لوتورنو‭ ‬تلك‭ ‬دخلت‭ ‬الحمام‭ ‬في‭ ‬بيتها‭ ‬لتلبية‭ ‬نداء‭ ‬الطبيعة،‭ ‬وسحبت‭ ‬سلسلة‭ ‬الشفط‭ ‬الخاصة‭ ‬بنظام‭ ‬السايفون‭ (‬وليس‭ ‬السيفون‭ ‬بكسر‭ ‬السين‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬شائع‭ ‬بيننا‭)‬،‭ ‬وهنا‭ ‬حدث‭ ‬أمر‭ ‬عجيب،‭ ‬فبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يندفع‭ ‬الماء‭ ‬إلى‭ ‬أسفل‭ ‬لتصريف‭ ‬محتويات‭ ‬دورة‭ ‬المياه‭ ‬بدأ‭ ‬الحمام‭ ‬يمتلئ‭ ‬عبر‭ ‬كل‭ ‬فتحة‭ ‬فيه‭ ‬بسائل‭ ‬اسود‭ ‬لزج،‭ ‬فخافت‭ ‬السيدة‭ ‬ليلى‭ ‬واتصلت‭ ‬بسلطات‭ ‬الدفاع‭ ‬المدني،‭ ‬التي‭ ‬استكشفت‭ ‬الأمر‭ ‬وبشرت‭ ‬ليلى‭ ‬بأحلى‭ ‬الكلام‭: ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬السوداء‭ ‬‮«‬نفط»؟‭ ‬صاحت‭ ‬ليلى‭: ‬واط؟‭ ‬قالوا‭ ‬لها‭ ‬مجددا‭: ‬نفط‭.. ‬بترول‭.. ‬بنزين‭.. ‬نفتا‭.. ‬سولار‭.. ‬كيروسين‭!!‬

 

ألا‭ ‬تعذرني‭ ‬أيها‭ ‬القارئ‭ ‬إذا‭ ‬أحسست‭ ‬ببعض‭ ‬الحسد؟‭ ‬ناس‭ ‬حماماتها‭ ‬تطلع‭ ‬بترول،‭ ‬وناس‭.. (‬بلاش‭!)‬،‭ ‬طبعا‭ ‬الأمريكان‭ ‬‮«‬يعجبونك‮»‬‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬المال‭ ‬والثروة،‭ ‬فقد‭ ‬صارت‭ ‬دورة‭ ‬المياه‭ ‬تلك‭ ‬مزارا‭ ‬لأصحاب‭ ‬شركات‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬تكساس،‭ ‬وكل‭ ‬بضع‭ ‬دقائق‭ ‬يرن‭ ‬جرس‭ ‬التلفون‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬ليلى‭ ‬لتجد‭ ‬أمامها‭ ‬رجلا‭ ‬أنيقا‭ ‬على‭ ‬فمه‭ ‬سيجار‭ ‬سمكه‭ ‬خمس‭ ‬بوصات‭ ‬تم‭ ‬تهريبه‭ ‬من‭ ‬كوبا‭ ‬التي‭ ‬تخضع‭ ‬لعقوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬أمريكية،‭ ‬ينحني‭ ‬أمامها‭ ‬في‭ ‬أدب‭ ‬ويسألها‭: ‬ممكن‭ ‬أروح‭ ‬الحمام‭ ‬يا‭ ‬أبلتي؟‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬وليلى‭ ‬لوتورنو‭ ‬تلجأ‭ ‬إلى‭ ‬دورات‭ ‬المياه‭ ‬العامة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬حمام‭ ‬بيتها‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬كارتيل‭ ‬النفط،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬الحمام‭ ‬مشيد‭ ‬عند‭ ‬فوهة‭ ‬بئر‭ ‬تم‭ ‬استكشافه‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬ستين‭ ‬سنة،‭ ‬وإغلاقه‭ ‬لعدم‭ ‬توافر‭ ‬أجهزة‭ ‬دقيقة‭ ‬لقياس‭ ‬كميات‭ ‬النفط‭ ‬الكامنة‭ ‬فيه،‭ ‬والمهم‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬أن‭ ‬مدام‭ ‬ليلى‭ ‬هذه‭ ‬دخلت‭ ‬الحمام‭ ‬وهي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الإمساك‭ ‬وخرجت‭ ‬منه‭ ‬مليونيرة‭!‬

 

ونبقى‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬المراحيض،‭ ‬فنطير‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬وبالتحديد‭ ‬إلى‭ ‬بلدة‭ ‬شنغدو‭ ‬حيث‭ ‬يقيم‭ ‬السيد‭ ‬‮«‬هي‭ ‬مينغ‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬ضاقت‭ ‬به‭ ‬الدنيا‭ ‬على‭ ‬اتساعها،‭ ‬ولم‭ ‬يجد‭ ‬سبيلا‭ ‬لزيادة‭ ‬دخله‭ ‬لإعالة‭ ‬أسرته‭ ‬سوى‭ ‬التقدم‭ ‬بطلب‭ ‬إلى‭ ‬سلطات‭ ‬المجلس‭ ‬البلدي‭ ‬لتحويل‭ ‬بيته‭ ‬بأكمله‭ ‬إلى‭ ‬دورة‭ ‬مياه،‭ ‬لأنه‭ ‬اكتشف‭ ‬أن‭ ‬الجمهور‭ ‬الذي‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬منطقته‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬الأسواق‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬وفرة‭ ‬دورات‭ ‬المياه،‭ ‬فأجرى‭ ‬دراسة‭ ‬جدوى‭ ‬اتضح‭ ‬له‭ ‬بعدها‭ ‬أن‭ ‬تأجير‭ ‬بيته‭ ‬كدورات‭ ‬مياه‭ ‬يعينه‭ ‬على‭ ‬استئجار‭ ‬بيت‭ ‬أفضل‭ ‬وتوفير‭ ‬طعام‭ ‬وملابس‭ ‬أفضل‭!! ‬سبحان‭ ‬من‭ ‬قسم‭ ‬الحظوظ‭ ‬فلا‭ ‬عتاب‭ ‬ولا‭ ‬ملامة‭/ ‬أعمى‭ ‬وأعشى‭ ‬ثم‭ ‬ذو‭ ‬بصرٍ‭ ‬وزرقاء‭ ‬اليمامة‭!! ‬دورة‭ ‬مياه‭ ‬صغيرة‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬أمريكي‭ ‬يطلع‭ ‬منها‭ ‬بترول‭ ‬فتتحول‭ ‬إلى‭ ‬كنز،‭ ‬وعائلة‭ ‬صينية‭ ‬تكتشف‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬الخير‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تحول‭ ‬بيتها‭ ‬إلى‭ ‬دورة‭ ‬مياه‭!‬

 


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.