جعفر عباس : عن قيس وليلى وبراءة الطفولة

سودافاكس ـ لا‭ ‬شيء‭ ‬مما‭ ‬قرأته‭ ‬عنهما‭ ‬يجعلني‭ ‬أحب‭ ‬قيس‭ ‬بن‭ ‬الملوح‭ ‬أو‭ ‬ليلى،‭ ‬كما‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬عبلة‭ (‬وحبي‭ ‬لعنترة‭ ‬لأسباب‭ ‬عرقية‭ ‬وعنصرية‭ ‬بحتة‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬كلما‭ ‬تقدم‭ ‬العمر‭ ‬تذكرت‭ ‬قول‭ ‬قيس‭ ‬لليلى‭: ‬صغيرين‭ ‬نرعى‭ ‬البَهْم‭ ‬يا‭ ‬ليت‭ ‬أننا‭/ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬لم‭ ‬نكبر‭ ‬ولم‭ ‬تكبر‭ ‬البهمُ‭! ‬بيت‭ ‬ينضح‭ ‬بالحنان‭ ‬الجميل‭ ‬لمرحلة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ (‬الطفولة‭ ‬والصبا‭) ‬خلت‭ ‬من‭ ‬الرقباء،‭ ‬وكان‭ ‬مسموحاً‭ ‬فيها‭ ‬بالخطأ،‭ ‬وهناك‭ ‬شاعر‭ ‬سوداني‭ ‬مجيد‭ ‬اسمه‭ ‬محمد‭ ‬المكي‭ ‬لإبراهيم‭ ‬لديه‭ ‬قصيدة‭ ‬يلعن‭ ‬فيها‭ ‬خاش‭ ‬قيس،‭ ‬عنوانها‭ ‬‮«‬إساءات‭ ‬شخصية‭ ‬لابن‭ ‬الملوح‮»‬‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭: ‬على‭ ‬ليلى‭ ‬يطول‭ ‬أساك‭ ‬منتعلاً‭ ‬وسامة‭ ‬قلبك‭ ‬الشاعر‭/ ‬ومطروداً‭ ‬أمام‭ ‬الريح‭ ‬محتملاً‭ ‬جراحات‭ ‬الهوى‭ ‬الخاسر‭/ ‬وممدوداً‭ ‬على‭ ‬سجادة‭ ‬التاريخ‭ ‬مائدة‭ ‬لكل‭ ‬حزين‭/ ‬على‭ ‬ليلى‭ ‬تجرجر‭ ‬في‭ ‬الدواوين‭ ‬العتيقة‭ ‬حزنك‭ ‬الشحاذ‭/ ‬تُنشّر‭ ‬راية‭ ‬العجز‭ ‬الذليل‭ ‬عن‭ ‬المنى‭ ‬والأخذ‭ ‬والإنجاز‭/ ‬وتفتح‭ ‬صدرك‭ ‬الدامي‭ ‬لأجيال‭ ‬المحبين‭ ‬اليتامى‭ ‬في‭ ‬شعاب‭ ‬الأرض‭/ ‬بأسماء‭ ‬الهوى‭ ‬العذري‭ ‬تطعمهم‭ ‬تعازيك‭ ‬العفيفة‭/ ‬أحابيل‭ ‬الزمان‭ ‬وعن‭ ‬قصور‭ ‬اليد‭/ ‬وعن‭ ‬ذل‭ ‬السؤال‭ ‬وعن‭ ‬هوان‭ ‬الصد‭/ ‬وعن‭ ‬طول‭ ‬الجوى‭ ‬والوجد‭ ‬إن‭ ‬صدّ‭ ‬الحبيب‭ ‬وضَنْ‭… ‬ويختتم‭ ‬القصيدة‭ ‬بشتائم‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬كروز‭: ‬أهينك‭ ‬ها‭ ‬أنا‭ ‬عبر‭ ‬القرون‭.. ‬أهين‭ ‬حلمك‭ ‬بالخلود‭ ‬العذب‭/ ‬أهين‭ ‬نذالة‭ ‬الكسب‭ ‬الذليل‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬القلب‭.‬

 

وما‭ ‬أوصلني‭ ‬إلى‭ ‬الاستشهاد‭ ‬بشعر‭ ‬محمد‭ ‬المكي‭ ‬إلا‭ ‬إعجابي‭ ‬ببيت‭ ‬الشعر‭ ‬الذي‭ ‬يحن‭ ‬فيه‭ ‬قيس‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬الطفولة‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬يلعب‭ ‬مع‭ ‬ليلى‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬من‭ ‬عتاب‭ ‬أو‭ ‬ملامة‭ (‬هل‭ ‬خطر‭ ‬ببالك‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬قيس‭ ‬والحب‭ ‬العذري‭ ‬النظيف‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬فضح‭ ‬بنت‭ ‬الناس‭ ‬وجعلها‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬لسان‭ ‬ومضغة‭ ‬في‭ ‬الأفواه‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬موقف‭ ‬أهلها‭ ‬العدائي‭ ‬منه‭ ‬مبرراً؟‭ ‬ولي‭ ‬صديق‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالحب‭ ‬العذري‭ ‬أكذوبة‭ ‬لأن‭ ‬الحب‭ ‬بين‭ ‬الجنسين‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬‮«‬الاشتهاء‮»‬،‭ ‬ويتطرف‭ ‬في‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬هذه‭ ‬ويقول‭ ‬إن‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬نصفهم‭ ‬بالشعراء‭ ‬العذريين،‭ ‬كانوا‭ ‬‮«‬معذورين‮»‬‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الفحولة‭).‬

 

تذكرت‭ ‬الطفولة‭ ‬وقيس‭ ‬وليلى‭ ‬ومحمد‭ ‬المكي‭ ‬وأنا‭ ‬أتذكر‭ ‬عينات‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬المحرجة‭ ‬التي‭ ‬يقع‭ ‬فيها‭ ‬الأطفال‭ ‬أو‭ ‬يوقعون‭ ‬فيها‭ ‬الكبار،‭ ‬ولكنها‭ ‬تصبح‭ ‬‮«‬لاحقاً‮»‬‭ ‬مادة‭ ‬للتندر،‭ ‬وقد‭ ‬يعاقب‭ ‬طفل‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬كلمة‭ ‬أو‭ ‬تصرف‭ ‬محرج،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬عاقبوه‭ ‬‮«‬يموتون‮»‬‭ ‬من‭ ‬الضحك‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬أذكر‭ ‬أنني‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬مرة،‭ ‬وبعد‭ ‬مماطلات‭ ‬طويلة‭ ‬قررت‭ ‬الوفاء‭ ‬بوعد‭ ‬لعيالي‭ ‬باصطحابهم‭ ‬إلى‭ ‬حديقة،‭ ‬وقضاء‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬كافتيريا‭ ‬يتناولون‭ ‬خلاله‭ ‬بعض‭ ‬الأطايب،‭ ‬وفي‭ ‬نحو‭ ‬الرابعة‭ ‬عصرا‭ ‬ارتدينا‭ ‬ملابسنا،‭ ‬و‭…‬رن‭ ‬جرس‭ ‬الباب‭.. ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬أقاربي،‭ ‬ونظر‭ ‬إليه‭ ‬ولدي‭ ‬بكل‭ ‬حقد‭ ‬واستنكار‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬هل‭ ‬دي‭ ‬مواعيد‭ ‬زيارة؟‭ ‬ورغم‭ ‬وجاهة‭ ‬السؤال‭ ‬واقتناعي‭ ‬بأن‭ ‬الوقت‭ ‬ليس‭ ‬وقت‭ ‬زيارة،‭ ‬فقد‭ ‬صحت‭ ‬في‭ ‬ولدي‭: ‬اسكت‭ ‬يا‭ ‬قليل‭ ‬الأدب،‭ ‬ولكن‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬لف‭ ‬أو‭ ‬دوران‭ ‬شرحت‭ ‬لقريبي‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬الولد‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬الترحيب‭ ‬به،‭ ‬فضحك‭ ‬متفهما‭ ‬المسألة،‭ ‬فودعنا‭ ‬وخرجنا‭ ‬إلى‭ ‬الحديقة‭ ‬بلا‭ ‬تأخير‭!! ‬ويقال‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬سطوة‭ ‬الرئيس‭ ‬العراقي‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬رأى‭ ‬طفل‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬صحبة‭ ‬أبيه‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬صدام‭ (‬بغداد‭) ‬صورة‭ ‬ضخمة‭ ‬لصدام‭ ‬فقال‭ ‬لأبيه‭: ‬بابا‭ ‬مو‭ ‬هذا‭ ‬اللي‭ ‬قلت‭ ‬عليه‭ ‬حمار؟‭ ‬فلم‭ ‬يجد‭ ‬الأب‭ ‬مناصا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يصيح‭: ‬ابن‭ ‬من‭ ‬ها‭ ‬الولد‭ ‬يا‭ ‬إخوان؟

 

ونصيحتي‭ ‬للكبار،‭ ‬وخاصة‭ ‬الذين‭ ‬يهوون‭ ‬النميمة،‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬يمسكوا‭ ‬ألسنتهم‭ ‬أمام‭ ‬الصغار،‭ ‬فمثلاً‭ ‬قد‭ ‬تمارس‭ ‬امرأة‭ ‬‮«‬البكش‮»‬‭ ‬مع‭ ‬جارتها‭ ‬التي‭ ‬تزورها،‭ ‬وتطلب‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬معها‭ ‬فترة‭ ‬أطول‭ ‬والجارة‭ ‬تتمنع،‭ ‬وهنا‭ ‬قد‭ ‬يدلي‭ ‬صغير‭ ‬يعرف‭ ‬رأي‭ ‬أمه‭ ‬في‭ ‬جارتها‭ ‬بدلوه‭ ‬ويقول‭ ‬كلاماً‭ ‬مثل‭: ‬ليش‭ ‬ما‭ ‬تخلينها‭ ‬تروح‭ ‬وأنت‭ ‬تقولين‭ ‬عنها‭ ‬أنها‭ ‬لئيمة‭ ‬وعينها‭ ‬حارة؟‭ ‬وكتبت‭ ‬مرارا‭ ‬عن‭ ‬ابنتي‭ ‬مروة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬طفولتها‭ ‬تستطيع‭ ‬كتمان‭ ‬سر،‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬هاتف‭ ‬منزلي‭ ‬رن‭ ‬ذات‭ ‬يوم،‭ ‬فصحت‭ ‬في‭ ‬ولدي‭ ‬الأكبر‭: ‬رد‭ ‬على‭ ‬التلفون‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬المتصل‭ ‬فلان‭ ‬الفلاني،‭ ‬قل‭ ‬له‭ ‬إنني‭ ‬غير‭ ‬موجود،‭ ‬ولسوء‭ ‬حظي‭ ‬كانت‭ ‬مروة‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬التلفون‭ ‬ورفعت‭ ‬السماعة،‭ ‬وكان‭ ‬المتصل‭ ‬كما‭ ‬توقعت‭ ‬فلان‭ ‬الفلاني‭ ‬ذاك،‭ ‬فقالت‭ ‬له‭ ‬مروة‭: ‬أبوي‭ ‬مش‭ ‬عايز‭ ‬يكلمك،‭ ‬وعندما‭ ‬التقيت‭ ‬بصاحبي‭ ‬ذاك‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬مروة‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬قررت‭ ‬حرماني‭ ‬من‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬مكالمتك‭ ‬وأنني‭ ‬قررت‭ ‬حرمانها‭ ‬من‭ ‬الميراث‭.‬

 


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.