جعفر عباس : فكرة لشراء السعادة
سودافاكس ـ عشت طويلا حينا طويلا من الدهر على وهم أنني إنسان سعيد، فلديَّ أسرة متماسكة وعيالي يتمتعون بصحة جيدة وأربعتهم أكملوا دراساتهم وحصلوا على وظائف طيبة، وعندي حفيدان بحمد الله في صحة جيدة؛ ومن ناحيتي، لديَّ وظيفة تكفل لي دخلا طيبا، وأحظى بالتقدير من جهة عملي، ولديَّ العديد من الأقارب والأصدقاء الذين يحبونني وأحبهم، ولا يعكر صفو حياتي سوى القنوات التلفزيونية العربية سواء منها التي تمارس النفاق والرياء أو تلك التي تمارس قلة الحياء، ولكن أمر تلك القنوات مقدور عليه ولو تطلب الأمر قطع التيار الكهربائي عن البيت، فبحمد الله وعملا بنصيحة الشاعر البحتري “صنت نفسي عما يدنس نفسي”، وصرت من النوع الذي يبعد عن الشر ولا يغني له.
يعني ماشي الحال، وأستطيع تفادي أشياء كثيرة تسبب العكننة والنرفزة وفلتان الأعصاب، ولكن هناك فئة تسمي نفسها “علماء” تخصصت في تنكيد عيشتي، وأشير هنا إلى ما تناقلته الصحف عن نتيجة البحث والتقصي الذي أجراه موقع ياهو الشهير على الإنترنت ومفاده أن عليك كي تكون سعيدا أن تملك خمسة ملايين دولار. وبصراحة فقد بتُّ عازما على العثور على السعادة بمواصفات ياهو، وأملي عظيم في أن القراء سيساعدونني في مهمتي النبيلة تلك، خاصة وقد اتضح أنني كنت “عبيطا” إذ حسبت أن مجرد حصولي على راتب يلبي احتياجات عائلتي الأساسية من سكن وطعام وصحة وتعليم سعادة ما بعدها سعادة!! دعوني أعرض عليكم اقتراحا بسيطا لتروا كيف بإمكاننا أن نعاون بعضنا البعض بدون أن نتكبد أعباء مالية. لنفترض أن جعفر بن شداد العبسي يعاني من مشكلة مالية تحرمه من السعادة وكتب مناشدة في الصحف على أمل أن يقوم فاعلو الخير بجمع الملايين الخمسة المطلوبة كي ينال السعادة!! طبعا لن يظفر بأكثر من قيمة سندويتش كيما وهو أكلة هندية قضمة أو لقمة واحدة منها تجعل الدخان يخرج من أذنيك!! وتجعل جهازك الهضمي يتخلص من كل شيء دخل فيه طوال أسبوع!! طيب هب أنني ناشدت جميع من في قطر من مواطنين ومقيمين راشدين وقاصرين، أن يتبرعوا لي بريال واحد في الشهر..
سيكون الحاصل “بالميت” نحو 3 ملايين ريال شهريا، لمدة ثلاثة أشهر صارت تسعة ملايين ريال، ورغم أنها لا تساوي الملايين المطلوبة لشراء السعادة إلا أنني “راضي”، والطمع ضيع ما جمع، والقناعة كنز لا يفنى خاصة إذا كنت تملك 9 ملايين ريال!!
الاقتراح أعلاه قد يبدو سخيفا ولكنه جوهر أنشطة ادخار “بلدية” ظلت تمارس في الكثير من بلداننا عبر السنين تحت مسمى جمعية في بعض الأقطار وتحت مسمى صندوق في السودان، حيث يدفع كل “مشترك” مبلغا معينا شهريا ويتم تسلم المبلغ الكامل بالتناوب شهريا لأجل معلوم، وميزة هذه الوسيلة هي أن الشخص المحتاج يحصل على مبلغ يعادل مساهماته بالضبط في “وقت زنقة” ويعد حلا لمشكلته المادية دون أن يضطر إلى دفع فوائد كما هو الحال مع القروض البنكية. تخيل ما يمكن أن يحدث لو أن وزارة التربية وحدها – في أي بلد نظمت جمعيات ادخار حسب شرائح معلميها وموظفيها أو إدارتها وقالت مثلا إن على كل مدرس في المرحلة الابتدائية أن يدفع شهريا خمسين ريالا ويوزع العائد الشهري على عشرين أو ثلاثين معلما في كل مرة وفق حسابات دقيقة طبعا. هي نفسها فكرة الضمان الاجتماعي ولكنها هنا طوعية ولا دخل للدولة بها أو فيها حتى لا “تعك” وتجعل من المسألة “كسور وبواقي”، وتفعل ما يفعله البنك الدولي الذي يعطي دولة ما قرضا بمئات الملايين ثم يأتي بخبرائه ليحصلوا على نصف مبلغ القرض كرواتب ومزايا!!
على كل حال دعونا نجرب جمع 9 ملايين ريال لجعفر بن شداد العبسي وإذا نجحت التجربة عمموها في أماكن العمل وحلال عليكم أفكاري وحصيلة المشروع.