منى أبوزيد تكتب: شعبٌ فوق العادة..!
سودافاكس ـ إذا كان كل شيء من حولك مظلماً أنظر مجدداً فقد تكون أنت النور”.. جلال الدين الرومي..!عندما فجّرت الفلسطينية آيات الأخرس نفسها في أحد المجمعات التجارية بمدينة القدس، نظم الشاعر السعودي غازي القصيبي قصيدة شهيرة تشيد بشجاعتها وتؤكد أنها شهيدة، ثم تُندِّد بطواغيت البيت الأبيض الذين ما فتئوا يحثون العرب على تقبيل حذاء شارون.
وهي – كما ترى – ممارسة شخصية لحرية التعبير لولا أن مصادفة بروتوكولية بسيطة قلبت لشاعرها ظهر المجن..!تصادف أن نشر القصيدة كان في أثناء فترة تأدية القصيبي لمهامه الدبلوماسية كسفير لبلاده في بريطانيا، فثارت الصحف الإنجليزية ضده وأصبح موقفاً شخصياً لموظف دولة من قضية عامة مثار جدل بين واشنطون ولندن والرياض، فكانت النتيجة عودة السفير إلى بلاده وزيراً للمياه..!
في مصر – وفي ذات الفترة تقريباً – انتقد السفير الأمريكي بالقاهرة ديفيد وولش، الصحافة المصرية لأنها وصفت عمليات التفجير التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية بالفدائية والجريئة، وأصر – في مناسبات عامة – على طرح وجهات نظر مخالفة للسياسة الرسمية في مصر. فما الذي حدث مع السيد وولش؟. ظل مُسترخياً على كرسي منصبه يمارس تحرشه بسياسة البلد المضيف إلى أن تمت ترقيته بعد عام ونيف مساعداً لوزيرة الخارجية..!في السودان – قبل سنوات أيضاً – أعلنت وزارة الخارجية انتهاء فترة عمل السفير البريطاني بعد فترة عامين، وسبق ذلك قيامها باستدعاء السيد نيكولاس كاي بعد نشره في موقع شخصي على شبكة الإنترنت كلاماً – اعتبرته هي غير دقيق – على غرار “إن المسؤولين عن أمور السودان المالية يتحدون قواعد الجاذبية الأرضية”..!
بعد تأمُّلات في تفاصيل تلك الحكايات الدبلوماسية، يُمكننا أن نعتبر الموقف البريطاني من السفير السعودي تسلطاً غربياً، ويمكننا أن نرى في موقف الخارجية المصرية مع السفير الأمريكي تخاذلاً عربياً. ويمكننا بطبيعة الحال أن ندعم موقف خارجية بلادنا. ولكن، لعل تعاقب الفصول على تلك الحادثة الدبلوماسية – “بصيفها القائظ وشتائها القاسي وربيعها المستتر وخريفها الجاري على هذا السودان بعد سقوط حكومة الإنقاذ بفعل ثورة مجيدة” – قد أثبت أن الشعب السوداني كله قد بات يتحدى قواعد الجاذبية الأرضية بصموده الأسطوري في استمرار وجه الخذلان السياسي والإحباط الاقتصادي الذي رفع له سفير جلالة الملكة يوماً حاجب الدهشة العارمة متعجباً من مقدرات هذا الشعب الهائلة على التعايش مع القهر والفقر..!
هنالك طرفةٌ كانت رائجة في الثمانينيات تقول إن خواجة قدم إلى بلادنا بهدف دراسة أحوال معيشتنا، وعندما أدهشه عجز الميزانية الدائم الذي تكابده الأسرة السودانية، قرّر أن ينزل إلى الشارع ويجري استفتاءً بنفسه. وكان الرجل كلما سأل أحدهم “كيف تستطيع أن تتدبّر أمرك بدخل شهري لا يكفي لأساسيات معيشتك”، يجيبه – بتوكل المواطن السوداني المعهود – “الله كريم”. فعاد الخواجة إلى بلاده وحدث الناس هناك عن منظمة خيرية عظيمة في السودان اسمها “الله كريم”.
المصدر: الصيحة