أحمد غباشي : الفيتو الروسي.. أوروبا لا تذرف الدموع من أجل عيون السودان!!

المجموعة الأوروبية غاضبة من الفيتو الروسي في مجلس الأمن بخصوص مشروع القرار المختص بالحرب في السودان!!.. الإمارات غاضبة!!.. تقدُّم (قحت) غاضبة!!.. المليشيا غاضبة!!..ويكتسي الغضب بالثوب الإنساني!!.. غاضبون لأن الدب الروسي أفشل مشروع قرار “كان سيرفع الويلات عن ملايين السودانيين الذي يتم شيهّم كل يوم على مقلاة الحرب”!!.. أو هكذا يحاولون أن يصوِّروا الوضع للعالم!!.
إن علاج أي مشكلة يبدأ بالقراءة الصحيحة والتشخيص السليم!!.. يبدأ أولاً بتسمية الأشياء بمسمياتها.. فحين تصر المجموعة الأوروبية، التي دفعت بمشروع القرار، على الحديث عن “حرب تدور بين طرفين متنازعين يؤدي عراكها إلى إزهاق مئات الآلاف من الأرواح البرئية و نزوح الملايين” فإنها تتعمد تضليل الرأي العام العالمي، تتعمد تغبيش الصورة، رغم وضوحها!!.. ووضوح الصورة يكون بإعطاء كل أجزائها أوصافه الحقيقية التي تليق به.. فالحرب التي تدور في السودان تُزهق فيها آلاف الأرواح ويُشرد فيها ملايين الناس وتُنهب فيها الأموال و تُحتل فيها المنازل وتُغتصب فيها النساء، وتُدمّر فيها البُنى التحتية، و يعاني فيها الشعب ما يعاني من الجوع والمرض والعوز وفقدان الأمن، فضلاً عن الانتهاكات البشعة التي تقترف بحقه..هذه حقيقة يعرفها كل العالم.. ولكن هذه الحرب تدور بين دولة ذات جيش وطني شرعي مسنود بدعم شعبي ضد مليشيا إرهابية مكونة من مجموعة من العصابات الإجرامية التي هبطت على السودان من آفاق الأرض لتسلب و تنهب و تقتل و تغتصب، و تساندها مجموعة سياسية فاسدة لا يساوي وزنها الشعبي جناح بعوضة!!.
لا تحبّذ المجموعة الأوربية هذا التوصيف! ولا تريد أن تصنف المليشيا مجموعة إرهابية رغم الدلائل الدامغة على الانتهاكات الجسيمة التي اقترفتها في هذه الحرب، ورغم أنها مسؤولة بصورة مباشرة عن الشقاء الذي يعيشه الشعب السوداني، ذلك الشقاء الذي تذرف المجموعة الأوروبية الدموع باسمه وتستند إليه في مشروع قرارها فرض حظر السلاح على (طرفي) الحرب في السودان كما تسميهما!!.. لماذا؟! لأن هذا التوصيف يمنح الجيش الوطني حقه الكامل في بذل الوسع للقيام بواجبه في الدفاع عن مواطنيه، وإخماد التمرد، والقضاء مرتكبي جرائم الحرب والانتهاكات.. ويجعل الوضع السليم هو معاونة العالم لهذا الجيش الوطني في حربه ضد الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، بدلاً عن شل قدرته وتحجيمها بحظر استيراد السلاح عليه!!.. في حين يترك الدول التي أمدت تلك العصابات بالسلاح وتسببت في إطالة أمد الحرب، مطلقة اليد وبعيدة عن المساءلة وتحمُّل مسؤولية جرائرها!!..
ولماذا أيضاً ؟!.. لأن المجموعة الأوروبية غارقة إلى أذنيها في دعم المليشيا الإجرامية..فهي التي وفرت لها التمويل منذ بداية أمرها، عندما ظلت تتعامل معها على طريقة عوائل (المافيا) لمنع تدفقات المهاجرين غير الشرعيين إلى شواطئ أوروبا المطلة على البحر و المتوسط!!.. ومنذ ذلك الحين كانت أوروبا تغضُّ الطرف جرائم ترتكبها تلك المليشيا مثل “الاتجار بالبشر”، مادامت تؤدي ما يليها من الصفقة القذرة!!..
والمجموعة الأوروبية هي التي بنت مشروع نفوذها في السودان على سيطرة مجموعة اليساريين الجدد والـ “نيو ليبراليين” الفسقة، الذين تمثلهم (قحت) و(تقدم)، دعمتهم أيام تسلطهم بكل ما قدرت عليه، و كانت وراء خطاب حمدوك الذي جاء بالبعثة الأممية سيئة الذكر (يونيتاميس) التي كانت واحدة من الشياطين التي أوقدت نار الحرب في السودان!!..هذه المجموعة الأوروبية تطمح لإعادة إنتاج مشروعها في السودان من جديد بنفس الأدوات القديمة، وتعتبر انتصار حلف (الإمارات، تقدم، المليشيا) هو السبيل لذلك.. ولذلك الآن هي من تزوّد المليشيا بالسلاح، عبر صفقات الأسلحة مع الإمارات!!.. وقد ثبت هذا بالدليل في تقرير منظمة العفو الدولية (أمنستي) الذي كشف أن أنظمة الأسلحة الفرنسية موجودة في السودان وتنتهك الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على دارفور، وقالت “تظهر بحوثنا أن أنظمة أسلحة مصممة ومصنعة في فرنسا تستخدم في ساحة المعركة في بالسودان”!!.. وأن ناقلات الجند “نمر عجبان” التي تصنّعها المجموعة الوطنية الإماراتية “إيدج” يتم تجهيزها بنظام الحماية الذاتية “غاليكس” الذي تصممه شركتا (كا إن دي إس) و(لاكراو) الفرنسيتان، وفقاً لصور مركبات مدمرة نشرتها منظمة العفو الدولية!..
و بريطانيا هي التي قادت الجهود الدبلوماسية داخل مجلس الأمن، لحشد التأييد لمشروع القرار، بناء على طلب من مجموعة (تقدُّم)، ذلك الطلب المتكرر الذي يسعى في نهاية الأمر للدفع بقوات أممية إلى السودان..
إن نهاية الحرب في السودان، والقضاء على أسبابها، يكمن توجيه الاتهام للمجرم، وإيقاف مرتكب الانتهاكات عند حده، وقطع سبل الإمداد عنه، وذلك بالتزام أوروبا وأمريكا وغيرهما بعدم مد المليشيا بالسلاح، عبر وكالاء الحرب الإماراتيين!!.. لكن أن تشل قدرات الجيش السوداني على المواجهة، دون إدانة مرتكبي جرائم الحرب، ودون تحديد المتسببين في استمرار الحرب، فهذه مسألة لها ما وراءها!!..
و ما وراءها هو أن المنافستين لأوروبا وأمريكا على المصالح في السودان وفي كل إفريقيا، أعني روسيا والصين، قد ألقيتا بثقلهما في الساحة السودانية، وتقودان تحركات إقليمية واسعة، يمكن أن تؤدي إلى حسم الصراع في السودان على النحو الذي لا ترغب به أوروبا و أمريكا، ويأتي بنتائج تؤدي إلى نقض كل الغزل الذي ظل الأوروبيون يغزلونه في السودان، منذ أبريل 2019 وما قبلها وحتى الآن!!.

أحمد غباشي


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.