تداعيات الحرب السودانية

تداعيات الحرب السودانية
محمد أحمد الفيلابي

يعيش السودانيون تداعيات حرب عبثية طال أمدها، وتفاقمت أضرارها، وإن غطّت عليها في الآونة الأخيرة الحرب على قطاع غزة، وقبلها كوارث المغرب وليبيا. ويظل تأثير الحرب السودانية على البيئة من بين الملفات الأكثر تهميشاً، على الرغم من فداحة الأضرار.
تؤكد الدراسات أن الحروب والصراعات المسلحة مسؤولة عن 5.5 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة، لكن لن نستطيع الجزم بما حدث في السودان بدقة، إذ لم تتوقف الحرب بعد، كما لم تعد هناك قدرات مؤسسية للقياس والتقصّي، وحساب البصمة الكربونية للآليات التي استهلكت كميات هائلة من الوقود الأحفوري، وهو السبب الرئيس لانبعاثات غازات الدفيئة، إلى جانب تسرب مواد كيميائية إلى التربة والمياه الجوفية في مناطق زراعة الألغام.

تدهورت البنية التحتية المتهالكة أصلاً في السودان، ودمرت شبكات الكهرباء المتردّية، ما جعل السكان يفضلون البقاء في بيوتهم على النزوح رغم أنهم يعيشون في ظلام دامس، ومن دون خدمات، كما تعطلّت المنشآت الصحية بسبب القصف، أو احتلال الأطراف المتصارعة لها، وتحويلها إلى مناطق عسكرية، وجرى تلويث متعمّد لبعض مصادر المياه، كما رصد رمي جثث في الآبار المنزلية، الأمر الذي يعرض المياه الجوفية لتلوث كبير، ويتسبب في انتشار الأوبئة.
وعطّلت الحرب الجهود المرتبطة ببرامج تغير المناخ، مثل ما أعاقت القدرة على تطوير مشاريع الحفاظ على البيئة في وقت تشتد فيه عواقب التغيّر المناخي، واستُهدفت الطرق والجسور، والمؤسسات والبنوك، والسيارات والشاحنات، ولم تنج محطات الوقود، ومحطات الكهرباء، ومنها ما جرى تدميره عمداً لإلحاق الضرر بالطرف الآخر في الصراع.

ومؤخراً، اشتعلت النار في إحدى مصافي النفط الكبيرة شمالي العاصمة الخرطوم، وتبادل طرفا الصراع الاتهامات، كما تسببت الحرائق والقصف الجوي في إلحاق ضرر مباشر بالحياة البرية والتنوع البيولوجي، ولا يمكن تجاهل ما جرى في متحف التاريخ الطبيعي بجامعة الخرطوم، وما حدث لحدائق الحيوان، ونفوق أعداد كبيرة من الطيور والحيوانات الأليفة في المزارع والمنازل والحدائق العامة.
وبرزت أزمات توفير الغذاء حتى في المناطق البعيدة من الصراع، بسبب تدمير الأراضي والبنية التحتية الزراعية، وزادت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن تعطل العمل، كما ارتفعت أسعار السلع، وتفاقم التضخم ليضيق الحال بالنازحين، والمجتمعات المستقبلة لهم، إضافة إلى زيادة معدلات الوفيات والإصابات وحالات الإعاقة، مثل ما ظهرت أوبئة وأمراض ذات علاقة بتدهور الأنظمة البيئية. فهل من جهود لوقف الحروب؟

(متخصص في شؤون البيئة)

العربي الجديد


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.