نزوح وفوضى.. أوضاع ود مدني بعد سيطرة الدعم السريع

أعاد مشهد دخول قوات الدعم السريع إلى مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة السودانية، مشهد حرب 15 أبريل/نيسان الماضي إلى ذهن مريم عليّ التي نزحت إليها من أهوال معارك الخرطوم، ليعيد التاريخ نفسه بالصورة ذاتها.

وتقول مريم “عندما رأيت أول عربة عسكرية للدعم السريع تصل إلى صينية (مدخل) السوق المركزي، شعرت بالخيبة، والانكسار والرعب، وقرب انتهاء الحياة”.

وأوضحت النازحة أنه قبيل دخول قوات الدعم إلى المدينة واندلاع الاشتباكات شرقها يوم 15 ديسمبر/كانون الأول الجاري، تصاعدت أعمدة الدخان وازدحمت الطرقات بالمواطنين الذين حزموا أمتعتهم، وظهر الانفلات الأمني وتفاقمت الأوضاع في اليوم التالي وتزايدت أعداد الفارين من المدينة.

ما زالت مريم موجودة في حي المنيرة بود مدني لأن أسرتها ممتدة وتتكون من 22 شخصا، وتقول “ومع ارتفاع أسعار الإيجار في الولايات، قررنا الترتيب وضمان وجود منزل، وعندما تهيأت الأوضاع أُغلق الطريق”.

وتعيش مريم وعائلتها في خوف خشية وقوع اعتداءات أو عنف جنسي من قوات الدعم وتؤكد “نرتدي عددا من الملابس والأغطية، نحاول أن نحمي أنفسنا”.

“مدينة أشباح”
“لا أحد يتجول في المدينة، تمت استباحة كل شيء فيها، سُرقت المتاجر، والمخازن، والمنازل وباتت مثل مدينة الأشباح”، هكذا يصف شهود عيان -للجزيرة نت- ما آلت إليه الأوضاع في ود مدني بعد أن كانت نابضة بالحياة.

ونفى شهود عيان من المدينة -للجزيرة نت- وجود قوات للجيش فيها أو وقوع اشتباكات.

وقال مواطن في أحد أحيائها -فضل حجب اسمه- إن أسواق ود مدني مغلقة باستثناء اثنين في أطرافها مع تذبذب خدمات الاتصال والكهرباء التي شهدت انقطاعا دام حوالي 5 أيام في عدد من قرى ولاية الجزيرة، مشيرا إلى نهب السيارات ومعاناة الحصول على الأدوية جراء سرقة المستشفيات والصيدليات.

وأضاف أن قوات الدعم لديها قائمة بأسماء من وصفوهم بالمنتمين للنظام السابق، وأنه يتم أحيانا نهب أموال المواطنين وهواتفهم.

ووصفت الشابة “د.ح” الوضع في المدينة بالعادي، و”لا أصوات رصاص باستثناء إطلاق عشوائي في الأيام الماضية كإرهاب للمواطنين”.

وقالت إن هذه القوات نهبت المخازن والمحالّ التجارية وشحنتها في شاحنات للخرطوم، وإنها أغلقت الطريق إلى ولاية سنار وأرغمت عددا من المدنيين على العودة بينما سلك آخرون الطريق الترابي للخروج من المدينة.

وتشهد ود مدني وبعض قرى ولاية الجزيرة إغلاق المرافق الحيوية مع استمرار معاناة النازحين والمُهجّرين قسريا بسبب شح الغذاء والدواء.

ومع انعدام وسائل النقل وشح الوقود وسرقة السيارات، تضاعفت تكلفة خروج المواطنين في وقت قطع فيه آخرون مئات الكيلومترات سيرا على الأقدام، وفق تأكيد شهود عيان من ود مدني للجزيرة نت.

وقال رب أسرة أحد مرضى السرطان -جاء من أم درمان لعلاج ابنه- إن قوات الدعم السريع طلبت منهم إخلاء مقر استراحة مرضى أطفال السرطان واتهمتهم بالانتماء للاستخبارات العسكرية.

وأضاف”خرجت بمعية 5 أشخاص متوجهين إلى ولاية سنار سيرا على الأقدام، قطعنا حوالي 100 كيلومتر واستغرقنا يومين للوصول إليها”، وأكد أن وضعه المادي لا يسمح بتغطية تكاليف السفر.

أوضاع مأساوية
ومع تفاقم معاناة المدنيين في ولاية الجزيرة، تصف لجان مقاومة الحصاحيصا -ثاني أكبر مدينة بالولاية تسيطر عليها قوات الدعم- الوضع بالمأساوي وتقول إن الولاية تشهد حالة من السيولة الأمنية والنهب وتهديد قوات الدعم بالاغتصاب ونهب الأسواق والمستشفيات.

وأضافت اللجان ان الانتهاكات لم تتوقف منذ دخول قوات الدعم المنطقة في ظل غياب الجيش والشرطة، كما تهدد المجاعة مواطن ولاية الجزيرة خاصة مع فشل العروة الشتوية للموسم الزراعي.

وأشارت إلى أن قوات الدعم تعهدت بحسم “انفلات” أفرادها لكنهم يفقدون السيطرة عليهم ولا توجد رقابة، وانعدمت وسائل الحركة ويلجأ الناس للتنقل عبر الدواب.

ووردت تقارير تفيد بوقوع عدد من حالات العنف الجنسي في ود مدني، وتعيش عدد من أسر المنتمين للأجهزة النظامية حالة من الذعر خشية “التصفية حيث تستهدفهم قوات الدعم وأخفوا أنفسهم للحيلولة دون الوصول إليهم”.

ورصدت حالة تنقل عدد من مواطني قرى جنوب الجزيرة عقب دخول الدعم السريع وغادر بعضهم إلى ولايات سنار، وبورتسودان، والقضارف والخرطوم، وتوجه آخرون إلى قرى توصف بالنائية، لكن قوات الدعم وصلت إلى بعضها ونهبت السيارات التي خبأها أصحابها.

وقال الصحفي عزمي عبد الرازق إن معظم سكان مدينة ود مدني قرروا البقاء فيها، وإنه تم نهب ممتلكاتهم تحت تهديد السلاح، ووقعت إصابات هائلة في صفوف المدنيين، وحالات اغتصاب للنساء.

وأضاف، “لا توجد وسيلة لنقل المرضى والأطفال والنساء إلى مناطق آمنة، كل ولاية الجزيرة تمت استباحتها، وتعذر الخروج على آلاف المواطنين وسط حالة من الفوضى والرعب والحصار، وتحولت المدينة إلى سجن كبير”.

وتابع عزمي “تم منع أُسر كثيرة قررت المغادرة مشيا، عنوة من قبل مليشيا الدعم السريع، وجعلت منهم دروعا بشرية، وفُتحت معسكرات تدريب وأُجبر الشباب على حمل السلاح، وتوجد جثث مدنيين في الشوارع وداخل البيوت لم يتم دفنها بعد”.

“انتهاكات غير مقبولة”
بالمقابل، وصف عزت الماهري المستشار السياسي لقائد الدعم السريع وقوع الانتهاكات بغير المقبول ولا يمكن التسامح معه.

وقال الماهري “إذا كانت هنالك مجموعات منفلتة تتبع الدعم السريع لا بد من لجمها ولو باستخدام القوة، ممتلكات وحياة المواطنين أهم، وإذا كانت هنالك عناصر من استخبارات الجيش أو النظام البائد تريد خلق حالة هلع في الجزيرة، يجب مواجهتها”.

وتابع “الجزيرة منطقة واسعة لا بد من تعاون بين المجتمع المحلي وقوات الدعم لمواجهة حالة الانفلات والنهب، توجيهات قيادة الدعم واضحة في هذا الصدد”.

من جهتها، أفادت وزارة الصحة الاتحادية بأن دخول “مليشيات الدعم السريع” أدى إلى خروج مراكز الكلى بالجزيرة عن العمل ما يهدد حياة ألفي مريض كلى كانوا يتلقون الخدمة من خلال 19 مركزا، تعمل منها الآن 9 فقط.

وقال المتحدث باسم اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان سيد محمد عبد اللّه، “بعد هجوم هذه القوات، أصبحت مستشفيات ود مدني خارج الخدمة”.

وأضاف أن أكثر من 90% من الخدمات الطبية كانت تُقدم في مستشفيات ود مدني وأنه تم “اغتيال بعض الكوادر الطبية واعتقال آخرين واختفاء بعضهم”. وناشد المنظمات المحلية والإقليمية بالتدخل لإنقاذ الوضع الصحي خاصة مع انتشار الأوبئة.

وقالت مفوضية اللاجئين الأممية في السودان إن النزاع في ولاية الجزيرة أجبر مئات الآلاف من الأشخاص على الفرار، ولجأ أكثر من 7 آلاف منهم إلى ولاية القضارف.

ووفق المنظمة الدولية للهجرة، فر ما بين 250 ألفا إلى 300 ألف شخص من مدينة ود مدني والمناطق المحيطة بها منذ بدء الاشتباكات.

الجزيرة نت


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.