انتعاش مصانع الغش في العراق رغم تشديد الملاحقات الأمنية
وسّعت السلطات الأمنية في العراق عمليات ملاحقة مصانع الغش التجاري في البلاد التي زاد نشاطها بشكل واسع خلال السنوات الأخيرة، في العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى، التي تتعمد “تزييف” الماركات العالمية للمواد المصنعة محلياً بمواصفات رديئة، وطرحها في السوق، وسط صعوبات تواجه عناصر الأمن لإنهاء تلك الظاهرة.
وخلال الآونة الأخيرة، نشطت في العراق حركة الغش التجاري، وأنشئت الكثير من المصانع المحلية الصغيرة داخل المنازل، على الرغم من منع القانون إنشاءها في المناطق السكنية لما لها من تأثيرات سلبية على الأهالي. وقد أتقن الكثير من أصحاب تلك المصانع تقليد الماركات العالمية، ليطرح منتجاته على أنها بضائع مستوردة من شركات عالمية.
اتساع مصانع الغش
لم تنحصر عمليات الغش بمنتجات معينة دون غيرها، إذ تطورت وأخذت بالاتساع شيئا فشيئا لتشمل مواد إنشائية وكهربائية وبلاستيكية، فضلا عن المواد الغذائية ومواد التجميل وغيرها، لتصبح المواد المقلدة هي الرائجة في السوق المحلية، حتى اختلطت على المستهلك، إذ لا يفرق بينها وبين المنتج الأصلي إلا من له خبرة بذلك، وقد انتفع أصحاب تلك المصانع من ضعف الإجراءات الأمنية في ملاحقتهم في تلك السنوات.
ومؤخرا، أعلن جهاز أمني في البلاد، ضبط أحد أكبر مصانع الغش في محافظة البصرة جنوبي العراق، وقال جهاز الأمن الوطني، في بيان، إنه “بعد ورود معلومات استخبارية عن وجود أحد المصانع بمنطقة الزبير في البصرة يقوم بإنتاج زيوت المحركات المغشوشة بكميات تصل إلى آلاف اللترات وبماركات تسويقية عالمية مشهورة، قامت مفارز الأمن الاقتصادي بجهازنا وبعد استحصال الموافقات القضائية بمداهمة موقع المعمل”.
وأكد، أنه “تم إلقاء القبض على 5 متهمين من جنسيات أجنبية يعملون في المصنع، كما تم غلقه أصوليا وإحالة المتهمين إلى الجهات المعنية”.
إغلاق عشرات مصانع الغش
من جهته، قال المقدم في وزارة الداخلية العراقية، علي اللامي، إن “القوات الأمنية تتتبع مصانع الغش التجاري في عموم البلاد بحسب التوجيهات العليا، وقد تم بالفعل إغلاق عشرات المصانع في العام الجاري، معظمها في بغداد”، مبينا لـ”العربي الجديد”، أن “تلك المصانع استطاع أصحابها أن يؤسسوها داخل المناطق السكنية من دون الحصول على رخص للعمل، وهم بذلك يتهربون أيضا من الضرائب، فضلا عن كونهم يعتمدون الغش التجاري”.
وأكد، أن “الحصة الكبيرة لتلك المصانع التي أغلقت توجد في بغداد، فضلا عن المحافظات الأخرى الجنوبية تحديدا، منها ميسان وذي قار والبصرة والديوانية وغيرها”، مبينا أن “أصحاب تلك المصانع يحالون إلى القضاء وتتخذ بحقهم إجراءات قانونية وعقوبات وغرامات، ويوقعون تعهدات على عدم إعادة إنشاء تلك المصانع إلا برخص رسمية”.
وأشار اللامي إلى أنه “أيضا من مصانع الغش التجاري مصانع رسمية (مرخصة رسميا)، إلا أنها تتعاون مع جهات تطبع لها الماركات العالمية لتضعها على منتجاتها، وقد تم أيضا القبض على عدد من هؤلاء وأغلقت مصانعهم”، مبينا أن “الصعوبات التي نواجهها تكمن في ارتباطات بعض أصحاب تلك المصانع، إذ إن الكثيرين منهم مرتبطون بجهات سياسية وحزبية وجماعات مسلحة، ولا يتعاونون مع الأجهزة الأمنية ويتمردون على تطبيق القانون، وهو ما يتطلب من الحكومة دعم لأجهزة الأمنية بتطبيق القانون على هؤلاء”.
مهارات في التقليد
من جهته، أكد عضو غرفة تجارة بغداد، زيد الطائي، أن انتشار تلك المصانع في البلاد طغى على المنتجات الأصلية بحيث يصعب على المواطن الحصول على منتج غير مغشوش، مبينا لـ”العربي الجديد”، أنه “بعد انتشار تلك المصانع أصبح عمر أي منتج يدخل البلاد من شركات رصينة لا يتجاوز العام الواحد فقط وبعدها يختلط بالمنتجات المقلدة له، إذ إن عراقيين ينشئون مصانع تقلد المنتج الأصلي ويضعون عليه الماركة العالمية، وتكون هناك عدة مصانع تقلد المنتج الواحد، لذا فهو يختلط على الجميع”.
وأشار إلى أن “البعض من تلك المصانع عبارة عن مطابع للماركات العالمية تتقن تقليدها، وأن أصحابها يستوردون بضاعة رديئة من الصين لا تختلف في الشكل عن البضاعة الأصلية، ويثبتون عليها الماركات العالمية ويطرحونها في السوق، وأن المواطنين يعلمون ذلك، إلا أن التمييز بين المنتج الأصلي والتقليد بات شبه مستحيل إلا على أصحاب الخبرة”.
وأوضح أن “مهارة الغش والتقليد انتشرت بشكل واسع في السنوات السابقة”، معربا عن أمله بأن “تسفر حملات الملاحقة الأمنية عن تضييق الخناق على تلك المصانع والحد من انتشارها”.
مخاطر صحية على المستهلك
من جهته، حذر المختص في الكيمياء الصناعية، وليد العزي، من مخاطر كبيرة يتعرض لها المواطنون جراء استهلاك تلك المنتجات خاصة الغذائية. وقال لـ”العربي الجديد”، إن “المواد الغذائية المغشوشة في تلك المصانع تشكل خطرا صحيا على المواطنين، خاصة في ما يتعلق بتزييف تاريخ انتهاء الصلاحية”، مبينا أن “بعض المصانع تنتج مواد محلية غذائية ومستحضرات تجميل رديئة جدا وبماركات عالمية مع تلاعب بفترة الصلاحية، وهو ما يشكل خطرا صحيا على المستهلك”.
وشدد، على “ضرورة الحد من تلك المصانع وانتشارها لما لها من أخطار صحية ومالية على المواطنين”، مؤكدا على ضرورة استمرار الحملات الأمنية لتخليص المواطن من الضرر المترتب عليه جراء استهلاك تلك المنتجات المغشوشة”.
العربي الجديد