الدعم السريع والوثبة “التشادية”

لا شك أن مقتل أحد أهم قادة مليشيا الدعم السريع “اللواء علي يعقوب” يعد نصراً أمنياً _ سياسياً _ استخباراتياً يضاف لرصيد القوات المسلحة السودانية.
فمن الناحية الأمنية: أيقنت الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في الساحة السودانية أنّ الجيش السوداني وإن لم يحقق نصراً كاملاً ولكنه أثبت على الأقل صموده وجدارته، فرغم الاستنزاف الكارثي التي يتعرض له منذ سنه ونيف، إلاّ أنه ما زال يمتلك ما يُمكِّنه من المواجهة والتدارك، قياساً بجيوش دول الجوار الإقليمي للسودان في حال تعرضهم لذات الكارثة، وهذا ما سيفرض على تلك الأطراف الإقليمية والدولية إعادة حساباتها الأمنية في السودان، فالجيش السوداني ورغم ما تعرّض له من إخفاقاتٍ في بعض المحطات ولكن ثبت بأن إرادته أكبر من أن تسقط، سواء كان ذلك بتحالفات خارجية “إيران وروسيا”، أو نجاحه في خلق حالة الاستنفار الشعبي التي باتت اليوم هي الرديف المحوري لأشرس العمليات العسكرية بقيادة الجيش السوداني.

بات الاستنفار الشعبي والدعم الإقليمي للجيش السوداني يرتكز على حقيقة واحدة وهي أنّ المؤسسة العسكرية في أيّة دولة هي مؤسسة ولدت مع الدولة التي لا وجود لكيانها بدون تلك المؤسسة، وبالتالي يمكن إصلاحها في حال فسادها، فالمتحكم بها هم بشر وليسوا ملائكة حتى لا يخطئون، فهم قابلون للإصلاح كقابليتهم للجزاء والعقاب، وبالتالي لا بد من مُـواجهة هذا التكالب والإصرار الذي تجاوز العُرف والأخلاق والدين الساعي إلى تدمير الجيش السوداني وتجريفه واقتلاع جذوره.

استخباراتياً: نجح الجيش السوداني في تكريس مفهوم الانشقاق المعنوي بين فرق ومنتسبي مليشيا الدعم السريع، بدليل ظهور مجموعة من منتسبي المليشيا يؤكدون أن هناك من صفوف الدعم السربع من ساهم في تسهيل عملية استهداف “اللواء يعقوب” وتسليمه للجيش، وهذا مؤشر خطير وله ما بعده، وسيؤدي بكل تأكيد إلى بروز ظاهرتين تدركها كافة التنظيمات سياسية كانت أو عسكرية:

الأولى: فرار جزء من منتسبي المليشيا من الخدمة، وهؤلاء إما أن يعلنوا انضمامهم للجيش السوداني، وإما أن يغادروا ساحة القتال ويعودوا لصفوف المواطنين المدنيين.
الثانية: بروز فكرة استبدال بعض القائمين على الفرق الأمنية للمليشيا وإن لزم الأمر إلى تصفيتهم، وهذا ما سنشهده في الوقت القادم. (وهو الأكثر ترجيحاً).

سياسياً: تراقب إنجمينا عن كثب، تطورات الساحة السودانية وما ستؤول إليه الأمور خاصة بعد مقتل “اللواء علي يعقوب”، وتسريب وثائق أمنيه خاصة أبرزت حجم الانشقاق والتخاذل الذي أحاط بفرق المليشيا بعد إطلاق “اللواء يعقوب” نداء رجاء واستغاثة تبين بعد ذلك أن صداه لم يتعدَ حدود حواس اللواء الخمس، في إشارة واضحة على وجود قصور وارتباك وضعف بات يطال مستوى تأمين قادة المليشيا.

كل الذي نتمناه ونترقبه الآن هو اللحظة التي سيبدأ فيها الرئيس “محمد كاكا” تنفيذ وثبة الإقدام “المؤجلة” للحفاظ على خط رجعة مع الخرطوم قبل فوات الأوان، فخبر مقتل “اللواء علي يعقوب” أثلج صدر الرئيس محمد ديبي تماماً مثلما أثلج صدور قوم مؤمنين، وهذه حقيقة قالها ويقولها ديبي الابن وإن لم ينطق بها، فإذا كان هناك توافق مشترك بين الرئيس “محمد ديبي” والشعب التشادي فهو توافقهم الكامل على خطورة مليشيا الدعم السريع على مستقبل الدولة التشادية والجوار الإقليمي لها وضرورة اجتثاثها والقضاء عليها، ولكنها التقاطعات التي فرضت واقعاً مختلفاً لا تريده تشاد ولا يريده رئيسها ولا يريده شعبها.

في ظل التقارب السوداني الروسي، وقناعة الخرطوم بتطوير رؤيتها لمفهوم الأمن الإقليمي والتوجه غرباً لدول الساحل الأفريقي مؤخراً والذي لاقى ترحيباً تشهد له الأوساط الشعبية في تلك الدول، أرى أن ذلك سيساهم قريباً في إعادة فتح ملف الطلب التشادي للقاء القيادة السودانية (وهي بلا شك فرصة الخرطوم الذهبية لتولي الدفة).

*باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
د. أمينة العريمي


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.