الإمارات في أفريقيا

وقعت مصر، الأسبوع الماضي، عقد منح التزام بناء وتطوير وإدارة وتشغيل وتسويق وصيانة وإعادة تسليم البنية الفوقية لمحطات السفن السياحية في موانئ سفاجا والغردقة وشرم الشيخ، مع مجموعة أبوظبي القادمة من الإمارات العربية المتحدة. ووقعت أيضاً عقدي منح التزام لمدة 30 عاماً لمجموعة موانئ أبوظبي، لتمويل وتصميم وبناء وتطوير وإدارة وتشغيل واستغلال وصيانة البنية الفوقية لمحطات بميناء السخنة بالمنطقة الاقتصادية للقناة.

أيضاً استحوذت مجموعة موانئ أبوظبي التابعة لصندوق أبوظبي السيادي، العام الماضي على “ترانسمار” و”ترانسكارغو” المصريتين، والأولى هي خط حاويات، والثانية شركة شحن وتفريغ تعمل في ميناء الأدبية، وهي مشغل الحاويات الحصري فيه.

وتوسعت الإمارات في مصر بصورة غير مسبوقة على مدار العقد الأخير، وأصبحت مساهمة في خمسة من أهم البنوك العاملة في السوق المصرية، واستحوذت على مؤسسات مالية أخرى، واقتحمت سوق العقارات والصحة، واستحوذت على فنادق، ولم يكن مشروع “رأس الحكمة”، المعروف في الصحافة الغربية بـ”مشروع إنقاذ مصر”، إلا واحدة من حلقات التمدد الإماراتي الاقتصادي في أرض المحروسة.

وقبل أسبوعين تقريباً، نشرت صحيفة فايننشال تايمز تقريراً موسعاً عن “النفوذ الإماراتي المتنامي في أفريقيا”، أشارت فيه إلى تحول الدولة الغنية بالنفط إلى مصدر متزايد الأهمية للاستثمار الأجنبي بعد تخفيض الصين لحجم القروض الممنوحة لأفريقيا. وقالت الصحيفة إنه في عامي 2022 و2023، تعهدت الإمارات بضخ استثمارات أفريقية جديدة بقيمة 97 مليار دولار في مجالات الطاقة المتجددة والموانئ والتعدين والعقارات والاتصالات والزراعة والتصنيع، أي ثلاثة أضعاف ما تعهدت به الصين، وفقاً لشركة fDi Markets، وهي شركة تتعقب الاستثمارات في أفريقيا.

وقال مسؤول إماراتي للصحيفة إن إجمالي استثماراتها في أفريقيا يصل إلى 110 مليارات دولار. وقالت الصحيفة إن “جدار المال” الذي بنته الإمارات في أفريقيا سمح لها بالمساعدة في بعض الحالات في “تشكيل الحظوظ السياسية” لبعض القادة الأفارقة، ضاربة المثل بدعم الحكومة في إثيوبيا، وحميدتي في السودان، وحفتر في ليبيا، إلا أنها تجاهلت دورها في إسقاط أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر.

وفي حين أن نفوذ أبو ظبي قد زاد في السنوات الأخيرة، فإن دبي، كانت منذ فترة طويلة مركزاً مالياً مهماً في المنطقة. واتخذت الآلاف من الشركات الأفريقية من دبي نقطة انطلاق للتجارة مع العالم، حيث لعبت الإمارة الصغيرة أوراقها بشكل جيد، لتكون البوابة إلى أفريقيا”. وتزايد عدد الشركات الأفريقية المسجلة في دبي بشكل كبير خلال العقد الماضي، ليصل إلى 26420 شركة بحلول عام 2022، بحسب غرفة تجارة دبي.

ويقول ريكاردو سواريس دي أوليفيرا، أستاذ السياسة الدولية في جامعة أكسفورد الذي درس الروابط بين أفريقيا والإمارات، إن “دبي هي نيويورك بالنسبة للأفارقة الآن”.
ويقول خبراء إن العديد من الشركات الأفريقية المسجلة في دبي التي يزيد عددها عن 26 ألف شركة هي “شركات صناديق البريد”، تسمح للأفارقة بتهريب الدولارات من الاقتصادات الأفريقية، “فأنت تدفع للموردين في دبي ولا تعود الأموال أبداً”.

ويجد الأفارقة الأثرياء، وخاصة الساسة، ملاذاً آمناً في دبي حيث يمكنهم شراء العقارات والاستمتاع بأسلوب حياة عالمي المستوى. ومن بين سكان دبي البارزين حالياً إيزابيل دوس سانتوس، الابنة المليارديرة لرئيس أنغولا السابق، التي انتقلت إلى المدينة في عام 2020 بعد أيام من قيام الحكومة الأنغولية الجديدة بتجميد أصولها.

تهريب الذهب الأفريقي بعشرات مليارات الدولارات إلى الإمارات سنوياً
وعلى مدار العقد الماضي، قامت “مصدر”، المستثمر في مجال الطاقة المتجددة في أبوظبي، ببناء البنية التحتية، بما في ذلك خمس مزارع للرياح في جنوب أفريقيا، ونظام لتخزين طاقة البطاريات في السنغال، ومنشآت للطاقة الشمسية في موريتانيا. وتقود “مصدر” خطط الإمارات لاستثمار 10 مليارات دولار لزيادة قدرة توليد الكهرباء في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا بمقدار 10 جيغاواط.

وتستثمر الشركات الإماراتية أيضاً في الوقود الأحفوري. وفي مايو/أيار، اشترت شركة بترول أبوظبي الوطنية حصة 10% في حوض روفوما للغاز في موزمبيق، بعدما استحوذت عليها من شركة الطاقة البرتغالية جالب مقابل نحو 650 مليون دولار. وفي مجال العقارات، أعلنت شركة دبي للاستثمار، وهي مجموعة مدرجة وأكبر مساهميها هو صندوق الثروة السيادية في دبي، هذا العام أنها ستبدأ العمل على تطوير عقاري بمساحة 2000 هكتار في أنغولا. وتعمل شركة الاتصالات التي يقع مقرها في أبو ظبي، والتي كانت تُعرف سابقًا باسم اتصالات، والآن &e، في 12 دولة في أفريقيا.

وبدأت الشركات الإماراتية أيضاً في تحقيق نجاح كبير في مجال التعدين، حيث دفعت شركة إنترناشونال ريسورسيز القابضة، وهي وحدة تابعة لمجموعة أبوظبي البالغة قيمتها 240 مليار دولار والتي يرأسها مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، العام الماضي 1.1 مليار دولار مقابل حصة أغلبية في موباني، وهو منجم للنحاس الزامبي، وأعربت الشركة أيضًا عن اهتمامها بالاستثمار في المناجم في أنغولا وكينيا وتنزانيا.

وفي العام الماضي، حصلت شركة بريميرا، وهي شركة لتجارة الذهب مقرها أبوظبي، على احتكار لمدة 25 عاماً من قبل حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية لجميع إمدادات الذهب “الحرفية” صغيرة النطاق في البلاد. ويمر الكثير من الذهب الأفريقي، سواء القانوني أو المهرب، عبر دبي، وفقاً لخبراء ومسؤولين حكوميين أفارقة.

وفي تنزانيا، اتهمت جماعات حقوق الإنسان السلطات بإجبار الآلاف من الماساي بالعنف على ترك أراضيهم لإفساح المجال أمام مشروع رحلات السفاري والصيد المرتبط بشركة إماراتية. واتُهم نشطاء شركة بلو كاربون، وهي أداة استثمارية خاصة مقرها دبي، بالسعي للاستيلاء على ملايين الهكتارات من الغابات الأفريقية في ما يعتبرونه عملية غسل أخضر بعد توقيع اتفاقيات أولية في ليبيريا وتنزانيا وكينيا وزامبيا وزيمبابوي تهدف إلى توليد الطاقة.

للإمارات الحق بالتأكيد في التخطيط لتعظيم مصالحها، وكل ما نتمناه أن يكون المسؤولون في مصر مدركين لما يسعون إليه ويحتفلون به.

العربي الجديد


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.