11 حالة طلاق كل ساعة..”الرباط المقدس” أصبح واهيا… الحرب وأزواج السودان
الفارون من ويلات الصراع المسلح الذين كتبت لهم النجاة من الموت بالرصاص الطائش والقذائف كانوا على موعد مع فصول جديدة من مآسي الحياة نتيجة عدم استقرار الأسر وتفرقها وتشردها، مما أدى إلى ظهور مشكلات اجتماعية معقدة أبرزها ارتفاع معدلات الطلاق بصورة مقلقة.
مع دخول الحرب في السودان شهرها الـ16 تجاوزت أرقام النزوح واللجوء كل توقعات المنظمات ووكالات الأمم المتحدة، إذ نزح أكثر من 10 ملايين سوداني، أي 20 في المئة من السكان بحثاً عن ملجأ آمن في ولايات البلاد المختلفة، وكذلك دول الجوار الأفريقي.
الفارون من ويلات الصراع المسلح الذين كتبت لهم النجاة من الموت بالرصاص الطائش والقذائف، كانوا على موعد مع فصول جديدة من مآسي الحياة نتيجة عدم استقرار الأسر وتفرقها وتشردها، مما أدى إلى ظهور مشكلات اجتماعية معقدة أبرزها ارتفاع معدلات الطلاق بصورة مقلقة بسبب الضغوط النفسية والاجتماعية التي تفرضها الحرب، فضلاً عن ازدحام المنازل بالعائلات في المدن الآمنة، وكذلك عدم توفر حياة كريمة في ظل توقف أعداد كبيرة من الأزواج عن العمل، مما أدى إلى تصاعد الخلافات وتزايد أرقام الانفصال.
إحصاءات صادمة
وبحسب منظمة “لبنة” للتنمية ودراسات المجتمع فإن حالات الطلاق في السودان خلال عام 2023 وصلت إلى 96 ألفاً، مرتفعة عن الأعوام الماضية بنسبة 36 في المئة، إذ تحدث 11 حالة طلاق كل ساعة وأكثر من 8 آلاف خلال الشهر.
منذ أبريل (نيسان) 2023 اندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، وشهدت البلاد انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، وتفاقمت الأوضاع الإنسانية والمعيشية، واشتدت حدة الفقر والبطالة، وتوقفت الأعمال اليومية وعمليات صرف رواتب العاملين بالقطاعين العام والخاص لأكثر من عام ونصف العام، وبات شبح الجوع يحاصر السكان يوماً بعد آخر.
تداعيات الحرب
سلمي الطاهر التي تقطن مدينة كسلا شرق الخرطوم قالت إنها “نزحت مع زوجها وأطفالها الثلاثة من العاصمة بعد تصاعد وتيرة المعارك، وانتقلت للإقامة مع أسرة الزوج، ونتيجة الضغوط النفسية حدثت خلافات بين أفراد العائلة ولم يتمكن زوجها من حلحلة المشكلات، ورفض الانتقال إلى منزل آخر بحجة توقفه عن العمل وعدم مقدرته على تحمل أعباء جديدة، وبعد مرور أشهر بات الوضع لا يحتمل، ووصلنا إلى طريق مسدود انتهى بالانفصال”.
وأضافت أنها “تعيش تجربة مريرة بعد طلاقها وتعجز عن الوفاء بالتزامات الأطفال، فضلاً عن المعاناة النفسية للصغار نتيجة فقدان والدهم والضرر المعنوي والمادي الذي تتحمله وحدها بسبب ظروف الحرب وفشل أسرتها في مساعدتها نظراً إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة ونفاد المدخرات المالية”.
وأوضحت الطاهر أن “هناك مشكلات عدة أدت إلى انهيار عدد كبير من الأسر، منها ظروف النزوح وازدحام المنازل بالعائلات وتوقف أعمال الأزواج لفترة طويلة”.
خلافات أسرية
لم تتوقع منيرة سعد الله نهاية قصة حب دامت سبع سنوات بالطلاق، بخاصة بعد الاستقرار النفسي والاجتماعي لأسرتها طوال تلك الفترة، لكن بعد اندلاع الحرب انتقلت العائلة إلى القاهرة بحثاً عن الأمان، ومع مرور الوقت تصاعدت حدة الخلافات بين الزوجة وأفراد العائلة الكبيرة.
تقول سعد الله، “فقد زوجي عمله وبات لا يتحمل النقاش على رغم التعامل القاسي من والدته وشقيقاته معي، وبعد ستة أشهر غادر إلى السودان، ولم يعد يتكفل بالنفقات، مما اضطرني إلى طلب الطلاق لأنه كان الخيار المثالي بالنسبة إليَّ”.
وأشارت إلى أن “تداعيات الحرب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية أسهمت في زيادة المشاحنات والمشاجرات بين الأزواج، علاوة على تدخل الأهل والأقارب في الخلافات، وهو ما يجعل من استمرار العلاقة بينهما أمراً مستحيلاً”.
تردي الأوضاع
اعتبرت المتخصصة في الشأن الاجتماعي شيراز محمد وهبي أن “الصراع المسلح في السودان أدى إلى نزوح آلاف المواطنين إلى جانب تردي الأوضاع الاقتصادية وتعمق الخلافات الأسرية نتيجة السكن الجماعي وعدم وجود الخصوصية في ظل التطلع إلى حياة عنوانها الاستقرار والبعد من المشكلات العائلية”.
ولفتت وهبي إلى أن “نسبة كبيرة من حالات الطلاق خلال فترة الحرب تتسبب فيها التدخلات الأسرية، خصوصاً عندما تعيش الزوجة مع أسرة زوجها مما يحدث احتكاكاً متواصلاً يجعلها تطالب بالعيش بعيداً من أهل زوجها، بيد أن إمكانات الزوج لا تسمح بتوفير سكن منفصل نظراً لارتفاع أسعار الإيجارات لمعدلات قياسية، فضلاً عن توقف الأعمال اليومية وعدم صرف الرواتب لأكثر من 16 شهراً”.
وتتابع “المشكلة أن كثيراً من الزوجات لا يقدرن ظروف الحرب الحالية والأوضاع الإنسانية الصعبة ويتطلعن إلى أحلام وردية لن تتحقق في ظل الواقع الحالي، لا سيما بعدما فقد الغالبية وظائفهم وأعمالهم في الأسواق وباتوا أكثر الفئات تضرراً، ومن جهة الرجال نجد أن هناك نسبة كبيرة منهم استغلوا وضع الصراع المسلح وباتوا لا يهتمون بالمسؤولية وغير مبالين بواجباتهم تجاه أسرهم، مما أدى إلى تزايد مطرد في حالات الطلاق خلال 15 شهراً”.
آثار نفسية
استشاري الطب النفسي نجم الدين مصطفى قال إن “مأساة الحرب في السودان لم تقتصر على القتل والنزوح، بل امتدت تداعياتها المدمرة إلى الإنسان بسبب الضغوط النفسية وصعوبة تعامل العقل مع هذه التجارب القاسية، ومع ازدحام المنازل بالأسر في الولايات الآمنة، وحتى خارج البلاد في دول الجوار تحدث مشكلات أسهمت في زيادة المشاحنات والمشاجرات بين الأسر والأزواج، بالتالي تتزايد ظاهرة الانفصال”.
وأوضح مصطفى أن “الطلاق له آثار سلبية عدة، أولها الشعور بالصدمة بخاصة بالنسبة إلى الزوجة، كما أن محاولات جذب الأبناء إلى أحد الطليقين يؤدي إلى تعقيدات كبيرة للغاية في بناء شخصيتهم وشعورهم بالاهتزاز وعدم الثقة وتنازع المشاعر واضطراب العواطف وحدوث نوع من عدم التوازن النفسي، خصوصاً أن معظم حالات الطلاق في السودان تكون بصورة غير ودية تتبعها إجراءات في المحاكم كالنفقة والبنوة والضرر، وغيرها”.
وتوقع استشاري الطب النفسي “تزايد ظاهرة الانفصال بصورة ملحوظة في المجتمع السوداني حال استمرار الحرب لفترة طويلة، نظراً إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتفاقم المشكلات المجتمعية والنفسية التي تجعل من الصعوبة بمكان مجاراة الحياة”.
جريدة اندبندنت البريطانية