تحركات دبلوماسية جديدة لاحتواء حرب السودان: هل يمكن إحياء فرص السلام وسط تسعير الحرب؟

أفادت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها أن المبعوث سيواصل سعيه لتفعيل عملية شاملة تُعزز انتقال السودان إلى حكم مدني.

تثير المخاوف الإقليمية والدولية من انزلاق الصراع في السودان نحو مرحلة أكثر دموية وشراسة، في ضوء التهديدات المتكررة من كلا الطرفين بالتصعيد لعمليات عسكرية أكثر عنفًا، مما ينذر بتدهور وانهيار أكبر في الأوضاع الإنسانية.

أسفر التصعيد الأخير في المعارك بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” داخل العاصمة الخرطوم، الذي بدأ مع الهجوم البري الواسع الذي قام به الجيش قبل ستة أيام والذي أدى لعبور الجسور الثلاثة نحو قلب المدينة، عن زيادة حدة التهديدات والحديث عن الخيار العسكري كحل وحيد للطرفين. فما هو تأثير ذلك على فرص الحل السلمي وعلى التحركات الإقليمية والدولية النشطة حالياً لاحتواء تفاقم الصراع وإرغام الطرفين على العودة للتفاوض مجدداً؟

تعليق التفاوض

في ردٍ على الهجوم المتعدد الاتجاهات الذي شنّه الجيش في الخرطوم، أعلنت قوات “الدعم السريع” أن قائدها اتخذ قرارًا بوقف التفاوض مع الجيش.

أفاد المتحدث الرسمي باسم وفد التفاوض لقوات “الدعم السريع”، محمد مختار، أنهم الآن يسعون بكامل قوتهم “نحو الخيار العسكري الحاسم للقضاء على الجيش ومن يتعاون معه، ولا توجد مفاوضات بعد الآن، وسيكون الميدان هو الحاسم”.

كشف المختار، في فيديو مسجل، أن قيادة “الدعم السريع” قررت وقف التفاوض مع الجيش السوداني والمتعاونين معه، مشيراً إلى أنهم ظلوا يطالبون بالسلام، ولكن من هذه اللحظة بدأت دقات طبول الحرب، حيث إنهم كانوا يرغبون في الحرب بلا رحمة.

قال المستشار إن الجيش قد يكون قد تقدم داخل الخرطوم أو الخرطوم بحري، وإن قواتهم لا تزال تحتفظ بالمناطق التي سيطرت عليها.

تسعير الحرب

أعلن القائد الميداني لقوات “الدعم السريع”، عمر جبريل، في تغريدة على منصة (إكس) عن حالة استنفار غير مسبوقة لقواتهم داخل الخرطوم، مما أعاد إلى أذهانهم لحظات بداية اندلاع الحرب في صباح 15 من أبريل العام الماضي، عندما حمل كل مقاتل سلاحه وتوجه الجميع نحو كوبري أم درمان وهم يهتفون “كل القوة المهندسين جوه”، في إشارة إلى قاعدة سلاح المهندسين العسكرية. واختتم بقوله: “لقد بدأت الحرب للتو إذاً”.

من ناحيته، أفاد الوالي المكلف لولاية الخرطوم، أحمد عثمان حمزة، بأن القيادة العليا في البلاد قررت الشروع في مرحلة الحسم النهائي للصراع.

أشار خلال تجمع شعبي للحكومة المحلية إلى أن “المسيرة ستستمر ولن نلتفت لأصوات المتشائمين، ومهما واجهتنا من عقبات ستكون النتيجة النهائية انتصارنا”.

تستمر المعارك والاشتباكات بين الطرفين لليوم السادس على التوالي في وسط وجنوب الخرطوم وشمال مدينة الخرطوم بحري، بينما لا يزال الوضع متوتراً في محور الفاشر بشمال دارفور.

أفادت مصادر محلية أن الجيش والقوة المشتركة والمقاومة الشعبية تصدوا مساء يوم أمس الاثنين لمحاولة جديدة من قوات “الدعم السريع” لاختراق مدينة الفاشر من الجهة الجنوبية الشرقية، مما أدى إلى تكبيدها خسائر في الأرواح والمعدات.

وفقاً لشهادات شهود عيان في العاصمة السودانية، سُمعت أصوات انفجارات قوية في عدة مناطق بالعاصمة، وارتفعت أعمدة الدخان من مناطق متفرقة في محيط المقرن وشارع الغابة وسلاح الاستراتيجية والسوق العربي في وسط الخرطوم، بالإضافة إلى مناطق شمال الخرطوم بحري.

واصل الطيران الحربي تنفيذ غاراته المكثفة على تجمعات وارتكازات قوات “الدعم السريع” في شرق وجنوب الخرطوم، وتمكّن بالتعاون مع الطائرات المسيرة، وفقًا لمصادر ميدانية، من تدمير منصات مدفعية وآليات مدرعة تابعة لـ “الدعم السريع” في منطقة الشجرة العسكرية بجنوب الخرطوم.

من جانبها، أفادت قوات “الدعم السريع” في بيان لها بأنها استطاعت القضاء على مجموعة من الجيش والقوة المشتركة للجماعات، التي حاولت التقدم عبر محور مصفاة الجيلي شمال العاصمة الخرطوم، مُلحقًا بها خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، ومتابعة بقية القوة حتى أطراف مدينة شندي في ولاية نهر النيل.

بؤر الإرهاب

سياسياً، عبّر رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، عبدالله حمدوك، عن قلقه من أن تساهم الزيادة في العنف في السودان في توحيد الجماعات المتحالفة مع تنظيم “القاعدة” في منطقة الساحل مع المتطرفين في القرن الأفريقي.

عبّر حمدوك، خلال حديثه لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، عن قلقه الشديد ومخاوفه من احتمال تحول السودان إلى بؤرة للإرهاب في منطقة هشة للغاية، خاصةً مع وجود حدوده المشتركة مع سبع دول أفريقية.

أكد رئيس حزب (تقدم) أن الطريقة الوحيدة للحفاظ على وحدة السودان هي من خلال حكومة يقودها مدنيون، بعد أن قضى العسكريون على البلاد لأكثر من 50 عاماً.

هدنة الاختبارات

طالبت لجنة المعلمين السودانيين بضرورة إعلان وقف إطلاق النار وإيقاف العمليات القتالية خلال فترة التحضير وإجراء الاختبارات من قبل طرفي النزاع، مع الالتزام التام بذلك وفتح ممرات آمنة للطلاب لكي تُجرى الاختبارات بطريقة منطقية وعادلة.

وجه بيان للجنة نداءً “بضرورة إعلان مراكز تجميع وتصحيح الاختبارات ومراكز إقامة المعلمين كأماكن آمنة خلال فترة التصحيح والرقابة، لكي يتمكن المعلمون من أداء الاختبارات في مناخ من الاطمئنان”.

حددت وزارة التربية والتعليم يوم السبت، الموافق 28 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، موعداً لبدء اختبارات دفعة عام 2023، تليها بعد ثلاثة أشهر اختبارات دفعة عام 2024.

تجدد المساعي

عند الحديث عن الجهود الدبلوماسية الدولية لإنهاء النزاع في السودان، بدأ المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرييلو، قبل يومين جولة جديدة تشمل زيارة العاصمتين الكينية نيروبي والإثيوبية أديس أبابا.

قالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان إن المبعوث سيواصل العمل من أجل تحقيق انتقال شامل في السودان نحو الحكم المدني، وسيدير مشاورات دبلوماسية للضغط على الجيش وقوات “الدعم السريع” للموافقة على الاتفاقيات الإنسانية التي تؤدي إلى وقف شامل للاقتتال وزيادة وصول المساعدات.

سيجتمع بيرييلو وفقًا للبيان، مع مسؤولين من الاتحاد الأفريقي ومنظمة (إيغاد)، بالإضافة إلى منظمات دولية غير حكومية تعمل في مجال الإنسانية وحماية المدنيين، بالإضافة إلى قيادات المجتمع المدني السوداني.

تحركات أميركية

أكد البيان الأمريكي دعم واشنطن للشعب السوداني وطموحاته في السلام والحرية والعدالة، مطالباً الطرفين المتصارعين بإنهاء العنف وإزالة كافة العقبات التي تعيق تلبية الاحتياجات الإنسانية، والامتثال لقوانين الحرب التي تهدف إلى حماية المدنيين.

في إطار الاجتماع الذي جمع المبعوث الأميركي بالفريق البرهان خلال الاجتماعات الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، توقعت مصادر دبلوماسية أن يتيح هذا اللقاء الفرصة لتنفيذ زيارة متوقعة لتوم بيرييلو ومديرة الوكالة الأميركية للتنمية سامانثا باور إلى مدينة بورتسودان خلال شهر أكتوبر الحالي.

أكد بيرييلو، في تصريحات صحفية، أهمية جلوس القادة العسكريين إلى طاولة المفاوضات لإيجاد طريقة للمضي قدماً نحو حكومة مدنية شاملة في السودان، مشدداً على ضرورة وقف إطلاق النار أو على الأقل تنفيذ وقفات إنسانية خلال الأسابيع القليلة القادمة في مناطق الفاشر وسنار وجنوب الخرطوم.

اعتبر المبعوث أن جهود قوات “الدعم السريع” لتوسيع نطاق سيطرتها واستمرارها في القصف تؤثر سلباً على الثقة في عملية السلام، بالإضافة إلى الأضرار الجسيمة التي تسببها للسكان المدنيين. كما أشار إلى وجود عناصر متطرفة يعتقدون أنه يمكنهم الاستفادة من استمرار الحرب سواء من الناحية السياسية أو المالية، ويرون أنه إذا تمكنوا من دخول الحكومة قبل انتهاء النزاع فسيكون ذلك سبيلهم للعودة إلى السلطة.

تنشيط المساعي

في هذا السياق، أشار المتخصص في العلوم السياسية، عبدالله أحمد مصطفى، إلى أن التصعيد والمواجهات الأخيرة قد تكون دافعاً لتفعيل الجهود الدولية والإقليمية، نظراً للمخاوف على الصعيدين الإقليمي والدولي من احتمال تحول الصراع في السودان إلى مرحلة دموية أكثر عنفاً. يأتي ذلك في ظل التهديدات المتكررة من طرفي النزاع باللجوء إلى عمليات حربية أكثر شدة، حيث يؤكد كل منهما عزيمته على هزيمة الآخر وتجاوز الأمور عسكرياً، مما ينذر بتدهور أكبر للحالة الإنسانية للمدنيين.

وأشار مصطفى إلى أن ما ورد في خطاب الفريق البرهان خلال اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، الذي تزامن مع الهجوم البري للجيش في الخرطوم، يدل على محاولة جدية من قبل الجيش لتعزيز موقفه الميداني وشروطه التفاوضية في أسرع وقت ممكن من خلال هذه العملية الكبرى، وذلك لكي يتمكن من الوفاء بالشروط والالتزامات التي تعهد بها البرهان في خطابه أمام قادة العالم فيما يتعلق بإمكانية الحل السلمي وفقًا لرؤية الجيش.

أوضح الأكاديمي أن ضعف قدرة القوى السياسية على التأثير في مجريات الحرب يستدعي ضرورة تعزيز دورها بشكل عاجل في السعي نحو إيجاد حل سلمي، الذي لا يزال ضائعاً وسط تصاعد صراخ الحرب وأصوات المدافع والقذائف.

حرب سياسية

قال: “إن هذه الحرب هي حرب سياسية في المقام الأول، لذلك فإن مسؤولية إنهائها تقع على جميع السودانيين، وخاصة الأحزاب السياسية، والقوى المدنية، والحركات المسلحة، والشخصيات الوطنية. كما يجب العمل على تأسيس نظام حكم ديمقراطي ودولة تعتمد على المواطنة وحقوق الأفراد وواجباتهم، وتهيئة البيئة للتداول السلمي للسلطة”.

يؤكد مصطفى أن التحدي المتمثل في الوصول إلى اتفاق ينهي الحرب المستمرة منذ أكثر من عام ونصف عبر التفاوض لا يزال ممكنًا، من خلال إدارة حوار وطني شامل يبحث في أسباب وجذور الأزمة الوطنية، والتوافق على مجموعة من المبادئ الوطنية التي ستكون المرجعية اللازمة لوضع دستور دائم للبلاد، الذي ظل مفقوداً منذ الاستقلال.

وأكد قائلاً: “لم يعد هناك خيار أمام القوى السياسية والمدنية في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ السودان سوى التوافق على إنقاذ بلادهم من الانهيار والتفكك”.

زيارة مجلس السلم

سيقوم أعضاء مجلس السلم والأمن الأفريقي بزيارة مدينة بورتسودان بعد غدٍ الخميس 3 أكتوبر الجاري، وذلك في زيارة تستمر ليوم واحد، حيث ستنتقل رئاسة المجلس إلى جمهورية مصر العربية في وقت لاحق من هذا الشهر.

من المتوقع أن يجتمع أعضاء المجلس بكبار المسؤولين في الدولة، يتقدمهم رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، في لقاء يُنتظر أن يتناول قضية الحرب وعضوية السودان في الاتحاد الأفريقي التي تم تعليقها بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021، خصوصاً أن الوفد يحتوي على مسؤولين من مفوضية الاتحاد الأفريقي.

بعثة الحقائق

من المتوقع أن يصوت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قبل انتهاء فعالياته في 10 أكتوبر الحالي، على مشروع قرار يقضي بتمديد تفويض بعثة تقصي الحقائق حول السودان لعام إضافي، في ظل مطالبة الوفد السوداني بإنهاء مهام البعثة.

يحث مشروع القرار جميع الأطراف على وقف إطلاق النار بشكل فوري وكامل دون أي شروط مسبقة، مع إنشاء آلية مستقلة لمراقبته ومتابعته.

بدأت الدول الأعضاء في جنيف مشاورات غير رسمية بشأن المشروع يوم الاثنين الماضي.

وقد تحدث البرهان إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك يوم الخميس الماضي، مؤكدًا التزامه “بمبادئ انتفاضة ديسمبر 2019 وعدم العودة إلى نظام البشير السابق”، مشيرًا في نفس الوقت إلى المخاطر المترتبة على استمرار الحرب في السودان وما يمكن أن يترتب عليها من تهديد لاستقرار المنطقة بسبب الدعم الخارجي للقوات المتعارضة.

جريدة اندبندنت البريطانية


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.