وجوه خلف الحرب| استسلام أبو عاقلة كيكل.. قرار فردي أم إيذان بانهيار قلعة الرمل؟
تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع فيديو مُجتزأة لقائد الدعم السريع بالجزيرة أبو عاقلة كيكل، وهو يعانق رهطًا من جنود الجيش السوداني في منطقة لم يُكشف عنها، لتتوالى أنباء مؤكدة حول انضمامه أو استسلامه لقيادة الجيش بشرق الجزيرة. فيما أعلن سعيد السيد عمارة، رئيس منبر البطانة الحر، انضمام أبو عاقلة محمد أحمد كيكل بكامل عتاده الحربي للقتال في صفوف القوات المسلحة، واعدًا أن منطقة البطانة ستكون خالية من قوات الدعم السريع في أقرب فرصة.
ونشرت منصات مقرّبة من القوات المسلحة خبر انضمام أبو عاقلة كيكل للجيش وما ينطوي عليه من تأثيرات ميدانية من شأنها أن تقلب الأوضاع رأسًا على عقب في منطقة شرق الجزيرة. في وقت لاحق، أكد بيان صادر عن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة انضمام كيكل لجانب “الحق والوطن”، ومغادرته لصفوف “المتمردين”، بعد أن تكشف لهم “زيف دعاوى مليشيا الدعم السريع”، وأنهم مجرد “أدوات لتمرير أجندة إجرامية دولية لتدمير البلاد”، مجددًا عفو رئيس مجلس السيادة لأي “متمرد” ينحاز لجانب الوطن، بحسب توصيف البيان.
مصادر لـ”الترا سودان”: التواصل مع أبو عاقلة كيكل بدأ قبل أشهر تحت إشراف استخبارات الجيش، وبوساطة من قيادات أهلية تنادت إلى إجراء تفاهمات مع مجموعة درع السودان التي التحقت بالدعم السريع في سياق الحرب الراهنة
وفي المقابل، لم يصدر تعليق رسمي من قيادة الدعم السريع باستثناء إعلان قرار تعيين اللواء عبد الله حسين قائدًا للفرقة الخامسة، المطابقة في توصيف الجيش للفرقة الأولى مشاة، والكائنة بمدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة.
أبو عاقلة كيكل والجيش السوداني
وفي مشهدية مائزة، تعكس ثقافة التسامح التي تناقص منسوبها بموجب الحرب، تواترت كثير من الصور والمقاطع عبر فضاء الميديا لأبو عاقلة كيكل معانقًا نخبة من جنود الجيش السوداني في ظل أجواء احتفائية لا تخفى، فيما سُمع صوته بوضوح وهو يردد “الحصة وطن.. الحصة وطن”، وهي ذات العبارة الثورية الأثيرة التي انتشرت في أعقاب فض اعتصام القيادة العامة، ليتم تمرير ما سُمي لاحقًا “شراكة الدم” بين المدنيين والعسكريين.
وظهر تسريب آخر للقائد أبو عاقلة كيكل وهو يشير إلى إقناعه للقائد حمودة البيشي، قائد محور سنار بالدعم السريع، بالانضمام للقوات المسلحة، مؤكدًا أن في معيته أربع عربات من قوة البيشي، الذي أتى خلفًا لابن عمه عبد الرحمن البيشي بعد مقتله على تخوم سنار. وورد بالتسريب إشارات عابرة عن العربات والعناصر القتالية المنضمة معه دون تفصيل، مع ذكر طيف من مستوى الأسلحة كالمسيّرات وغيرها. وبدا كيكل رابط الجأش وغير مكترث لردة فعل الدعم السريع.
وأكدت مصادر متطابقة لـ”الترا سودان” أن التواصل مع كيكل بدأ قبل أشهر تحت إشراف استخبارات الجيش، وبوساطة من قيادات أهلية تنادت إلى إجراء تفاهمات مع مجموعة درع السودان التي التحقت بالدعم السريع في سياق الحرب الراهنة. وأن تقدّم الجيش في محور وسط السودان بعد استرداد منطقة جبل موية، بالإضافة إلى تداعي قوات الدعم السريع بشكل عام، وما لحق سمعتها المؤسسية وصورتها الذهنية بفعل الانتهاكات الواسعة التي مارستها مجموعات منسوبة إليها، جرى التبرؤ منها مرارًا من قبل كيكل ومن قائد الدعم السريع نفسه. فضلًا عن المجهودات البنّاءة التي قادها أهل المنطقة بشكل مزدوج مع قيادة الجيش من جهة، ومجموعة كيكل من جهة أخرى، لتتوج مساعيها الحثيثة بانضمام قوات كيكل بكامل عتادها للجيش.
ماذا يعني انحياز أبو عاقلة كيكل للقوات المسلحة؟
يقول معاوية عوض، الأكاديمي والمحلل السياسي، إن أثر خطوة انضمام أبو عاقلة كيكل تُقرأ ميدانيًا في ظل نفوذه الواسع على المستوى الاجتماعي والعسكري في منطقة شرق الجزيرة، بافتراض تسليمه بكامل قواته وعتاده العسكري، الأمر الذي سينعكس بصورة مباشرة على إمداد مدني من الخرطوم من ناحية شرق النيل. كما سيشجع المكونات المحلية الكائنة بمحور سنار على الانضمام للقوات المسلحة. ورجح معاوية أن تحدث اشتباكات داخلية بين المجموعات المنشقة عن الدعم السريع والقوات المتمركزة في الجزيرة وقرى سنار.
ويعتقد معاوية أن الوقت لم يزل مبكرًا للحكم بصورة شاملة على تداعيات انضمام كيكل للجيش، ولكنه يشكل في كل الأحوال ضربة معنوية كبرى للدعم السريع الذي أخذ يتراجع بشكل ملحوظ ما بعد عبور الجيش للجسور واسترداد منطقة الكدرو ومنطقة جبل موية الاستراتيجية.
مختص بتحليل بنية المؤسسات وصنع السياسيات: خطوة تسليم كيكل مهمة من عدة أوجه: فمن ناحية، هو القوة الوحيدة من الدعم السريع التي كانت تسيطر على الفضاء الشرقي للنيل، باستثناء بقية القوات المتمركزة داخل ولاية الجزيرة أو منطقة ما بين النيلين أو المنطقة الغربية من أطراف كردفان ودارفور. ومن ناحية أخرى، فإن الاستسلام الذي تم من شأنه أن يخلق حالة من عدم اليقين داخل المليشيا
ويرى محمد الواثق أبو زيد، المختص بتحليل بنية المؤسسات وصنع السياسات، أن خطوة تسليم كيكل مهمة من عدة أوجه: فمن ناحية، هو القوة الوحيدة من الدعم السريع التي كانت تسيطر على الفضاء الشرقي للنيل، باستثناء بقية القوات المتمركزة داخل ولاية الجزيرة أو منطقة ما بين النيلين أو المنطقة الغربية من أطراف كردفان ودارفور. ومن ناحية أخرى، فإن الاستسلام الذي تم من شأنه أن يخلق حالة من عدم اليقين داخل المليشيا، وإثارة الشكوك حول كثير من القادة العسكريين الممسكين بمفاصل النفوذ والقرار، لجهة أن البناء التنظيمي لقوات الدعم السريع قائم على دور الرموز القيادية على مستوى التوجيه العسكري وإدارة كافة الشؤون المادية، فضلًا عن القيام بأعمال التعبئة والحشد، وارتباط العناصر القتالية بها على نحو وثيق ومحكم.
في ظل بروز صراعات ذات طابع إثني بين العصبة القبلية التي شكلت نواة الدعم السريع من عرب الرزيقات، وحتى أقصى المكونات القبلية المتموضعة في النطاقات الهامشية، كمجموعات المسيرية التي لم تُخفِ تذمرها مما اعتبرته تمييزًا حاق قياداتها وعناصرها في أكثر من محور وعلى أكثر من صعيد. وأكد الواثق أن تفجر النزاعات القبلية داخل الدعم السريع، وأشهرها النزاع بين السلامات والبني هلبة، يعد مؤشرًا لحالة عدم اليقين التي تخيّم على بنية الدعم السريع، مما يشير إلى انهيارات قادمة في صفوفه.
ويرى الواثق أن خطوة انضمام كيكل تعد مهمة أيضًا من جهة ما توفره من عتاد وأسلحة ثقيلة ومعلومات دقيقة من شأنها أن تعين الجيش في انفتاحه وانسياب حركته من محور الفاو وحتى منطقة تمبول، وعلى مقربة من منطقة رفاعة الاستراتيجية، وسيطرتها على ثاني جسر ما بين الجزيرة شرقًا وغربًا بعد كبري حنتوب، مما يفسح المسار لتقدم القوات المسلحة وتمددها في منطقة واسعة من شرق النيل وحتى رفاعة، مع زيادة الضغط على الدعم السريع في الجزيرة وسنار.
وإذا صح أن ثمة تفاهمات تجري مع مجموعات البيشي في غرب سنار مع تقدم الجيش هناك، فإن خطوة انضمام كيكل ستحقق أكثر من هدف من جهة تحييد العناصر المحلية للدعم السريع بمحور سنار والنيل الأزرق. ويرجح أبو زيد حدوث تحولات بنيوية تُعجّل من انهيار الدعم السريع في وسط السودان، مشيرًا إلى أن تباطؤ العمليات العسكرية في هذا المحور ربما أتى على وقع انتظار هذا الحدث ومفاعيله الميدانية.
ويعتقد محمد الواثق أن تأمين الفضاء الشرقي للنيل من قرى العسيلات وحتى رفاعة سيخلق حالة من الاستقرار في حركة النزوح بقرى شرق الجزيرة ذات الكثافة السكانية العالية، وبث الطمأنينة في مناطق الفاو والقضارف، وإمكانية عودة اللاجئين إلى مناطقهم بعد انتفاء حالة القلق وعودة الحياة إلى ربوعهم، واستئناف حركة الإنتاج من جديد.
تشكّل خطوة انضمام أبو عاقلة كيكل للجيش في أعلى مراتبها بُعدًا رؤيويًّا مهمًا يتعلق بسحب الغطاء القومي من تكوينات الدعم السريع، بحسبان أن انضمام قوات درع البطانة في العام 2023 قد منح الدعم السريع زخمًا على مستوى خطاب الهامش بمفهومه التنموي
وتشكّل خطوة انضمام أبو عاقلة كيكل للجيش في أعلى مراتبها بُعدًا رؤيويًّا مهمًا يتعلق بسحب الغطاء القومي من تكوينات الدعم السريع، بحسبان أن انضمام قوات درع البطانة في العام 2023 قد منح الدعم السريع زخمًا على مستوى خطاب الهامش بمفهومه التنموي، انعكس لاحقًا على عملية توسعه في الفضاء الأوسط. غير أن فشله في تحويل مناطق سيطرته إلى نموذج، لا أقول جاذبًا فربما يعد ذلك أفقًا بعيد المنال في ظل الظرف الراهن، وإنما إلى مجرد بيئات آمنة مطمئنة، مما سيسهّل من تداعي قلعة الرمل بنحو متسارع، والذي تُقرأ أبرز مؤشراته ومؤثراته في خطاب دقلو الأخير وزفراته الحرّى التي اتشحت أقذع مفردات الهجاء لقادة الجيش وداعميه.
وأيًّا تكن القراءات والتأويلات، فإن خطوة انضمام أبو عاقلة كيكل للجيش، بما هي قرار فردي محصور أو انشقاق وازن، ستكون لها مترتباتها وارتداداتها على مستوى معركة وسط السودان ومحور سنار والنيل الأزرق، من جهة تأزيم الأوضاع أو انهيار قلعة الرمل بنحو دراماتيكي متسارع، والأيام وحدها ومفاعيل الميدان من ستكشف إلى أين تسير الأمور.
الترا سودان