الدولار سلعة أم عُملة

الاقتصاد في أي بلد يعتمد على الثروات والإمكانيات والمعطيات والمنتجات الوطنية المتوفرة لأي بلد. وتصيبه العلل والأزمات إذا لم يعتمد عليها ويدخل فرقة الإنعاش والعناية المركزة وعلاجه وخروجه من هذه الغرفة يكون بعودته للاعتماد على هذه الإمكانيات والثروات الوطنية القومية المتوفرة، بتنميتها واستثمارها لتختفي السلبيات الاقتصادية – انخفاض سعر الجنيه أو (العملة) التضخم – الغلاء – ارتفاع الأسعار – الفقر المتسع – زيادة دخل الفرد والأجور – والهجرة الداخلية والخارجية المتزايدة، وتوفير فرص العمل للشباب والخريجين المنعدمة – وتوقف الأعمال الهامشية والعطالة المقنعة والأعمال الحقيرة التي لا تخدم النمو الاقتصادي مثل السمسرة وتجارة العملة والرقشات وغيرها التي صارت من السمات الاقتصادية المتوطنة.
وعندما نذكر تجارة العملة يقفز الدولار شاخصاً متلاعباً بمشاعر تجار العملة في الكسب وحصد العائدات والأرباح، الذين حولوا كل مدخراتهم العينية والنقدية والعقارية وأرصدتهم ورأسمالهم للمتاجرة بهذه السلعة وتركوا كل مجالات الاستثمار الأخرى لتعمل هذه الكتل النقدية وتتحرك في تجارة العملة فقط بيعاً وشراءً للدولار، وكأن الدولار من السلع التجارية السودانية وكأنه من المنتجات الزراعية أو الصناعية السودانية. وهذه أول خطوة لتدمير الإنتاج الزراعي والصناعي والمصانع – أن تتاجر في سلعة ليست من إنتاجنا الوطني. طبعاً لأنها تجارة تدر الأرباح والعائدات سريعاً وبدون مجهود وبدون صرف وتكاليف عماله، وأدت هذه الميزة لتعطيل كل الاستثمارات والأعمال الاقتصادية الأخرى التي تفتح فرص العمل وتزيد الإنتاج الذي يبث الروح في الاقتصاد. بل وعطلت حتى الاستثمار العقاري حتى صار يسمى بالاستثمار البليد. بل وأضعفت قيمة الجنيه السوداني وجعلته عملة لا وزن لها بالسوق وصار رجال الأعمال يودعون أرصدتهم بالبنوك بالدولار خوفاً من انخفاض قيمته المتوالي، بل وصارت الأسعار بالسوق تتصاعد بتصاعد سعر الدولار وجعل التجار يسعرون السلع حسب سعر الدولار المتصاعد.
كل هذا التدمير يحدث للبنية الاقتصادية بسبب تطبيق وتنفيذ شروط وتوصية وروشتة صندوق النقد الدولي المطالبة بتعويم سعر الصرف اسم الدلع لتجار العملة (الدولار)- صندوق النقد الذراع الطويلة للرأسمالية العالمية الإمبريالية الصهيونية التي هدفها أن تجعل الدولار إمبراطور العملات العالمية الرأسمالية العالمية التي تفرض الحظروالعقوبات الاقتصادية على السودان والتي تضع السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب ليبتعد المستثمرون عن الاستثمار في السودان لكي يكتمل تدمير اقتصاد السودان ويظل عاجزاً عن النهوض. الرأسمالية الغربية تمنع بنوك العالم من تحويلات النقد الأجنبي للسودان وتفرض العقوبات عليها إن هي لم تلتزم بهذا المنع، الرأسمالية الإمبريالية التي تصدر تشريع جاستا لتسطو وتتغرصن على أموال وأرصدة الدول والشعوب المودعة ببنوكها كودائع بملايين مليارات وبنوك الدول الرأسمالية هذه، تنتفع وتستثمر هذه المليارات لصالح مكاسبها الاقتصادية ولم يكتفوا بذلك، بل يريدون أن يمارسوا قانون الغابة الذي قال عنه الرئيس إنه لغة الكاوبوي وقانون الغابة (القوي يأكل الضعيف)، وبهذا الفهم يكون صندوق النقد والمحكمة الجنائية وقانون جاستا كلهم يعملون بإستراتيجية موحدة لتحقيق هدف واحد وهو خدمة وهيمنة الرأسمالية الإمبريالية على شعوب العالم الضعيف الفقير والسودان واحد منها. لذلك يجب أن ينسحب السودان من التعامل مع صندوق النقد كما انسحبت الشعوب الأفريقية من المحكمة الجنائية وسيكون هذا انسحاباً من التعامل مع الرأسمالية الامبريالية العالمية (والزارعنا اليجي يقلعنا) كما يقول الرئيس.
صندوق النقد يريد إفقارنا وتحويل عائدات اقتصادنا لتذهب لصالح الرأسمالية المحلية المرتبطة بالسياسات الرأسمالية العالمية الغربية. صندوق النقد الذي كان من شروطه خروج الدولة من القطاع العام. فتم إبدال وتحويل مؤسسات ومشاريع وشركات القطاع العام لمؤسسات ومشاريع وشركات وأفراد وجهات رأسمالية، فخرجت من قبضة الدولة المشاريع القومية والسكة الحديد الخطوط الجوية والنقل وخط هيثرو والخدمات الصحية والعلاج والإمدادات الطبية والتعليم وخرج القطن والسكر والبترول الدهب الغاز الحبوب الزيتية و الصمغ مدابغ الجلود والنسيج ومصانعة والدولار. وأصبحت الدولة فقيرة ليس لها إيرادات وصارت دولة معتمدة على الضرائب وضريبة القيمة المضافة والجمارك والرسوم لتصبح دولة عاجزة عن تقديم الدعم للسلع الضرورية وعاجزة عن زيادة دخل الفرد وتحسين الأجور وعاجزة عن فتح فرص العمل للعطالة من الشباب الخريجين. فماذا بقى للدولة لتكون دولة. والآن نجد البنك المركزي يعلن رسمياً خروج الدولة نهائياً من دعم الدواء وانتهاء العزاء بانتهاء قبر الإمدادات الطبية المسؤول الوطني القومي للقطاع العام عن صناعة الدواء استيراده وجودته وصلاحيته ومواصفاته وأسعاره. وتحول هذا ليسلم للرأسمالية لتفعل به وبالشعب ما تشاء لتأكيد إنفاذ توصية صندوق النقد بإكمال خروج الدولة من القطاع العام، ونلاحظ صدور هذا الإعلان متزامناً مع صدور الإعلان الأمريكي بتمديد استمرار العقوبات على السودان، وأن السودان ما يزال بقائمة الدول الراعية للإرهاب، هذا يجعل معاناة المواطن السوداني زائدة ومستمرة. ونلاحظ صدور قرار بنك السودان بتحرير سعر الدواء يجعل معاناة المواطن السوداني مستمرة. إذاً ما الفرق بين قرار عقوبات بنك السودان وقرار العقوبات الأمريكية ؟! .
السودان بلد فقير ومصاب بعجز الموازنة الممتد لسنوات مضت ومصاب بضعف وتوقف الإنتاج وضعف الصادرات وندرتها، ومصاب بعجز واتساع الفجوة بين الصادر والوارد ولا يملك احتياطي من أرصدة الدولار والنقد الأجنبي لا بالمليارات ولا بالملايين ولا بالألوف حتى والدولار ليس من منتجاته الوطنية. فلماذا نجعله من أهم وأول وأميز سلعة تجارية؟! تباع وتشتري لكسب الأرباح وليته كسباً لكل شعب السودان. لماذا لم ننتبه لهذا الغباء المدمر لشعبنا واقتصادنا ولمصلحة من نفعل هذا؟!.
يتبيَّن للجميع من كل ماذكر ما فعلته بنا تجارة الدولار والعملة (تحرير سعر الصرف)، وما فعلته بنا شروط صندوق النقد الدولي، ومع كل ذلك الذي رمانا به صندوق النقد وشروطه من محن ومصائب وأزمات لم نعها ولم نستوعب مراميها ولم ننفك من شرورها ولم نؤوب إلى رشدنا ولم نستغفر الله ونتوب إليه لما فعلناه بشعبنا لنمنع ونحظر تجارة الدولار هذه السلعة الدخيلة علينا من التداول بالسوق السودانية ونرفض شروطه النقدية ونوقف التعامل معه ونعالج أزمتنا المعيشية ونصلح إعوجاج بنيتنا الاقتصادية، بل صرنا نعترف بالفقر ولا نذكر لماذا جاء؟ ونعترف بعطالة الشباب والخريجين وعدم توفير فرص العمل لهم ولا نعرف السبب ولا نفكر في علاج مشكلتهم. ونعترف بمساوي الهجرة الداخلية والخارجية وعدم الإنتاج والريف المهجور معطل الإنتاج ولا نذكر الأسباب ولا نبحث عن سبل الخلاص وكيفية تعميره وإعادته للإنتاج ونعترف بالغلاء والضائقة المعيشية والتضخم وانخفاض سعر الجنيه ولا نعرف لماذا حدث؟! ولا نعرف السبل لتجاوزها وإيجاد الحلول.
أسباب كل هذا يا سادتي القراء الكرام شعب السودان الصابر هو تطبيق وتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي التي حوَّلت السياسات الاقتصادية لخدمة الرأسمالية وهي سياسات يجب وتحتم الأوضاع الاقتصادية المأزومة تغيّرها والانقلاب عليها حتمياً وواجباً اقتصادياً وطنياً، ومخرجاً للعلاج والإصلاح- لنخدم مصالح شعبنا ووطننا لا مصالح الرأسمالية المحلية المصنوعة المرتبطة بنظام الرأسمالية الغربية.
و الله المستعان
التيار


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.