مُهاجمة حفل ندى القلعة.. حالة تَطرُّف أم تَفلُّت؟!
تناقلت وسائط التواصل الاجتماعي بشكل واسعٍ أمس، خبراً مفاده أنّ متطرفين هاجموا حفلاً غنائياً كانت تحييه الفنانة “ندى القلعة” بمدينة حلفا الجديدة، ولاية كسلا ليلة أمس الأول، واضطرت السلطات المحلية لإلغائه، بعدما ألقي بعض قنابل الغاز المسيل للدموع على الجمهور والفرقة الموسيقية، في وقتٍ قالت فيه شرطة ولاية كسلا، إنّ التحريات مازالت مُستمرة للوصول الى الجُناة، ورفضت الشرطة اتهام جهات محددة بالحادثة، قبل أن يتم القبض على المتورطين في الحادث، لكنها أكّدت أنّها تمتلك معلومات كافية ستقودها لمُرتكب الجريمة!
رواية الشهود
نقل شهود عيان أن اكثر من (10) رجال مُلتحين اقتحموا الحفل المُقام في سينما الوطنية بسوق حلفا الجديدة مساء أمس الجمعة، وردّدوا هتافات “الله أكبر” قبل أن يلقوا عبوات الغاز المُسيل للدموع وسط الجموع ويلوذوا بالفرار.
وأكدت مصادر مُتطابقة أن “الغاز المُسيل للدموع ألقي على الجمهور بواسطة المهاجمين أثناء عملية اقتحامهم الحفل”.. وكانت جماعات قد طالبت السلطات المحلية في حلفا الجديدة بإلغاء حفل الفنانة ندى القلعة، وعقدت تلك الجماعات خطباً مفتوحة بالأسواق حرموا خلالها حضور الحفل.
وقال أحد سكان المدينة إنّ الجماعة طلبت من محلية حلفا الجديدة إلغاء الحفل، لكن المحلية أبلغتهم انها لا يُمكن أن تلغي حفلاً اعتيادياً إلاّ في ظروف وتقديرات أمنية، وأفاد شاهد آخر، أن الشرطة اضطرت لإلغاء الحفل بعد بدايته بدقائق فور اقتحام المُتشددين للمسرح وتعريض حياة الجمهور والفنانة للخطر، وأشار إلى أنّ بعض المصابين نُقلوا الى مستشفى حلفا الجديدة بعد تعرضهم للغاز المُسيل للدموع والتدافع على بوابة السينما التي أُقيم فيها الحفل.
ندى القلعة تعلق
وفي أول تعليق لها على الحادثة، قالت الفنانة ندى القلعة لـ(التيار): “مع بدء الحفل، وبعد (ثلاث) أغنيات فقط من بدايتها، وكان الجمهور كبيراً جداً، داخل وخارج المسرح، وكان هناك تفاعلٌ كبيرٌ مع الأغنيات التي أدّيتها، فجأة كده لقينا دُخان في نص السينما بوسط الجمهور، ودي أول مرة أنا أشوف فيها البمبان، ولأنو كان في هواء الدخان عم الحتة كلها، والنسوان بقوا يكوركن والجمهور”، وأضافت ندى في سردها لما حدث: “أنا كنت بعيدة من موقع الدخان، بس الهواء شالو وعمّ المكان، وشالوني لحدى ما ركّبوني في العربية”، وأشارت الفنانة القلعة إلى أنّها تلقت اعتذارات بشدة من جمهورها، وزادت: “الجمهور كلو كان بيعتذر لي كأنو أنا الحفلة دي عاملاها من نفقتي الخاصة”، ونفت أن يكون قد تم نقلها للمستشفى بعد الحادثة، وقالت: “أنا ما ودّوني المستشفى وطلعت طوالي وسافرت، لكن صحيح حصل لي ضيق بسبب الحساسية من رائحة البمبان”، قبل أن تضيف قائلةً: “نحن بقينا ما عارفين حاجة”، وأكدت وقوع حالات إغماء وسط الجمهور.
الشرطة تُوضِّح
أقرّ مدير شرطة ولاية كسلا اللواء شرطة د. يحيى الهادي بأنّ مجموعة – لم يُسمِّها – تقف ضد مثل هذه الاحتفالات والحفلات، بيد أنّه نفى توجيه الاتهام لأيَّة جهة دينية مُحدّدة أو غيرها، مُنوِّهاً إلى أنّ الشرطة تقوم بتحريات مُكثّفة للوصول الى الجُناة، وقال الهادي في حديثه لـ(التيار) أمس عبر الهاتف: “هناك شخص لم يكن من بين الحضور داخل الحفل، أطلق من منطقة بعيدة عبوة (قرنيت) ليس من النوع الموجود لدى الشرطة، وكان نتاج هذه العبوة دخانٌ كثيفٌ، ومازال العمل متواصلاً للوصول إلى الجاني، حيث توفرت معلومات للشرطة”، ونبّه اللواء الهادي إلى أنّ الشُّرطة كانت قد منعت أشخاصاً كثيرين من الدخول للحفل، من بينهم نظاميون لجهة عدم سدادهم لقيمة تذكرة الحفل، وأردف: “قد يكون الفاعل من جماعات متشددة، وقد يكون ممن تمّ منعهم لدخول الحفل، وهذا ما سَنعلنه ونكشفه للرأي العام بعد اكتمال الحلقات بالقبض على المسؤولين عن الحادث”، لافتاً إلى أن الشرطة قامت بدورٍ كَبيرٍ في تنظيم الحفل وتأمينه والتعامل بمسؤولية مع الحادثة.
ندى ورجال الدين
رفضت الفنانة ندى القلعة توجيه أيِّ اتهامات لرجال الدين في الحادث، وقالت: “أنا ماشفت رجل دين واحد في الحفلة، ولا شفت زول شايل بمبان في يدو، والناس أولت المواضيع وكبرتها”، ونفت ندى بشدة تلقيها أي تهديدات، وتابعت: “ما عندي مشكلة مع زول، ولا في زول هددني، ولا شفت رجال دين في الحفلة، وأنا كنت أعلى زول في الحفلة، لأني في المسرح وشايفة الجمهور كلو”، وأردفت ندى القلعة قائلةً: “أنا أحترم كل رجال الدين، وما عندي معاهم مُشكلة”، وزادت: “أنا أغني للحماسة، واحترم كل رجال الدين”.
توترات قبل الحفل
الناشط من أبناء حلفا الجديدة محمد عثمان الشهير بـ (بيكاسو) يقول: “إن منابر المساجد خلال الأيام الماضية شهدت حراكاً واسعاً تحدث عن تحريم الغناء، كما حدثت مشادات كلامية بين الأهالي مما كان ينذر بوقوع كارثة”.
وتابع: “قبل فترة كانت هناك حفل خيري في نفس المسرح أحياه الفنان محمد النصري لكنه مَرّ بصورة طبيعية دون إيّة إشكاليات”، ويضيف: “إنّ مدينة حلفا تُحظى بثقل كبير للجماعات السلفية حتى ان بعض منهم تقدموا بطلب للسطات المحلية لإلغاء الحفل لكنها لم تسجب لهم”، وعاب (بيكاسو) على محلية حلفا سوء التصرف وعدم اتخاذها قراراً بإلغاء الحفل، ويشير الى أن بوادر الأزمة كانت واضحة كعين الشمس، مُدللاً ذلك: “منذ وصول الفنانة ندى الى حلفا كانت تتربّص بالعربة سيارة تبث خطباً تحرم الغناء وحتى وصولها لمنزل إقامتها ظهر الجمعة مما كان ينذر بوقوع توترات”.
وفي ذات الاتجاه، يؤكد أحد الموطنين من المنطقة في حديثه لـ (التيار): “أنّ وقوع الحدث جاء عن طريق احتكاكات قبل الحادثة بثلاثة أيام، وكانت هناك سيارة يمتطيها أصحاب الحفل من أجل الإعلان عن زمان ومكان الحفل، خلفها مُباشرةً كانت هناك سيارة تتبع للجماعة التي أشعلت فتيل الأزمة، فتتبعت سيارة الإعلان إلى كل الأماكن التي جالتها ممّا يُشير لإمكانية حُدُوث أزمة بالحفل، ونوّه إلى أنّ مُواطنين من أهل المنطقة توقّعوا وقوع اشتباكات وفقاً لتلك المُعطيات.
خبراء يُحذِّرون
يقول د. محمد خليفة الصديق خبير شؤون الجماعات الإسلامية، إن البعض من المجتمع السوداني لديهم (الرعونة) في التعامل مع بعض الأشياء، وفي تعليقه على حادثة حلفا قال الصديق: “إن مدينة حلفا ريفية ولا تُعتبر مثل بقية المدن الكُبرى”، ووصف الحادث بـ “الأزمة البالغة الشذوذ”، ونوه لأهمية عدم نشر صور سالبة عن المجتمع السوداني، وعبّر عن قلقه من مثل هذه الظواهر، بيد أنه عاد وقال: “هي ظاهرة فردية موجودة في منطقة واحدة ليست لديهاعلاقة بالمناطق الأخرى في البلاد”، وأضاف: “إنما هي ظاهرة واحدة ومعزولة”، بيد أنّه تساءل: “من أين للجماعات التي هاجمت الحفل بالغاز المُسيل للدموع (البمبان) الذي أضرمته في مكان الحادثة؟”،
ودعا الصديق الى ضرورة التصدي بقوة لمثل هذه الظواهر ومنع تطورها، ورأى أن السودان قد تعافى من هذه الظواهر التي كانت موجودة بمناطق عدة منها دارفور، وتابع: “هذه الظاهرة تحتاج الى دراسة متأنية من الأطراف المسوؤلة”، وتوقّع أن تلتفت الحكومة للأمر سريعاً من أجل وضع الحُلول لهذه الظاهرة، وطالب الصديق أن لا تكون المُعالجة أمنية فقط، بل تكون اجتماعية بصورة عميقة، أملاً أن تخرج حلفا الجديدة من صدمتها إثر تلك الحادثه دون ضَرَرٍ لمُواطنها.
اعتذار وشكر
عبّرت ندى القلعة عن عميق أسفها لما حدث، وبثت اعتذارها عبر الصحيفة لجمهورها بمدينة “حلفا الجديدة”، وقالت: “أنا أعتذر بشدة لجمهور حلفا، والحصل ما بيدي ولا بيدهم”، وأبدت استعدادها وجاهزيتها للحضور لحلفا مجدداً قائلةً: “مافي شئ بوقف جيتي لحلفا، وأنا جاهزة لو ناس حلفا طلبوني تحت أي لحظة، وفي أي مكان بمشي ليهم”، وشكرت ندى شرطة حلفا على اهتمامها وحمايتها للحفل، ووقوفها معها وبجانبها لحين عودتها الى الخرطوم، وأردفت: “الشكر لكل جمهور حلفا، والشكر لأهل البطانة والشكرية جاءوا من مناطق بعيدة، وكانوا معاي لحدي ما عربيتي مرقت للخرطوم، ولكن أنا حزينة لأني ما قدرت أكمل الحفلة”، وقللت ندى من تأثير حادثة حلفا، ووصفتها بالعادية، قائلةً: “ما حدث شيء طبيعي، بيحصل في كل حفلة”.
بهاء الدين عيسى – محمد سلمان – علي فارساب