في ظل التقارب بين السودان والسعودية علاقات الدول.. هل يصلح الاقتصاد ما أفسدته السياسة؟
واقع الحال يبرهن على أن المقولة التي ينسبها البعض لوزير الخارجية الأمريكي الأشهر هنري كسنجر، وينسبها آخرون لرئيس الوزراء البريطاني ذائع الصيت ونستون تشرشل، تصلح تماما لقياس درجة التقارب بين الدول، ذلك أن التحولات السياسة الخارجية لكثير من البلدان أكدت بجلاء على أن مقولة “لا توجد صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، بل مصلحة دائمة”، لا تزال حاضرة في المشهد السياسي والدبلوماسي والاقتصادي.
صراع محاور
أفرز صراع المحاور الذي انتظم الشرق الأوسط، وخاصة منطقة الخليج، حالة من الاستقطاب، حيث سعى محور السعودية والإمارات ومصر لاستمالة السودان إلى جانبهم في حملة المقاطعة السياسية والدبلوماسية ضد قطر، بينما غازلت الدوحة الخرطوم، ولم تخف رغبتها في أن يكون السودان إلى جانبها، ولكن يبدو أن الحكومة السودانية التي اتقنت لعبة الموازنات قد فطنت إلى ضرورة الموازنة بين موقفها من قطر وموقفها من السعودية، وربما ذلك ما جعلها تختار الوقوف في المسافة الفاصلة بين الطرفين.
حسناً، فموقف الخرطوم هو عند الكثيرين جاء محتشدا بالدبلوماسية الحكيمة، وهو ما أعاد إلى الواجهة الحديث عن المصالح بين السودان وبعض الدول وخاصة السعودية. هنا يقول المحلل السياسي الدكتور عادل الفكي، إن المصالح هي التي تحدد مستوى العلاقة بين قطرين. منوها الى ان المصالح يمكن أن تكون سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو عقائدية، لافتا إلى أنه في الآونة الأخيرة أصبح للمصالح الاقتصادية القدح المعلى في العلاقات بين الدول، كما أنه أصبحت التكتلات الاقتصادية أهم من الأحلاف العسكرية.
الاقتصاد في المقدمة
الرهان على المصالح لتكون هادية لعلاقات الدول في ما بينها، تعدى مرحلة الحديث الهامس إلى المناداة الجهيرة بضرورة تغليب المصحلة على العداوات العابرة، وهو ما أشار إليه المحلل الاقتصادي د. محمد الناير لافتا الى انه من المفترض ان تكون العلاقات والمصالح الاقتصادية بين الدول هي التي تحكم العلاقات السياسية، لافتا إلى أن مثل هذا النهج يحدث في العالم المتقدم بصورة كبيرة، ومضى يقول: “لكن للاسف الشديد ما يحدث في منطقتنا العربية هو ان العلاقات السياسية تتحكم في توجهات الاقتصاد وهذا يؤثر بصورة كبيرة”.
وقريبا من هذا الرأي فان المحلل الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي يرى ان العلاقات الاقتصادية الوثيقة بامكانها التأثير على علاقات التعاون السياسي، مؤكدا أن وجود علاقات اقتصادية وثيقة بين السودان والسعودية يساعد على توسيع المصالح المشتركة. مشيرا الى ان العلاقات السودانية السعودية علاقات ذات جذور عميقة منذ سنوات طويلة امتدت بأواصر اقتصادية وهي تعد أقوى من الاعراف السياسية وتقلباتها.
وليس بعيدا من حديث فتحي فإن الاستثمارات السعودية في السودان تصل الى 16 مليار دولار، موزعة على نحو 530 مشروعا زراعيا وصناعيا وخدميا، وهو معدل يعد الأول على مستوى استثمارات الدول العربية في السودان.
ويعود دكتور هيثم قائلاً: إن السياسة والاقتصاد الآن وجهان لعملة واحدة
يؤثران ويتأثران ببعضهم البعض، وأضاف: “نحن الآن لدينا علاقات سياسية جيدة مع دول الجوار ومن ثم فنحن في حاجة إلى تغذية هذه العلاقات السياسية بعلاقات وتبادل اقتصادي بين الدول وبعضها البعض
جعجعة بلا طحين
الناظر الى علاقات السودان الخارجية سيجد أنها تبدو نشطة على المستوى الدبلوماسي وربما ناجحة على المستوى السياسي، فهل تبدو الامور جيدة من منظور اقتصادي؟، هنا يجيب المحلل الاقتصادي د.خالد التجاني بأن السياسة الخارجية السودانية تبدو كثيرة المظاهر في إبراز تعدّد العلاقات والحرص على الاحتفاء بها، قليلة المردود على أرض الواقع في تحقيق المصالح الوطنية وخدمة المنافع الاقتصادية، ولفت التجاني في مقال سابق إلى أن حال أوضاع السودان الاقتصادية المتداعية المشهودة في الوقت الراهن بمثابة دلالة على عدم انعكاس هذه العلاقات الخارجية الحميمة المتخيلة مع أكثر من دولة على خدمة أجندة حقيقية لدفع الاقتصاد السوداني.
وعلى نحو يجافي الوجهة التي مضى اليها التجاني، فان الدكتور محمد الناير يرى أن كل دول العالم ستتوجه إلى إعلاء المصالح الاقتصادية والتجارية وتبادل المنافع وهي التي ستسود على كافة العلاقات الاخرى بالتالي ستكون هي دافعا لتحسين العلاقات السياسية بين كل الدول، الجانب الاخر، ومضى يقول: “من حق اي دولة وسيادتها ان تتعامل مع كافة الدول حتى وان كانت منضمة لتحالفات مختلفة في وجهات النظر، كما ان عقوبات الدول ضد دول اخرى تزايدت في الفترة الأخيرة وهذا الامر يؤثر على مسار منظمة التجارة الخارجية بصورة اساسية”.
ويعود المحلل السياسي الدكتور خالد مؤكداً أن مأزق السياسة الخارجية السودانية الراهن ليس وليد حادثات اليوم، فهو داء قديم على الأقل في العقود الثلاثة الأخيرة وقد رافق العهد الإنقاذي منذ ميلاده الذي بدأ أيدولوجياً ثورياً بشعارات دينية إطلاقية وممارسات خارجة عما هو مألوف في عالم العلاقات الدولية بلا زاد من توازن قوة يعتد بها، كما لم يكن لفكر رجال الدولة فيها نصيب، وكان نتاج تلك المغامرات الطائشة بلا حساب للمآلات أن ورّطت البلاد والعباد في استحقاقات لا تزال تدفع فواتير ذيولها الباهظة حتى اليوم
مصلحة منقوصة
الشاهد ان علاقة الخرطوم والرياض مع أنها تشهد تقاربا غير مسبوق بين الطرفين، إلا أن هناك مآخذ كثيرة على تلك العلاقة، بلغت ذروتها بعدما تفاقمت أزمة الوقود، حيث رأى كثيرون أن السعودية لم تساند السودان في محنته الاقتصادية، وهي الرؤية التي مضى اليها الدكتور خالد التجاني في المقال آنف الذكر، منوها الى أن الأزمة الاقتصادية في أصلها هي نتاج عجز داخلي، ولكن ما معنى علاقات علاقات خارجية وانخراط في تحالفات قتالية لا تحقق اختبار مغزى “الصديق عند الضيق”.
الاحداث نيوز