قوبلت التحولات في السياسة الخارجية السودانية تجاه دول الخليج بترحاب كبير من معظم الأوساط العربية.
وظلت العلاقة بين الخرطوم والعواصم الخليجية تمضي بخطوات متتالية وتصاعدية ترجمتها عملياً زيادة الاستثمارات الخليجية بالسودان والتعاون العسكري، فضلاً عن الزيارات المتبادلة.
ومثلت زيارات الرئيس عمر البشير لعدد من دول الخليج في الآونة الأخيرة خطوة نحو تجذير العلاقات بشكل أكبر، حيث يُشارك السودان بفاعلية في التحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن المعروف بعاصفة الحزم الذي تقوده السعودية لمحاربة الحوثيين المدعومين من إيران.
وسبق السودان خطوة المشاركة في عاصفة الحزم، باتخاذ خطوات عدة لتحجيم علاقاته بإيران انتهت بقطعها رسمياً قبل عامين تضامناً مع المملكة في مواجهة المخططات والتمدد الإيراني في المنطقة.
وبدت أخيراً كثيرٌ من الخطوات السودانية متناغمة مع توجهات دول الخليج، بما يعطي فرصة لزيادة أطر التعاون، في وقت تتجه بعض القوى الدولية للاستفادة من موقع السودان الجغرافي في الحرب ضد الإرهاب.
المصالح والأمن
ومعلوم أن دول الخليج التي تخشى على مصالحها وأمنها تتبنى موقفاً سياسياً صارماً حيال المتشددين، وهي تشارك بفاعلية في سياسات تضييق الخناق عليهم في أماكن عدة.
ويتماشى فتح مجالات عديدة للتعاون الاقتصادي والتفاهم مع بعض دول الخليج، مع جوهر التوجهات السودانية الخاصة بمحاولة تنويع مجالات الحركة، ومحاولة البحث عن مخارج للأزمة الاقتصادية في البلاد.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات د.عبده مختار المحلل السياسي أن علاقة السودان بدول الخليج ظلت ثابتة ومتجذرة على مدى التاريخ ويجري تبادل المصالح المشتركة معها باعتبارها دولاً شقيقة يربطها الإسلام والعروبة وتستند على قيم ومعتقدات دينية.
ويعتقد مختار أن الأصل والثابت في العلاقات أن تكون إيجابية في كل مستوياتها، غير أن مستويات ومستجدات سياسية طارئة قد تعكر صفو العلاقات بسبب تدخلات إقليمية ودولية وتقاطعات المصالح بين الأطراف.
غياب الرؤية
ويعتبر عبده مختار أن هناك عدم وجود لرؤية استراتيجية من قبل الحكومة السودانية نحو التعامل مع المجموعة العربية في القضايا الدولية.
ويرى أن غياب هذه الرؤية يحدث دائماً اختراق للعلاقات السودانية مع الدول العربية عموماً ومن بينها الخليجية، وينطبق ذات النهج على الدول العربية نفسها، بسبب غياب الرؤية الجماعية للتعامل مع مستجدات الأحداث وحتى دول الخليج التي كانت تتحدث بصوت واحد تجزأت بعد الانقسام.
وانعكست أزمة الخليج بدورها سلباً على سياسة السودان الخارجية، حيث دفع اضطراب الرؤية لعدم توضيح الموقف الرسمي للسودان والذي يرى مختار أنه كان ينبغي أن يكون محايداً بصورة واضحة، ولكن دخوله في عاصفة الحزم أثر في موقفه من دولة قطر، فضلاً أن السودان درج في الفترة الأخيرة يتجه نحو تمتين علاقاته مع محاور دولية أخرى (تركيا وقطر)، مما يعكس عدم وجود رؤية واضحة وأن هذا الموقف دائماً ما يكون عرضة للاضطراب تجاه دول الخليج، فضلاً عن الموقف برمته يتأثر بعدم فعالية الجامعة العربية.
علاقات استراتيجية
”
السفير جمال يرجع العلاقة الاستراتيجية التي تربط السودان بدول الخليج للعدد الكبير للسودانيين المغتربين فيها، الذين أسهموا إلى حد كبير -معترفة به ذات الدول- في بنائها ونهضتها، فضلاً عن العلاقات الاقتصادية الاستثمارية “
“
السفير جمال محمد إبراهيم الناطق الرسمي السابق لوزارة الخارجية، يرى أن تجمع دول الخليج تربطه بالسودان علاقات استراتيجية ثابتة وهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشرق الأوسط بجانب عضويته في الجامعة العربية.
وحصر إبراهيم علاقات السودان التكتيكية مع دول الخليج في انخراطه مع المملكة وحليفاتها في حرب اليمن ضد الحوثيين، واعتبره تعاوناً تكتيكياً قد لا يأخذ وقتاً طويلاً فضلاً عن علاقات السودان في الجانب الآخر مع قطر والدور المحوري الذي لعبته في إنهاء الحرب في دارفور وتحقيق السلام.
ويرجع السفير جمال العلاقة الاستراتيجية التي تربط السودان بدول الخليج للعدد الكبير للسودانيين المغتربين فيها، الذين أسهموا إلى حد كبير -معترفة به ذات الدول- في بنائها ونهضتها، فضلاً عن العلاقات الاقتصادية الاستثمارية التي تجمع بين السودان ومعظم دول الخليج.
وبين هذا وذاك يظل رابط العروبة والدين واللغة هو العامل الأقوى في الجمع بين السودان ودول مجلس التعاون الخليجي على الرغم من المطبات وسياسة الانفتاح القائمة على المصلحة وحق الدول السيادي في إقامة علاقات خاصة بها مع من تراه.
بقلم: مريم أبشر
شبكة الشروق