ما هو مصير المسلمون في المانيا ؟؟
تشكل مدينة دريسدن معقلا لحركة بيغيدا المناهضة للإسلام، ورغم منع إحدى مظاهراتها بسبب تهديدات إرهابية، إلا أن جوا مشحونا بالقلق يهيمن على المدينة، فكيف يعيش المسلمون هناك في ظل تنامي الحركة؟
الجو مشحون بالقلق والتوجس في “مركز مروة الشربيني للثقافة والتربية” في مدينة دريسدن بولاية سكسونيا في شرق ألمانيا. حضر الشيخ خضر عبد المعطي من برلين وألقى أمام المصلين خطبة الجمعة. هدأ من روعهم ودعاهم إلى “التحلي بالصبر والتزام الهدوء وعدم الانجرار إلى أي شكل من أعمال العنف”. وأراحت رسالة “الطمأنة”، التي بعثتها مديرة شرطة دريسدن للجالية الإسلامية، البعض. مايزال جرح مروة الشربيني طريا لم يلتئم في قلوب البعض هنا. لقيت السيدة المصرية مصرعها هناك عام 2009 على يد متطرف يميني. بيّد أن مصدر الخوف لا يقتصر على الذاكرة فقط وعلى ما حدث لمروة، بل أيضا انطلاقا من شعور الخوف الاساسي الذي يتجلى في تكرار الاعتداءات والمضايقات في الأشهر الأخيرة.
عنف لفظي وجسدي شبه يومي
منذ إنطلاق مظاهرات حركة “وطنيون أوربيون ضد أسلمة الغرب” المعروفة اختصارا بـ”بيغيدا” في العشرين من تشرين الأول الماضي، تزايدت وتيرة الاعتداءات والمضايقات، التي تستهدف الأجانب عموما، والمسلمين خصوصا.
بلغ عدد الجالية المسلمة في دريسدن، حسب إحصائيات وزارة داخلية ولاية سكسونيا، حوالي 4000 شخص في عام 2010. لا توجد احصائيات رسمية اليوم، غير أن الرقم يتراوح بين5000 و 6000. تقول هبة قواسمي، 16 عاما، مولودة في ألمانيا من أب وأم فلسطينين: “أرتدي الحجاب منذ ثلاث سنوات. قبل انطلاق مظاهرات بيغيدا، لم أواجه مشاكل ومضايقات. ولكن ومنذ إنطلاق التظاهرات أتعرض تقريبا يوميا لتعليقات عنصرية مسيئة بسبب الحجاب.” تتحمل المراة المحجبة العبء الأكبر من الاعتداءات، فحجابها يجعلها مختلفة عن غيرها من حيث الشكل ويجعلها محط الأنظار. وقد نقلت روايات متطابقة لعدة أشخاص عن العديد من حالات نزع حجاب بعضهن، وتعرض البعض الآخر لعنف جسدي كالدفع.
لم يسلم الرجال أيضا، وخصوصا ذوي البشرة الداكنة. تتحول المدينة خصوصا مساء الأثنين، وهو الموعد الإسبوعي لتظاهرات بيغيدا، إلى منطقة شبه خالية من الأجانب. ويتجنب الكثير من المسلمين الخروج في وقت متأخر، ويفضلون التحرك كجماعات، خشية تعرضهم لاعتداءات وصلت إلى حد القتل، كما حدث لطالب اللجوء الإريتري، خالد إدريس بحراي.
“أنا خالد” مقارنة بـ”أنا شارلي”
شوهد خالد، ذو العشرين ربيعاً، لآخر مرة حياً مساء الأثنين في 12 يناير الجاري، وفي صباح اليوم التالي وجد مقتولا بعدة طعنات سكين في رقبته وصدره. مازالت التحقيقات جارية حتى اللحظة للكشف عن الملابسات، وحسب الشرطة “فلا دليل حتى الآن عن الفاعل والدافع”. نظمت جمعيات ألمانية وإسلامية يوم السبت الماضي تظاهرة شارك فيها الآلاف للتنديد بالحادث والدعوة لتوفير الأمان للاجئين. وقد أنحى بعض المتحدثين من اللأئمة على بيغيدا “لانها خلقت بمظاهراتها بيئة مشجعة على معاداة الأجانب”. ورفع البعض شعار “أنا خالد” باللغة الفرنسية والألمانية مقارنة ب”أنا شارلي”. وقد استفز أحد اليمنيين المتطرفين جمهور المظاهرة بالدوس على صورة خالد، فقام أحد الشبان بركله، مما استدعى تدخل الشرطة لفض الاشتباك. كان القسم الأعظم من المشاركيين في المظاهرة من المواطنين الألمان الأصليين. وقالت طالبة الطب البشري، فرانسيسكا ديتمن، ومعها زوجها وولديهما في المظاهرة “لدي الشعور بأني معنية بموت خالد. إن ما يحدث يفزعني.” وتؤيد في ذلك صديقتها السيدة بول التي أوضحت: “إن معاداة الأجانب موجودة قبل بيغيدا، ولكنها لم تكن ظاهرة للعين بهذا الشكل. أنا متشائمة بخصوص المستقبل.”
ردود أفعال متباينة للجالية المسلمة
تباينت ردود الأفعال اتجاه تظاهرات بيغيدا والاعتداءات والمضايقات. البعض من المسلمين لا يرى في المظاهرات نفسها مشكلة، مادامت أنها سلمية. وغيرهم من المسلمين يشتكون من سلبية بعض المسلمين وتقاعسهم عن الخروج في مظاهرات مناهضة لبيغيدا. وينعكس هذا الموقف على المظاهرة المنددة بمقتل خالد، حيث غلب عليها الحضور الألماني. تقول هبة القواسمي: “يجب أن نتحلى بالشجاعة ونشارك في المظاهرات المناهضة لبيغيدا، وعدم الأكتفاء بالصمت والتسليم بالأمر الواقع”. وعن ردة فعلها عندما تتعرض لمضايقة ما تضيف قائلة: “أنا لا أصمت وانصرف، ولكن أرد عليهم باللغة الألمانية، وغالبا ما يؤدي هذا إلى إسكاتهم، لأنهم يعتقدون أني أجنبية ولا أعرف الألمانية، لمجرد اني أرتدي الحجاب”.
يفكر رشيد، اللاجئ التونسي الجديد في ألمانيا، جديا في الرجوع لتونس أو على الأقل الانتقال لمدينة أخرى. سيدة تونسية خلعت حجابها بعد تعرضها لأكثر من مرة لمحاولة نزعه عنها بالقوة. من جانبه أوضح الدكتور المصري مجدي خليل، الذي يعمل أستاذا مساعدا بجامعة دريسدن، “علينا الاستفادة من العدد الكبير لحاملي الشهادات والمتعلمين من بين أبناء الجالية لتنظيم العمل وتوحيد جهودنا، ومن ثم التنسيق والتعاون بشكل أكبر وأكثر فعالية مع الجمعيات والفعاليات الألمانية.” في العاشر من يناير الجاري نزل حوالي 35 ألف إلى الشوارع للتظاهر ضد بيغيدا واليمن المتطرف. بعدها بيومين لم تستطع بيغيدا حشد أكثر من 25 ألف.
لماذا دريسدن؟
إلى جانب بعض مدن غرب المانيا يعتبرالوضع الاقتصادي في دريسدن جيدا نسبيا وأفضل من أوضاع معظم المدن الشرقية بما فيها العاصمة برلين. عدد المسلمين بها قليل، إذ لا يشكلون سوى واحد بالألف من عدد السكان، بينما يبلغ متوسط نسبتهم في عموم ألمانيا حوالي 5 بالمائة.
تحدث البرفيسور هانس فورليندر، أستاذ النظريات السياسية في جامعة دريسدن وصاحب أول دراسة علمية ميدانية عن بيغيدا، عن السبب الذي يجعل من دريسدن معقلا لبيغيدا، فأجاب: “أولاً: تزايد عدد الاجئين مؤخرا والخشية من التغير الديمغرافي. ثانيا: موقعها الحدودي بالقرب من التشيك وبولندا، حيث يكثر الحديث عن ازدياد الجريمة بسبب الأجانب. ثالثاً: الاعتداد بالنفس واعتبار دريسدن مرجعية ذاتية لدريسدن. رابعاً: وجود ثقافة التذمر والشكوى. وخامساً: انعزالها عن العالم الخارجي في عهد ألمانيا الشرقية.”
المصدر:دي دبيلو