عاتبني صديق .. كيف أؤيد الجيش وأدعم الانقلاب .. فى الوقت الذى أدعي فيه ديمقراطية وأدعو إلى كفالة الحريات وإتاحتها .. قلت له لذات الأسباب التى ذكرتها .. وهى الديمقراطية والحرية والعدالة فأنا أؤيد الانقلاب ..وإن استدركت قائلاً .. ليت ما جرى يرقى لمستوى
الانقلاب .. لكن على كل حال فالذى جرى منذ الجمعة المنصرمة وحتى الجمعة الأخيرة .. قد حقق فعلاً مهمّاً .. ظللنا ندعو له ونطالب به منذ عشرات السنين .. نعم عشرات السنين ..
لا تندهش يا صديقى فإن كان عمر الإنقاذ ثلاثة عقود .. فما نتحدث عنه قد بدأ منذ عقدها الأول .. بل أنا شخصياً أسميه عقد التمكين .. وهذا التمكين هو الذى أسس لسلطة الحزب .. وكرس لهيمنة الحزب .. وجعل كل غير ذى صلة بالحزب .. مواطناً من الدرجة الثانية .. ولن يتناطح فى ذلك عنزان .. ولسبب من هذا صيغت العبارة الأشهر فى تاريخ السودان
السياسي .. تفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن .. بل صارت العبارة هذه .. أنشودة و مطلباً .. يردده كل من أراد خيراً بالسودان .. عبارة رددها الصادق المهدى ومبارك الفاضل وفاروق أبوعيسى .. و الميرغنى و قرنق .. ودريج وخليل .. ومنى و جبريل .. و قد بح بها صوت نقد حتى فاضت روحه .. !
وتخليص الوطن من ربقة الحزب .. كان وسيظل هو المدخل الوحيد الصحيح .. لسيادة العدالة وإشاعة الديمقراطية .. وتكريس الحريات .. وكل هذا لن يتأتى إلا .. بتفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن .. وإن لن يتحقق هذا إلا عبر دورٍ للجيش كضامن وحارس للممارسة السياسية .. كما حدد ذلك رئيس الجمهورية فى خطاب المفاصلة الثانية .. فمرحباً بالجيش ..!
ولا تزال إجابتى لصديقى متواصلة حين أقول له .. ليست هى المرة الأولى التى أؤيد فيها الجيش .. فقد أيدت الجيش فى أبريل ١٩٨٥ حين انحاز للشعب وتعهد بحماية الديمقراطية .. وحراسة الممارسة السياسية .. وحينها لم يخذلنى الجيش فقد كان عند العهد به .. فأنهى عهدته فى ميقاتها .. ثم أننى .. وهذا ليس سراً فقد كتبته علنا .. نعم كتبت مؤيداً الجيش فى مصر حين تدخل لقطع الطريق على الدكتاتورية المدنية هناك .. وعلى محاولات التمكين التى كان ( الجماعة ) يخططون لنقل تجربتها من السودان .. صحيح أن الجيش هناك قد
خذلنى ..كما خذل كل دعاة الحرية والديمقراطية الذين ناصروه .. وصحيح كذلك أن الجيش خذلنى هناك ثانية حين منعنى من دخول مصر التى أحب .. حين كتبت ناقداً ما صار إليه الأمر .. ولكن الصحيح أيضاً أن كل تجربة بنت ظروفها .. فإن كانت تجربة السيسي تشكك فى الجيوش .. فإن تجربة سوار الذهب تعزز هذه الثقة أيما تعزيز ..!
ويبدو أن تجربة سيناريو دور للجيش قد اختلف هذه المرة .. وإن قاد لذات النتيجة .. ففى أبريل ٨٥ خرجت الجماهير إلى الشارع مناهضة لنظام نميرى .. وحين طغت إرادتها على الواقع السياسي .. قرر وزير الدفاع آنذاك الفريق سوار الذهب أن يكون للجيش دور فى
تفكيك النظام المايوى لصالح نظام ديمقراطى يرضى تطلعات من خرجوا إلى الشوارع .. وفى ديسمبر ٢٠١٨ خرجت ذات الجماهير مرة أخرى مناهضة لنظام الإنقاذ .. وطغت إرادتها أيضاً ..
فقرر القائد الأعلى للقوات المسلحة المشير عمر البشير أن يلعب الجيش دوره فى تفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن .. وهو مطلب الجماهير .. ومطلب الساسة .. وهى العملية الجارية الآن .. وإن لم تكن تعنى ذلك فقل لى ما معنى أن يقول الرئيس أنه قرر أن يقف من كل الأحزاب على مسافة واحدة .. !
ومن ظن أن عام الرمادة هذا .. عفواً عام الطوارىء هذا .. كافٍ لتفكيك دولة الحزب .. العميقة .. فهو بين أحد أمرين .. إما أنه لا يعرف السياسة .. أو أنه لا يعرف الحزب ..!
هذا رأينا يا صديقى على كل حال .. ورأينا صواب يحتمل الخطأ.. ورأيكم خطأ يحتمل الصواب .. ولكن الوطن لا يحتمل التجريب والمغامرة ..!
الصيحه
